تونس تتصدر التعاسة

24 سبتمبر 2015
تقدر نسبة البطالة لدى الذكور بـ12.4 في المائة(فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن "مؤشر البؤس" الذي وضعه الخبير الاقتصادي آرثر أوكون، مفاجأة للشعب التونسي إذ أظهرت الدراسة أن تونس تتصدر قائمة الدول الأكثر تعاسة في العالم، بعد تحصلها على درجة 20.1 وفق المؤشر، خصوصاً أنّ المجتمع التونسي يعيش وضعية اجتماعية هشة.


هذا ولم تستثن الدراسة سورية واليمن حيث حصدت هذه البلدان مراتب متقدّمة، بلدان يفترض بها أنّ تكون قد حققت أهدافاً متقدمة في مرمى الديمقراطية والحرّية.

تصنيف أولّ بلد صدّر موجة التحرر عربياً والنموذج الأنجح إلى حدّ الساعة فالتحول الديمقراطي، بأنه يتصدر المراتب الأولى لأكثر البلدان تعاسة يدلّ على الصعوبات التي ساهمت في عرقلة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث حالت دون تحقيق أهداف الثورة الحاملة لشعارات الحرية والشغل والكرامة.

يقال إنّ السعادة لا تشترى بالمال، وإنما أعظم سعادة هي السعادة الروحية المتمثلة في أعماق النفس، ولكن الصحيح أيضا أن المال قادر على شراء "سعادة قليلة وحزن أقل"، إذ أثبتت دراسة حديثة أجريت في جامعة بريتيش كولومبيا الكندية في الآونة الأخيرة أن الدخل المالي المرتفع لا يرتبط بازدياد مقدار السعادة التي يشعر بها الشخص، ولكنه يرتبط بشعوره بالحزن بشكل أقل، كما توصلّ الباحثون إلى خلاصة تفيد أن المال قد يكون أداة فعالة أكثر للحد من الحزن بشكل أفضل من الحصول على السعادة وتعزيزها.

وأحد الأسباب التي طرحت لتفسير ذلك؛ هو أن المال يساعدك على التعامل مع الظروف السلبية خصوصاً الاجتماعية منها، على سبيل الذكر فواتير الكهرباء والماء، أقساط الكراء ناهيك عن مجابهة غلاء المعيشة؛ ولذلك يؤدي هذا لدحض هذه المنغصات لما تعكسه من مشاعر سلبية وما تسببه من حزن للشخص.

أربعة أسباب
1- غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار
أصبح عدد كبير من التونسيين اليوم يعيش صعوبات مالية كبيرة بسبب ارتفاع الأسعار وكثرة متطلبات الحياة، بالإضافة إلى تواصل تدني الأجور مقارنة بغلاء المعيشة، إذ بات هذا الأخير هاجسا يؤرق أرباب وربّات البيوت وأضحى تحقيق المعادلة القائمة على الموازنة بين الدخل والصرف صعبا، إلى درجة أن العديد من العائلات التجأ إلى الديون والقروض، حيث تحول التداين لدى العائلة التونسية إلى جزء من تقاليدها، وفي ظلّ غياب إحصائيات دقيقة تعكس الوضعية الهشة لواقع المواطن التونسي الذي سقط في شراك نمط مجتمعي استهلاكي، إلا أن بيانات البنك المركزي في السنوات الأخيرة تشير إلى إسناد أكثر من 2.131 مليون دينار تونسي كقروض استهلاكية، بعنوان نفقات عائلية يومية، مقابل إسناد أكثر من 16 مليون دينار تونسي كمبلغ إجمالي للقروض الاستهلاكية بمختلف أصنافها، وتبرز الاحصائيات أنّ نسبة نمو القروض على المستوى الوطني بلغت2% شهريا، حيث تتراوح بين 200 و300 ألف دينار، بينما شهدت تطورا سنويا بنسبة 17% خلال الخمس سنوات الأخيرة.

2- ارتفاع نسب البطالة
كشف المعهد الوطني للإحصاء عن ارتفاع نسبة البطالة في تونس خلال الثلاثي الثاني من العام الجاري إلى 15.2 مقابل 15 في المائة خلال الثلاثي الأول من نفس السنة، وأن عدد العاطلين عن العمل يقدر بـ 605.1 آلاف عاطل من مجموع السكان الناشطين الذي بلغ عددهم 3 ملايين و199 ألفا.

كما أفرزت نتائج مسح الثلاثي الأول أنّ نسبة البطالة تقدر بـ 15 في المائة. وتقدر نسبة البطالة في الثلاثي الثاني من هذا العام لدى الذكور بـ 12.4 في المائة ولدى الإناث بـ 22.2 في المائة. أما بخصوص بطالة حاملي الشهادات العليا فقد بلغ عددهم حوالي 212.4 ألفا في الثلاثية الثانية لسنة 2015 مقابل 222.9 ألفا في الثلاثية الأولى لسنة 2015، وتقدر بذلك نسبة البطالة 28.6 في المائة مقابل 30 في المائة في الثلاثي الأول من العام الجاري، في حين كشف صندوق النقد الدولي في تقرير صادر عنه أن تونس تحتل المرتبة الأولى في البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لم يحصد الشباب التونسي الذي ساهم بشكلّ فعّال في الثورة سوى ارتفاع في نسب البطالة، ولم يحقق من الشعارات التي خلت من المفردات الإديولوجية والسياسية شيئا فقد اعتبر 65.1 في المائة من الشباب أن الثورة لم تحقق أي شيء من أهدافها.

3- ارتفاع نسب الفقر
في ظل التجاذبات السياسية و حالة التفكك الاجتماعي التي تعيشها تونس وغياب التوزيع العادل للثروات بين الجهات، سجلت مؤشرات تبرز أن الطبقة الوسطى تكاد تندثر لتلتحق بمن كانوا بطبقة الفقراء ومحدودي الدخل. فحسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء بلغت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى 3.08 في المائة أي حوالي 400 ألف تونسي، في حين تبلغ نسبة التونسيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى 11.4 في المائة؛ أي قرابة مليون و200 ألف شخص.

4- التعاسة نتيجة لخيبة أمل
ساهمت الثورة التونسية في الرفع من درجة الانتظارات لدى الشباب التونسي وغيرهم من مختلف طبقات المجتمع، حيث تجدد الأمل في تحسين الأوضاع، خاصة على مستوى التشغيل، إلاّ أنّ الواقع حال دون سرعة تحقيق الحلم فقد اكتشف الشعب التونسي أن انتظاراته ما زالت بعيدة جراء الصعوبات السياسية والاقتصادية المعروفة والمرحلة الدقيقة والاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، وهو ما يجعل جزءا من الشباب يبحث عن حلول عاجلة لتجاوز أزمته الحقيقية أو مبررات لمنزلقات يراها حلاً على غرار "الهجرة سرية، الجريمة، فضلا عن استهلاك المخدرات والانتحار".

تضيع آمال الشعوب وتندثر أحلام وتنتصر الهزائم النفسية، في ظلّ متغيرات إقليمية ومجتمعية تؤجج المشاعر السلبية وتدفع للإحساس بالتعاسة، علينا أن نعلم جميعاً أنّ انتهاج التعاسة سيحيلنا إلى اليأس والموت البطيء؛ لذلك وجب التسلح بالوعي والعمل كمنظمات ومجتمع مدني أحزاب ونخب على إيجاد حلول تفتح باب الأفق والمستقبل نحو طريق الأمل ومملكة السعادة.

(تونس)