تونس: الحرب على كورونا تحدد مستقبل الفخفاخ

08 ابريل 2020
اتخذت الحكومة التونسية خطوات عدة بمواجهة كورونا (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يرتبط مصير حكومات عديدة في العالم بنتائج حروبها على فيروس كورونا المستجد. فهذه الأزمة تشمل كل الأبعاد؛ الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والسياسية، وسيكون الوضع ما بعد القضاء على الفيروس مُحدداً لمستقبل هذه الحكومات. ولا تشذ تونس عن هذه القاعدة، إلا أنّ رئيس الحكومة، الياس الفخفاخ، اختار أن يجمع كل الأسلحة بين يديه في هذه الحرب، ويكون قائدها الأول، وهو وإن عكس شجاعة سياسية في ذلك، فإنّه في الوقت نفسه يضع مستقبله السياسي كاملاً في يد هذه الأزمة.

وقال الفخفاخ، بشكل صريح ومباشر، في لقاء له على التلفزيون الرسمي أخيراً، إنّ "الأمور غير وردية، ولكن الدستور أعطى الصلاحيات لرئاسة الحكومة... السلطة التنفيذية هي التي تقود الحرب لأنها تملك أدوات الدولة... رئيس الجمهورية يأخذ القرار وفق صلاحياته، والتنفيذ وقيادة المعركة لدى رئيس الحكومة''. وطالب البرلمان في اللقاء ذاته، أن يتأخر خطوات إلى الخلف في هذه المعركة، قائلاً لرئيسه راشد الغنوشي "دورك أن تراقبني لا أن تصبح مسؤولاً معي". وأضاف "أتفهم أن يرغب رئيس البرلمان في عدم الاكتفاء بالمراقبة والمساهمة في الحرب على فيروس كورونا، لأن وراءه ناخبون هو أيضاً".

وبعد أيام من السجالات والضغط على البرلمان، أقرّ مجلس النواب، السبت الماضي، مشروع قانون التفويض لرئيس الحكومة بإصدار مراسيم في مجال التشريع، بأغلبية 178 ورفض 17 نائباً وامتناع 2 عن التصويت، ليفوض بذلك البرلمان سلطة إصدار التشريعات للفخفاخ في المجالات المتعلقة بوباء فيروس كورونا المستجد. وهذا التفويض بأغلبية واسعة، يمنح رئيس الحكومة كل المسؤولية، ولكنه يحمّله إياها بالكامل أيضاً، وهو يدرك ذلك ويعرف أنه إذا نجح في هذه المعركة، فسيفرض نفسه على الجميع بمن فيهم معارضوه أو من كانوا ينوون تغييره بعد أشهر، وفق ما تم تناقله في كواليس تعيينه. ولكنه يدرك في الوقت نفسه أنّ فشله سينهي طموحه السياسي، على الرغم من أنّ كلفة ذلك لن تكون باهظة. فهو لا يراهن بطموح سياسي شخصي كبير، بدليل نتائجه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولا بثقل حزب يمكن أن يتأثر في الانتخابات المقبلة.

في السياق، اعتبر المحلل السياسي، أستاذ الفلسفة السياسية، قاسم الغربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الظرف الحالي فرض تكبيل حكومة الفخفاخ وقيدها، إذ لا حديث إلا عن مجابهة وباء كورونا ومسؤوليتها عن ذلك". ورأى الغربي أنّ إقدام الحكومة على طلب التفويض لإصدار المراسيم "لم يكن خطوة حكيمة لحكومة لم تمض سوى بضعة أسابيع في الحكم، ولا تزال في بداية العهد"، مضيفاً "ربما تكون عملياً خطوة مهمة، ولكنها خاطئة استراتيجياً".

وأوضح الغربي أنّ "الحكومة أضحت بذلك تقود لوحدها دفة الحرب على كورونا"، مشيراً إلى أنها "ستتحمل بمفردها الإخفاقات وتبعات هذه المعركة الاقتصادية والاجتماعية، بعدما استبعدت فاعلاً أساسياً هو البرلمان، وربطت نجاحها في مجابهة الوباء بالتفويض". وتابع "في حال نجحت في تطويق الوباء أو فشلت في ذلك، ستخلف الإجراءات المتخذة في إطار منع انتشار الفيروس أزمة اقتصادية خانقة، واحتقاناً اجتماعياً نتيجة إحالة الكثيرين على البطالة، وتردي أوضاع الطبقات الفقيرة. وستكون حكومة الفخفاخ بذلك المسؤولة أمام التونسيين عن معالجة هذا الوضع، وقدرها في ذلك أن تكون حكومة كورونا، ثمّ حكومة إنقاذ".

وفي تقدير الغربي، فإنه لو طلبت الحكومة تفويضاً عاماً في كل المجالات بدل التفويض في مجالات محددة مرتبطة أساساً بالوباء، "لكان من الممكن أن تحدث فرقاً وجملة من التغييرات اقتصادياً واجتماعياً. وباستثناء ذلك، لا تستطيع الحكومة أن تتخذ قرارات في أي مجال، وستتعرّض لمساءلة قد تكون نتائجها وخيمة، لا سيما في الملف الاجتماعي".

