تطورّت جرائم التهريب على الحدود البرية التونسية، من نمطها التقليدي القائم على الملاحقات والمطاردات، إلى جرائم مسلّحة منظّمة. فكثيراً ما تتحول المواجهات بين الجيش والمهرّبين إلى اشتباكات تنتهي بعملية قتل وإصابات.
وأقرّ الرئيس التونسي، قيس سعيد، منذ يومين، تمديد تصنيف القطاع الحدودي الجنوبي، والجنوبي الشرقي والغربي للبلاد، على حدودها مع كل من ليبيا والجزائر، منطقة حدودية عازلة، لمدّة سنة إضافية ابتداءً من 29 أغسطس/ آب 2020.
وصدر في الجريدة الرسمية التونسية، القرار الرئاسي الذي اتخذه سعيد، بعد استشارة رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، ورئيس مجلس نوّاب الشعب، راشد الغنوشي.
وصُنّفت المنطقة الحدودية العازلة، ضمن مناطق الخطر، كما هي تضم المسالك التي يعتمدها المهرّبون أكثر من غيرها في نشاط التهريب، ويأتي هذا التمديد لقرار سبق أن اتخذه رئيس الجمهورية الأسبق، محمد منصف المرزوقي، في 29 أغسطس/ آب 2013.
وشهد التهريب على الحدود البرية التونسية، تطوراً لافتاً بتحوّل الظاهرة من التهريب العشوائي باجتياز الحدود، من أجل جلب السلع للاسترزاق اليومي على ظهر الدواب وعلى الأقدام، من أجل العائلات المقيمة على تخوم الحدود الشرقية مع ليبيا، والحدود الغربية مع الجزائر، إلى التهريب المنظم من أجل "أباطرة" التهريب و"أمراء" الحدود، من أصحاب "قوافل" التهريب، المزودين بأسلحة في عربات رباعية الدفع، مجهّزة بأحدث التكنولوجيا، التي تفوق أحياناً تجهيزات الجمارك والجيش.
ويعدّ التهريب من أكثر القطاعات غير القانونية النشطة، من خارج الحدود وإلى داخلها، وتشمل جميع أشكال السلع وأنواعها، من بنزين وتجهيزات إلكترونية وأغذية معلبة ومستلزمات منزلية، إلى جانب التهريب الثقيل للأسلحة والمخدرات والمجوهرات والمرجان.
وتُعَدّ مقاومة التهريب والتصدي للمهربين، شغلاً يومياً للوحدات العسكرية والأمنية والجمارك، غير أنّ الصدام بين المهرّبين والقوات العسكرية، احتدّ خلال السنوات الأخيرة بحكم كثافة انتشار الجيش على الحزام الحدودي، ومضاعفة جهود الوقاية من الإرهاب، ولمنع تسلّل الإرهابيين.
وتبادلت وحدات من الجيش التونسي إطلاق النار، أقصى جنوب البلاد، مع مهرّبين كانوا على الجانب الليبي من الحدود.
وقالت وزارة الدفاع التونسية في بيان نشرته نهاية الأسبوع، إنّ مهرّبين في محافظة تطاوين، أطلقوا النار على وحدات عسكرية، في محاولة للتغطية على سيارات تهريب، وتوفير الحماية لها في أثناء دخولها الأراضي التونسية، ما أدّى إلى إصابة جندي في ساقه.
وأفادت الوزارة بأنّه أُوقِفَت 8 سيارات تهريب، في منطقة عازلة، على الحدود في معتمدية رمادة، وأُوقِف 11 شخصاً أيضاً، وضُبطَت كميات كبيرة من السلع المهربة.
وقُتل الأسبوع الماضي، عسكري بطلق ناري، في أثناء مطاردة مهرّبين في المنطقة الحدودية العازلة بجهة الذهيبة، من محافظة تطاوين، بحسب بلاغ لوزارة الدفاع.
وأضاف المتحدث باسم الجيش التونسي، محمد زكري، أنّ الوفاة حدثت في إطار تصدي الوحدات العسكرية لعمليات التهريب على الحدود الجنوبية الشرقية للبلاد، مشيراً إلى أنّ القضاء العسكري شرع بالتحقيق في ملابسات الوفاة.
