لا يزال السماح للأمنيين (الشرطة والدرك وغيرها) والعسكريين بالمشاركة في الانتخابات في تونس، لا سيما المحلية منها، محل تجاذبات سياسية، الأمر الذي عطّل صدور القانون المتعلق بالانتخابات البلدية في مجلس النواب.
ويرى عدد من النواب أنّ الأمنيين والعسكريين والمؤسسات الحاملة للسلاح، تسهر على أمن تونس، وبالتالي يجب عدم إقحامها في التجاذبات السياسيّة، معتبرين أنّ تونس غير مهيأة في الوقت الراهن لاتخاذ خطوة كهذه، في حين يرى بعض آخر أنّ الأمنيين والعسكريين هم مواطنون بالأساس، وبإمكانهم المشاركة في الانتخابات المحلية لاختيار من يمثلهم.
وقال الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزّج بالمؤسسة الأمنية والعسكرية في التجاذبات السياسية يمثل خطراً كبيراً على المشهد السياسي وتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس"، مشدداً على ضرورة "حيادية الأمن".
وذكّر أنّ بعض المؤسسات الأمنية لعبت دوراً في عدة أحداث سياسية في تونس، وساهمت في تأجيج الأوضاع وحاولت حتى التمرد على السلطة في وقت ما، محذرّاً من أنّ إعطاءها فرصة المساهمة في الحملات الانتخابية، ومنحها حق التصويت "لا يخلو من مخاطر".
وأوضح الشواشي أنّ في بعض المحافظات المهمشة يكون لرئيس المركز الأمني سلطة على القرية ما يؤدي في مثل هذه الحالات إلى التأثير على الناس لانتخاب قائمة أو شخص، وحتى توجيه الناخبين، معتبراً أنّ تونس "في غنى عن مثل هذه التجاذبات".
وفي ما يتعلّق بالجنود، رأى أنّ السماح لهم بالانتخاب قد يكون أخطر من السماح بذلك للأمنيين، لافتاً إلى أنّ تونس مفتوحة على عدة جبهات ومنها "الحرب على الإرهاب" والتهريب، مؤكداً أنّ الجندي مكلّف بحماية الحدود وتأمين المناطق، وبمغادرته مركزه لانتخاب رئيس بلدية "قد يعرض أمن البلاد للخطر".
كما ذكّر الشواشي بأنّ الأمنيين والقوات الحاملة للسلاح بشكل عام لا يمكنهم المشاركة في الاحتجاجات أو التظاهرات، وبالتالي هم ليسوا مثل المواطنين العاديين وحالتهم خاصة، معتبراً أنّه يمكن من خلال الانتخابات المحلية القياس على بقية الاستحقاقات من انتخابات رئاسية وتشريعية.
واعتبر أنّ الدعوات إلى إشراك الأمنيين والعسكريين في الانتخابات المحلية "شعبوية مفرطة"، مستشهداً بإلغاء إيطاليا حق العسكريين في الانتخاب بعد اقتناعهم بعدم صوابية القرار.
من جهتها أكدت عضو مجلس النواب عن حركة النهضة، ورئيسة لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والانتخابية كلثوم بدر الدين، أنّ الظرف الحالي في تونس لا يسمح بإقحام حاملي السلاح في التجاذبات السياسية، معتبرة أنّ إشراكهم في الحملات الانتخابيّة يبعدهم عن الحياد.
ودعت بدر الدين في تصريح صحافي، إلى التروّي في دراسة المقترح "لما يشكله من خطورة على تونس"، لافتة إلى أنّ الفصل 49 من الدستور يمكّن من الحد من الحقوق والحريات في حال مس الأمن العام للبلاد.
وفي المواقف، قال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، لـ"العربي الجديد" إنّ هناك دولاً تسمح للقوات الحاملة السلاح بالتصويت وأخرى لا تسمح بذلك، معتبراً أنّ الجدل في تونس ليس قانونياً بقدر ما يتعلق بالمصالح الحزبية والحسابات السياسية.
وحذّر المغزاوي من أنّ المرحلة التي تمر بها تونس "هشة"، معرباً عن اعتقاده أنّ من مصلحة الجميع بقاء الجيش وقوى الأمن على الحياد.
في المقابل، قال النائب عن كتلة الحرة عبد الرؤوف الشريف، لـ"العربي الجديد" إنّ الأمنيين والعسكريين مواطنون، ولا يمكن إقصاؤهم، خاصة في الانتخابات المحلية، مشيراً إلى أنّ المسائل التي تعنى بها البلديات من نظافة وتهيئة طرقات تهم جميع المواطنين بدون استثناء، معتبراً "ألا ضير" في السماح لهم بالتصويت.
واعتبر الشريف أنّ جميع المبررات التي تدعو إلى حياد القوى الأمنية والعسكرية "واهية وغير منطقية"، قائلاً إنّ من حق القوات الحاملة للسلاح المشاركة في الانتخابات والتصويت في المسائل التي تعنى بشؤونهم.
أما النائب عن الجبهة الشعبية أيمن العلوي فقال لـ"العربي الجديد" إنّ موقف الجبهة واضح في تأييد الأمنيين والقوات الحاملة للسلاح بممارسة حقهم الانتخابي والتصويت، خاصة في الانتخابات البلدية، معتبراً أنّ المسألة قد تكون معقدة أكثر في الانتخابات التشريعية والرئاسية، معرباً عن تفهمه الآراء الداعية إلى تحييد المؤسستين في هذه الانتخابات.
ورأى العلوي أنّ تصويت العسكريين والأمنيين في الانتخابات البلدية يعزز حس المواطنة ويقوي ارتباط الأمنيين والعسكريين بالحياة المدنية، مشيراً إلى وجود مقترح يدرس بجدية حول الاقتصار على المؤسسة الأمنية وتحييد المؤسسة العسكرية، مؤكداً أنّ الجبهة الشعبية ستتفاعل إيجاباً مع مثل هذه المقترحات.