من جانبه، اعتبر رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ حكومة الفخفاخ "تتحمل اليوم، وبعد التفويض الممنوح لها، المسؤولية كلها في مواجهة وباء كورونا، باعتبار أنه لم تعد أمامها عقبات تشريعية، فهي قادرة على اتخاذ الإجراءات من دون تعطيل أو آجال طويلة"، موضحاً أنّ هذا الأمر "يجعل المسؤولية الملقاة عليها أكبر، باعتبار أن السلطتين التنفيذية والتشريعية بيدها".

وبرأي منصر، فإنّ الحكومة "أمام اختبار حقيقي، لكن يمكن القول إنها إلى حدّ الآن تبلي بلاء حسناً، فهناك عمل استباقي جيّد. غير أنّ الأزمة متواصلة، وبالتالي يمكن أن يتطور الوضع في أي وقت وتشتدّ المحنة". وأشار منصر إلى أنّ "التقييم الحقيقي سيكون بعد انتهاء الأزمة"، معتبراً أنه "في العموم لم تقصّر الحكومة إلى حدّ الآن، والإجراءات المتخذة بما في ذلك الحجر الجماعي الشامل، وعلى المستوى الاجتماعي، كلها خطوات تحتوي على عمل استباقي ومسؤولية".

وأوضح منصر أنّ "احتمالات النجاح والإخفاق لا يمكن تحديدها الآن، أو ضبط مقاييسها، لأن هناك دولاً لديها إمكانيات كبيرة وضخمة، فشلت في إدارة الأزمة. وبالتالي، النجاح بالنسبة لتونس، هو أن يكون هناك استباق وتطويق للأزمة، وتلافي الخسائر قدر الإمكان". وبرأي منصر، "التخفيف من تداعيات المحنة الحالية أمر ممكن، والحكومة اتخذت خطوات في هذا الصدد على أمل أن تكون الخسائر في حدود المعقول".

بدوره، رأى النائب عن حركة "النهضة"، محمد القوماني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ مواجهة فيروس كورونا "مسؤولية جسيمة تقع على عاتق الحاكمين من مختلف مواقعهم، ودوائر الفعل والشعب عموماً، لأنّ الخطر داهم ويهدد حياة التونسيين. وبالإضافة إلى الكلفة الصحية، هناك أخرى اقتصادية واجتماعية أساساً". وأوضح أنّ "كورونا ضاعف التحديات التي تواجهها تونس والحكومة عموماً".

وأكد القوماني أنّ حكومة الفخفاخ بعد التفويض التشريعي "أصبحت ذات مسؤولية أكبر من ذي قبل لأنها تقود السلطة التنفيذية، وأضيفت إليها أعباء إصدار مراسيم تشريعية، ما يجعل الفخفاخ أكثر تحملاً للمسؤولية، وأكثر عرضة للمحاسبة مستقبلاً، سواء أخطأ أم أصاب".

وأوضح أنّ حكومة الفخفاخ "أمام اختبار كبير وحقيقي. فعلى الرغم من أنه لم يمض على تسلمها لمهامها سوى فترة وجيزة، إلا أنّ التحديات كبيرة جداً. ففي ظل وضع إقليمي صعب، وأوضاع مالية تشكو من اختلالات كبيرة مع عجز في ميزانية 2020، فضلاً عن ظروف دولية وإقليمية غير مناسبة للتعاون، تتضاعف التحديات أمام هذه الحكومة"، مؤكداً أنه "إذا نجح الفخفاخ في هذه المهمة، باعتباره قائد السفينة، والمسؤول الأول عن إدارة الأزمة، فإنّ ذلك سيكون جهداً محموداً له ولحكومته، وإذا قصّروا، فإنّ العواقب ستكون وخيمة على الكابينة الوزارية".

وعلى الرغم من أنّ الحديث يتركز على الفخفاخ بصفته رئيس الوزراء، فإنّ التبعات ستشمل كل الأحزاب التي تشكل الحكومة، بدءاً بتلك التي ساندته في طلب التفويض، مثل "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب". وحتى "حركة النهضة" التي لم تتحمس للفخفاخ إبان تشكيل الحكومة، ولا أثناء طلب التفويض، ستتحمل أيضاً مسؤولية تداعيات أزمة كورونا، لأنّ وزراءها يقفون في الصف الأول من المواجهة؛ فعبد اللطيف المكي في الصحة، ولطفي زيتون في الشؤون المحلية، وأنور معروف في النقل وغيرهم. ما يعني أنّ الجميع يراهن بكل شيء حالياً، وليس الفخفاخ وحده، وأن كل الحسابات السياسية لا معنى لها أمام رهان يتعلّق ببلد بأكمله، وعلى مستقبله كله، وليس رئيس الحكومة الياس الفخفاخ أو رئيس الجمهورية قيس سعيّد أو رئيس البرلمان راشد الغنوشي لوحدهم.

المساهمون