تونس تنتظر "المنقذ" بتحالفات متغيّرة

20 يوليو 2020
الجميع ينتظر إعلان سعيّد عن اسم رئيس الحكومة (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

عاد البحث من جديد في تونس عن رئيس حكومة يكون بديلاً عن إلياس الفخفاخ الذي قدّم استقالته إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد. ثماني حكومات توالت على البلاد خلال تسع سنوات منذ الثورة، من دون أن يتحقق الاستقرار الحكومي والسياسي. مسلسل أصبح ممجوجاً ومخيفاً في تونس، كلفته عالية، وتداعياته سيئة. ففي كل مرة تُبذل جهود من أجل التوصل إلى اسم يمكنه الحصول على أغلبية نسبية في البرلمان، ثم يجمع هذا المرشح حوله فريقاً حكومياً متنوعاً تتقاتل الأحزاب في سبيل تشكيله، ثم يستمع البرلمان والشعب إلى وعود الرجل المنقذ في خطاب وردي واعد، يبدأ بعد زمن قصير الطعن في مصداقية الرجل والتجريح في قدرته على الإنجاز. ويتلقى رئيس الحكومة المعيّن الضربة تلو الأخرى حتى يسقط بالضربة القاضية.
لم يتمكّن الفخفاخ من الصمود طويلاً، وكان خطؤه القاتل محاولة الجمع بين السلطة والمال، على الرغم من أنه لم يُعرَف عنه فساد خلال مساره السياسي. وعندما أحس بأن خصومه قد اقتربوا من لحظة سحب الثقة منه في البرلمان، أدرك أن الساعة قد أزفت، فسارع، بتشجيع من قيس سعيّد، إلى الانسحاب موجهاً بعض الضربات تحت الحزام إلى حركة "النهضة"، بإقالة وزرائها، على الرغم من استقالته من رئاسة الحكومة. استخف بالحركة، وتوقع أنه قادر على أن يفرض إرادته عليها، وأن يستمر في مهمته من دون الاستعانة بها، فأثبتت له قدرتها على إزاحته من طريقها، وأكدت له ولغيره أنها لا تزال تشكل رقماً أساسياً لا يمكن شطبه، على الرغم من بعض الضعف الذي أصابها في السنوات الأخيرة.

أثبتت "النهضة" للفخفاخ قدرتها على إزاحته من طريقها وأكدت له ولغيره أنها لا تزال تشكل رقماً أساسياً لا يمكن شطبه

يجد سعيّد نفسه مرة أخرى أمام أسماء عديدة رشحتها الكتل والأحزاب الرئيسية ليتولى اختيار من يراه "الأقدر". معظم الأسماء سبق أن تم ترشيحها من قبل الأطراف المتنافسة خلال الجولة السابقة، ولا يعلم أحد من سيتم اختياره. كلٌ له حساباته، لكن الجميع لا يعرفون بالضبط ماذا يدور في عقل رئيس الدولة. تسعى الكتلة الديمقراطية، التي تضم "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب"، نحو إقامة ائتلاف واسع لا يضم "النهضة". ومن أجل تحقيق هذا الهدف هما على أتم الاستعداد لإشراك حزب "قلب تونس" والتنازل عن اتهامه بالفساد كما فعلا سابقاً، إذ يعتبران أن "النهضة" بقيادتها الحالية تبحث عن تابعين لها لا عن شركاء، وأن الدفع بها نحو المعارضة في مصلحة البلاد. لكن السؤال هو: هل يمكن استبعاد "النهضة" حالياً في ضوء التشتت الذي تعيشه الساحة السياسية؟

تقارير عربية
التحديثات الحية


رفض "قلب تونس" إلى حد كتابة هذا المقال أن ينقلب على "النهضة"، خصوصاً بعدما سعت لرفع الفيتو الذي كان ضده وعملت على إشراكه في حكومة الفخفاخ على الرغم من اعتراض رئيس الجمهورية. يوجد حالياً تنسيق بينهما من أجل التوصل إلى اسم مشترك لرئاسة الحكومة. وحركة "النهضة" مستعدة للتعامل إيجابياً مع أي شخصية ذات كفاءة يقترحها حزب نبيل القروي. كما يوجد في السياق تنسيق أيضاً مع "ائتلاف الكرامة"، الذي يخوض معارك عديدة مع اتحاد الشغل ومع الطيف الواسع من الأحزاب الديمقراطية، أو ذات الأصول الدستورية. والهدف من هذا "التحالف" الظرفي هو تكوين أغلبية برلمانية ذات تأثير في عملية اختيار رئيس الحكومة الجديد. كما أن هذا التحالف لا يزال مفتوحاً على العديد من الأحزاب الأخرى القابلة لفكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية، التي يشترك "قلب تونس" و"النهضة" في الدعوة إليها.

تسعى الكتلة الديمقراطية لإقامة ائتلاف واسع لا يضم النهضة

وفي الوقت الذي تسعى فيه الأحزاب نحو الخوض في البحث عن الاسم المطلوب، ينظر رئيس الجمهورية إلى هذا الشتات باستهجان. فهو لا يؤمن بالأحزاب، على الرغم من إقراره بشرعيتها. ولأن هذه المسألة لم تُحسم بعد في إطار حوار صريح وعلني وجماعي، فإن بعضهم لا يستبعد أن يقدم سعيّد في النهاية على تعيين اسم من خارج القوائم التي ستقدم له من قبل الأحزاب. عندها ستجد هذه الأخيرة نفسها أمام خيارين: القبول به أو عدم التصويت له في البرلمان. في حالة الرفض يتم اللجوء إلى انتخابات برلمانية سابقة لأوانها.
هناك أكثر من طرف أصبح يرى في الانتخابات فرصة للخروج من المأزق الراهن. لكن تنظيم هذه الانتخابات، بالقانون الانتخابي نفسه، يمكن أن يعيد إنتاج المشهد ذاته، مع تعديلات طفيفة هنا وهناك. كان من المفروض أن يتم وضع قانون جديد قبل الانتقال إلى فتح الطريق أمام انتخابات سابقة لأوانها. وفي انتظار أن يعلن سعيّد عن اسم رئيس الحكومة الجديد، يسيطر القلق على الجميع بسبب استقالة التونسيين من الشأن العام، وتصاعد الأزمة الاقتصادية، إذ قد يخسر ربع العاملين وظائفهم بسبب تداعيات وباء كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية. كما أن البلاد تنتظر تداعيات حرب قد تندلع في أي لحظة في الجارة ليبيا.

موقف
التحديثات الحية