تونس تنهي 66 عاماً من "نهب الملح"

09 ديسمبر 2015
مراجعة عقود استخراج الملح تفتح ملف استغلال الثروات (Getty)
+ الخط -


أثار ملف الثروات التونسية من الملح، جدلاً واسعاً بعد أن كشف وزير الصناعة والطاقة زكرياء حمد، اعتزام الحكومة إنهاء عقد الشركة الفرنسية المستغلة للملاحات التونسية، الذي يعود تاريخ إبرامه إلى ما قبل 66 عاماً.

واعتبر خبراء في مجال الطاقة والثروات الطبيعية، أن صمت الحكومات المتعاقبة وتجاهلها هذا العقد، الذي وصفوه بـ"عقد الحماية"، يعد ضرباً من الفساد، لاسيما في ظل خسارة الدولة ما قدروه بمئات مليارات الدولارات، بسبب استغلال الشركة الأجنبية ثروات الملح بنفس الأسعار المتفق عليها عند إبرام العقد عام 1949.

ويعد الملح التونسي، من أجود الأملاح الطبيعية في العالم، ويقع تصديره خاماً إلى فرنسا، حيثما يتم تكريره وتسويقه في العديد من البلدان الأوروبية والآسيوية.

ويقول الخبراء، إنه كان بمقدور تونس أن تحقق عائدات كبيرة، وتصنف ضمن أكبر البلدان نمواً في العالم، في حال الاستغلال الأمثل لثرواتها، التي تحيط شبهات فساد بإدارتها، وكذلك العقود المتعلقة باستغلالها.

ويتراوح إنتاج الملح في تونس بين 1.5 مليون طن ومليوني طن سنوياً، يتم تخصيص 100 ألف طن منها للاستهلاك المحلي، ويتم تصدير باقي الإنتاج إلى الخارج، خصوصاً إلى النرويج والدنمارك وايسلندا.

وحسب بيانات رسمية، تنتج شركة "كوتوزال" الفرنسية وحدها بين 900 ألف ومليون طن في العام.

وقال الخبير في مجال الطاقة، رضا مأمون، إن "صحوة الحكومة في ما يتعلق بملف الملاحات جاءت متأخرة جداً، فكل القيادات التي مرت على تونس أكثر من 60 عاماً ضيعت عليها فرصاً كبيرة، كان بالإمكان أن تغير نسق النمو في بلدهم وأن تعفي الأجيال القادمة من وزر الاستدانة الخارجية التي ستستمر تبعاتها لعقود".

وأوضح مأمون، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "الشركة الفرنسية تستغل أكثر من 15 ألف هكتار من الملاحات (35.7 ألف فدان) بعقد يُقيم الهكتار الواحد بفرنك (عملة لم تعد مستعملة تعود إلى فترة ما قبل الاستعمار) أي تقريباً مجاناً".

وأشار إلى أن الحكومة كان بإمكانها أن تجني أرباحاً بمئات المليارات سنوياً لو اعتمدت السعر الأدنى في الاستغلال، بالإضافة إلى جانب ما كان يمكن أن توفره هذه الاستثمارات من فرص عمل.

وأضاف أن تواصل استغلال الشركات الأجنبية لثروات الملح بعقود مجحفة، يؤكد تواصل السياسة الاستعمارية، لافتاً إلى أن الملح التونسي من أجود الأملاح الطبيعية في العالم.

وتابع مأمون أن الملح التونسي، الذي يصدر خاماً يقع تكريره من الشركات المستغلة في فرنسا، لتستخرج منه عدة مواد كيميائية وصيدلية، تقوم تونس باستيرادها بالعملة الصعبة.

وأشار إلى أن عقد استغلال شركة كوتوزال، لم يراجع على امتداد الستين عاماً الماضية، حيث كان يجدد تلقائياً، مؤكداً أن حكومة مهدي جمعة السابقة اكتفت عام 2013 بتحديد المساحة المستغلة.

اقرأ أيضاً: تونس تفاوض صندوق النقد على قرض جديد

ويعتبر مختصون، ممن قاموا بدراسات حول إنتاج الملح، هذه العملية استنزافاً للثروة الوطنية، مؤكدين أن استغلال الملاحات يتم بتواطؤ من الإدارة العامة للمناجم التابعة لوزارة الصناعة، التي لم تتخذ أي قرار صارم من أجل استعادة حق الدولة التونسية في استغلال الذهب الأبيض واستفادة التونسيين من ثرواته. وتتحصل الشركة الفرنسية على الملح البحري الطبيعي بعملية تبخير مياه البحر.

