واصلت العديد من أحزاب المعارضة والمنظمات المدنية رفضها لمشروع المصالحة الذي ينظر فيه البرلمان التونسي، وأكدوا أن المشروع الذي بادرت الرئاسة إلى تقديمه لن يجدي نفعا في حلحلة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بقدر ما يخدم مصالح فئة من رجال الأعمال التي صعدت من ضغوطها لتمرير القانون.
وأكدت مصادر مقربة من السلطة، لـ"العربي الجديد"، أن قانون المصالحة كان ثمن انخراط منظمة رجال الأعمال في مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي، بتشكيل حكومة وحدة وطنية. ويتصدر قانون المصالحة قائمة القوانين التي تحظى بأولية مجلس نواب الشعب، فيما تذهب المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إلى أن الاتفاق تضمن وعودا من رجال الأعمال بمساندة الحكومة القادمة عبر ضخ استثمارات جديدة في الاقتصاد قادرة على حلحلة الأزمة.
وأشارت المصادر، إلى أن رئيسة المنظمة وداد بوشماوي، رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أكبر منظمة لأرباب العمل في البلاد، باتت تتحدث عن تحسن نسبي لوضع الاقتصاد تمهيدا للمرحلة القادمة التي سيكون فيها لرجال الأعمال المتمتعين بعفو القانون دور جديد في المساهمة الاقتصادية.
وأوضحت المصادر، أن رجال الأعمال ممن صودرت أملاكهم وجمدت أرصدتهم بمقتضى قانون المصادرة يشترطون ضمانات قانونية للانخراط مجددا في الحياة الاقتصادية، ما دعا الرئيس التونسي، إلى تبني مبادرة المصالحة الاقتصادية.
وفي مقابل إصرار البرلمان على كسب ثقة الأغلبية لتمرير القانون، تعتمد أحزاب المعارضة على الضغط الشعبي وحشد الشارع من أجل منع مرور القانون.
وعبرت مجموعة من مكونات المجتمع المدني، المشتغلة على العدالة الانتقالية، عن رفضها القاطع والمبدئي لمشروع القانون الأساسي المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة الاقتصادية والمالية منددة بكل ما ورد فيه من محاولات بائسة لضرب مسار العدالة الانتقالية في تونس.
ودعا البيان في هذا الصدد "أعضاء لجنة التشريع العام إلى رفض مناقشة هذا المشروع ورده إلى الجهة المبادرة باعتباره مخالفا لأحكام الدستور وقانون العدالة الانتقالية".
وقال البيان: "إن جميع الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية والأحزاب والشخصيات الوطنية عليها الوقوف جنبا إلى جنب ضد كلّ مبادرة ترمي إلى الالتفاف على العدالة الانتقالية".
وفي هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، لـ"العربي الجديد": "إن المشروع لا جدوى اقتصادية ومالية منه، خلافاً لما تدعيه الجهات التي قدمته بأنه لصالح الاقتصاد، لافتا إلى أن القانون يتضارب مع الدستور واستحقاقات الثورة، بل جاء لمعاقبة من قاموا بالثورة، حسب تعبيره.
وتحمل الأحزاب المعارضة والمنظمات المدنية الرافضة لقانون المصالحة الاقتصادية رجال الأعمال المنتفعين من النظام السابق مسؤولية الصعوبات التي تعاني منها البنوك التونسية، معتبرة أن أغلب رجال الأعمال المقربين من النظام السابق تحصلوا على تسهيلات مالية وقروض لم يقع استخلاصها فيما تضطر الدولة حاليا إلى ضخ نحو 440 مليون دولار من المال العام لإنقاذ هذه البنوك.
وتطالب حملة "مانيش مسامح" الرافضة للمصالحة الاقتصادية بإعادة ما تم نهبه من أموال الشعب لينتعش الاقتصاد التونسي الذي يعاني من ركود ونقص في الموارد الذاتية.
ودعت منظمة الشفافية الدولية، البرلمان التونسي لعدم المصادقة على قانون المصالحة، وحذرت من الفساد واختلاس المال العام في حال تمرير القانون
وكانت لجنة البندقية قد رفضت سابقا المشروع، معتبرة إياه اعتداء على مسار العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى عدم دستوريته، والتي أقرت بها الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، عندما رفضت الفصول موضوع الطعون، في قانون المالية لسنة 2016، والتي تضمنت في تفاصيلها مواد متعلقة بالمصالحة، والعفو عن جرائم الصرف.
ويعتبر عضو البرلمان زهير المغزاوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المصادقة على قانون المصالحة الاقتصادية يعني التطبيع مع الفساد وإعطاء الضوء الاخضر للفاسدين بالعودة إلى الساحة السياسية والاقتصادية دون أي محاسبة.
ويخشى المغزاوي، أن تكون المصالحة تحت غطاء الوضع الاقتصادي بداية لنسف مسار العدالة الانتقالية وضربة موجعة للقضاء الذي لم يستكمل بعد النظر في قضايا الفساد المالي المحالة على أنظار العدالة .
وانتقد المغزاوي، إصرار الائتلاف الحاكم على تمرير القانون وتبرئة رموز نظام زين العابدين بن علي، معتبرا أن قانون المصالحة "رد جميل" لرجال الأعمال الذين دعموا الحملات الانتخابية للأحزاب الحاكمة وسيوفرون المساندة للحكومة القادمة، حسب تعبيره.
وفي المقابل، يعتبر الخبير الاقتصادي معز الجودي، أن المصالحة الاقتصادية يمكن أن تلعب دورا مهما خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس وتعكر مناخ الأعمال.
وأضاف الجودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المصالحة خيار استراتيجي لتعزيز الوحدة الوطنية"، مؤكداً أنها ليست "مجانية" ولا تتعارض مع قانون العدالة الانتقالية، مشددا على أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة المصالحة الوطنية الشاملة وهو ما يفترض انخراط كافة التونسيين فيها دون استثناء.
وأوضح الجودي أن عمل هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بالعدالة الانتقالية بطيء في حين أن الاقتصاد في حاجة ماسة إلى نسق أسرع بكثير، وفق تعبيره.
ويعاني الاقتصاد التونسي عموما من شح كبير في الموارد وتراجع نسق الاستثمارات فيما تحتاج الحكومة إلى نحو 1,5 مليار دولار بشكل عاجل لمجابهة النفقات وعجز الموازنة إلى حدود نهاية العام الجاري.
وأعلن ممثلو تنسيقية أحزاب الائتلاف الحاكم في تونس منذ بداية شهر مايو/آيار الماضي، أنهم اتفقوا على "الإسراع في عرض مشروع قانون المصالحة الاقتصادية مع رجال أعمال سابقين على البرلمان، معتبرين أن خروج البلاد من الانكماش الاقتصادي والغموض السياسي يستوجب المضي بنسق أسرع في تجسيم المصالحة الوطنية الشاملة اقتصاديا وسياسيا".
وتشدد الأحزاب الداعمة لمبادرة السبسي، على أن المصالحة الشاملة من شأنها أن توحد جهود التونسيين وترفع من أداء مؤسسات الدولة واستقرار المجتمع وإنعاش الاقتصاد، مؤكدين على أن عقلية الاجتثاث والإقصاء لم تقدم سوى تعميق أزمة البلاد.
واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان صدر الخميس الماضي، أن قانون المصالحة الاقتصادية سيمنح عفواً لمسؤولي وموظفي الدولة المتورطين في فساد مالي أو سوء تصرف بأموال الدولة، محذرةً من أن هذا القانون سيعرقل النظر في الجرائم الاقتصادية ويمنع الوصول إلى الحقيقة.