وعمّت احتجاجات مدينة رمادة في محافظة تطاوين، منتصف الشهر الماضي، إثر مقتل مهرّب بنزين قادم من ليبيا بالرصاص، من قبل الوحدات المتمركزة على الحدود، بسبب رفضه التوقف للتفتيش.
وقالت وزارة الدفاع التونسية في بيانها، إنّ "الوحدات العسكرية قامت بواجبها بموجب أحكام القرار الجمهوري 230 لسنة 2013، القاضي بالتدرّج في استعمال القوّة، بإطلاق أعيرة ناريّة تحذيريّة في الفضاء لإجبارها على التوقّف، لكنّها لم تمتثل، فتمّ في مرحلة ثانية الرمي على مستوى العجلات، إلّا أنّها لاذت بالفرار".
وشهدت محافظة القصرين الحدودية، مواجهات ليلية عنيفة بين محتجين وقوات الشرطة في منطقة فريانة في عام 2019، على خلفية مقتل مهرّب برصاص عناصر الجمارك والدرك في أثناء مطاردته.
وقتل مهرّب في عام 2018 بعد أن صدمته سيارة تهريب أخرى خلال محاولته النجاة من عربته التي أصيبت عجلاتها برصاص الجيش.
وفي 2016 قُتل مهرب في مدينة نفطة، في محافظة توزر، وقُتل مهرّب آخر في مدينة الرمادة في عام 2016، برصاص الجيش، بسبب رفض سيارته الامتثال لطلب الوقوف رغم التحذيرات بأعيرة نارية.
وقال الخبير الأمني، علي الزرمديني، في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ "الإرهاب والتهريب وجهان لعملة واحدة، يرتبطان ارتباطاً كاملاً من حيث عناصر التنفيذ، ومن حيث الاستفادة المشتركة والوسائل والإمكانات المادية. فهما يلتقيان في العديد من المسائل ذات البعد الأمني، من ناحية المدّ اللوجستي الذي يوفّره كلا الطرفين للآخر".
وأضاف الخبير أنّه بقراءة للواقع "نجد أنّ المجموعات المسلّحة من الخارج، هي المتمسكة بالتهريب وتقف وراء هذه العمليات، ومن الجانب التونسي نجد مهرّبين محترفين لديهم صلة وارتباط مع هذه الجماعات والمليشيات".
وأضاف الزرمديني أنّ التشدد في التعامل الأمني مع أي موضوع على الحدود من الجانب التونسي، نتج منه تشديد الخناق على التهريب، انطلاقاً من الواقع الأمني في ليبيا،
ووجد المهرّبون دفعاً معنوياً للتصدي للقوات الأمنية والعسكرية من خلال استعمال السلاح.
ولفت إلى أنّ هذا الوضع يتطلب من القوات العسكرية والأمنية ردّ الفعل بمثله بسبب أهمية الموضوع وحساسيته، فهذا الأمر ليس لحفظ النظام في الشارع، لكنه يحتّم على القوات التونسية استعمال القوة والسلاح ضد هذه الأطراف المسلحة.
وأضاف الخبير أنّ هذه الأطراف المسلّحة، أصبحت توفّر الحماية للمهرّبين وفق استراتيجية للتصدي للسلطة في تونس، ولا يمكن الرد عليها إلا باستعمال قوة القانون الذي يمكّن القوات العسكرية من الرد بقوة.
وأضاف الخبير أنّ المليشيات وكلّ من يحمل السلاح ضدّ الدولة وضد القوات العسكرية والأمنية، يمكن اعتباره "إرهابياً" من الطراز الأول، مستغرباً التعاطف مع من يحمل السلاح.
ولفت الزرمديني إلى أنّه انطلاقاً من خبرته في العمل الأمني الحدودي والإشراف على مراكز حدودية، فإنّ "التهريب أصبح محكوماً لـ"أباطرة" و"عمالقة" للتهريب في تونس، فهم يديرون العديد من نقاط التهريب ومعابره، من خلال مجندين يعملون لفائدتهم. وشدّد على تقاطع المصالح بين المهربين والإرهابيين، الذين تجمعهم مصالح مشتركة ويوفّرون الحماية لبعضهم ويتبادلون العتاد والإمكانات.