ويحتوي الملح على مواد تستعمل في صناعة البطاريات، والبروم الذي يستخدم في صناعة الأسلحة، وهي مواد يصفها خبراء مختصون في الثروات الطبيعية بالهامة جداً، كما أنها أغلى ثمناً من الملح.

وقالت مصادر مطلعة إن "عقود نهب الملح تكلف الدولة خسائر تقدّر بنحو 9 مليارات دينار سنوياً (4.45 مليارات دولار)". ولا تحصل تونس في المقابل إلا على نحو 30 مليون دينار (15 مليون دولار) في العام، وفق بيانات رسمية.

ولمنع أي انتقاد لاتفاقية استغلال الملح، تم إحداث لجنة تسمى بـ"لجنة الأزمات" عام 2008، لمتابعة ملفات أملاك الدولة، إلا أنه وفقها فإن هذه اللجنة "لم تكن إلا كذبة، لاسيما في ظل تفشي منظومة الفساد وتكريسها في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي أطاحته الثورة".

ورداً على موجة الاتهامات بنهب الملح، قالت مصادر في شركة "كوتوزال" الفرنسية في تصريحات سابقة، إن ما يتم ترويجه حول استنفاد شركة الشركة للملح التونسي، ونهبه لا أساس له من الصحة، مشيرة إلى أن إنتاج الملح في العالم يقدر بمائتي مليون طن، وهو ما يعني أن هذه الكميات الكبيرة تساهم بشكل كبير في انخفاض سعر الكيلوغرام الواحد من الملح.

وأضافت المصادر أنّ مستثمرين فرنسيين يشاركون في رأس مال الشركة العامة للملاحات التونسية بحوالي 60%، فيما يساهم مستثمرون تونسيون بالنسبة الباقية البالغة 40%، وذلك كأغلب الشركات المختصة في إنتاج الملح.

ويشمل قطاع الملاحات في تونس 6 مشغلين، وقد كانت الاتفاقيّة الموقعة بين مع شركة "كوتوزال" عام 1949، هو بداية استغلال الملح التونسي.

ويشير الفصل 13 من الدستور التونسي الذي وقعه رئيس الجمهوريّة السابق، محمد المنصف المرزوقي، في 26 يناير/كانون الثاني 2014 على أن "الثروات الطبيعيّة ملك للشعب التونسي وتمارس الدولة السيادة عليها باسمه وتعرض عقود الاستثمار المتعلّقة بها على اللجنة المختصّة بمجلس نواب الشعب، وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة".

ويرى خبراء أن إنتاج الملح في تونس بقي من الملفات الهامة المسكوت عنها، وهو ما يستدعي مراجعة تامة للقوانين المنظمة لهذه الصفقات وإدراجها ضمن قانون المناجم إلى جانب تحديد مسؤولية الوزارات المشرفة على هذه القطاعات.

لكن وزير الصناعة والطاقة، قال أمام البرلمان، قبل يومين، لدى مناقشة ميزانية وزارته لعام 2016، إنه سيتم مراجعة آليات وطرق التعاقد والإتاوة المفروضة على استغلال الأراضي في قطاع الملح، مضيفاً أن الحكومة ستنظر في عقود جديدة لاستغلال هذه المادة وإمكانية تطبيق أحكام مجلة (قانون) المناجم في هذا الشأن.

وتوقع نمو القطاع الصناعي في تونس بنسبة 2%، خلال العام المقبل، وزيادة الصادرات الصناعية بنسبة 6% وجلب استثمارات بقيمة 2.3 مليار دينار (1.14 مليار دولار).

وكان نواب، قد دعوا إلى ضرورة مراجعة تراخيص استغلال ثروات الملح، وكذلك قطاعات أخرى منها النفط، حيث أشاروا إلى ضرورة مراقبة أعمال الشركات النفطية، ونشر بيانات عن الثروة البترولية تطبيقاً للشفافية في هذا المجال في البلاد.



اقرأ أيضاً:
البنك الدولي يُقرض تونس 5 مليارات دولار
تونس: أزمة الحزب الحاكم تعكّر مناخ الاستثمار

دلالات
المساهمون