تونس: الإفلاس ينهي بريق الإنتاج السينمائي

05 مارس 2015
مواقع تصوير الأفلام العالمية تجذب السياح الأجانب (أرشيف/getty))
+ الخط -


يبدو أن الوضع الأمني للجنوب التونسي، قد يقضي نهائياً على أحلام صناع السينما في تونس، وخصوصاً أن جل الأماكن التي شهدت تصوير الأفلام الأجنبية، أصبحت منذ اندلاع الثورة قبل أربع سنوات، ممراً للتجارة المهربة والأسلحة، حيث تستخدم شبكات التهريب جزءاً هاماً من الصحراء التونسية لتمرير الأسلحة والمخدرات من ليبيا.

وقد عبرت شركات الإنتاج السينمائي في تونس، عن رغبتها الشديدة في عودة شركات الإنتاج

العالمية للتصوير، وخصوصاً أن "جورج لوكاس" منتج فيلم "حرب النجوم" كان قد ترك موقع التصوير بناء على طلب من الحكومة التونسية، كما هو للسماح لمعجبي الفيلم بالسير على خطى الممثلين ومحاكاة تجربتهم.

غير أن ظاهرة التجارة الموازية والتهريب باتت تتبوأ درجات غير مسبوقة في سلم المخاطر الإستراتيجية المهددة لأمن البلاد واقتصادها، وهو ما جعل شركات الإنتاج تعزف عن استغلال مواقع التصوير في محافظات الجنوب بعد تغلغل شركات التهريب في هذه المحافظات وإحكام سيطرتها على كل المسالك التجارية فيها.

وكشف البنك الدولي في تقرير له مؤخراً أن "التهريب يكبد تونس خسائر بقيمة 1.2 مليار دينار (700 مليون دولار) سنوياً".

وقال الخبير الاقتصادي، معز الجودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه وفق البنك الدولي فإن "الجمارك التونسية تخسر سنوياً 500 مليون دينار (280 مليون دولار)، بسبب التجارة الموازية"، مشيراً إلى أنّ "قيمة التجارة الحدودية بين تونس والدول المجاورة وخاصة ليبيا والجزائر تتجاوز 1.8 مليار دينار (920 مليون دولار) سنوياً، أي ما يعادل 5% من إجمالي الواردات الرسمية".

وضع كارثي

وقال رئيس الغرفة الوطنية للمنتجين السينمائيين، رضا التركي، لـ"العربي الجديد"، إن "الإنتاج السينمائي التونسي يشهد وضعاً كارثياً وأصبح مهدداً بالإفلاس بسبب تقلص عدد الأفلام الأجنبية المنتجة والمصورة بتونس بعد الثورة إلى حدود 4 أفلام عالمية، بعد أن كان عددها في عام واحد قبل الثورة يصل إلى 10 أفلام منها ما يحصل على عدة جوائز أوسكار".

وأضاف التركي أن فيلم "المريض الإنجليزي"، الذي حصل على أوسكار، وفر حوالى 1500 فرصة عمل للتونسيين من تقنيين وعمال وشخصيات ثانوية، "بينما اليوم نبحث عن حلول وقتية لتفادي الأزمات المالية التي تهددنا جراء تعهداتنا تجاه المصارف". وتابع أن "300 شركة إنتاج من 500 تعاني من عدم العمل، ما جعل العديد من التقنيين يفضلون الهجرة والعمل خارج تونس".

وقال إن "اضطراب الأمن جعل الأجانب يحولون وجهتهم باتجاه عدد من البلدان على غرار المغرب والأردن"، مشيراً إلى أن تونس خسرت بعد الثورة تدفقاً مالياً بالعملة الصعبة لصناعة

السينما ما بين 50 و60 مليون دينار تونسي (31 مليون دولار)، كما تضررت عدة قطاعات كالتجارة وصناعة الجبس والملابس والسياحة". وتابع "الجنوب التونسي الذي شهد تصوير أشهر الأفلام، وعرف في السنوات الماضية انتعاشة اقتصادية كبيرة أصبح اليوم ممراً للتجارة الموازية ولعبور الأسلحة والإرهابيين".

وقال الطيب الجلولي، الذي يعمل مهندس ديكور، وشارك في عدة أفلام أجنبية "لقد تدفقت الأفلام الأجنبية على بلادنا بسبب الدعاية التي قام بها فيلم حرب النجوم للجنوب التونسي، حيث أصبح مكان تصوير الفيلم قبلة لأغلب السياح، وكان سكان محافظات الجنوب يستبشرون بقدومنا، حيث تنتعش العديد من القطاعات كالسياحة والتجارة والحرف الصغيرة".

وأضاف الجلولي لـ"العربي الجديد"، "كنت أعمل طوال السنة دون توقف، لكن اليوم أصبح وضع القطاع صعباً، بعد عزوف الشركات الأجنبية والمنتجين عن المجيء إلى تونس بسبب الاضطرابات الأمنية".

 وتابع "بسبب هذه الظروف، ألجا في بعض الأحيان للعمل كمصمم للديكور الداخلي للمنازل، رغم أني لا أحبذ ذلك لكني مضطر لتأمين احتياجات عائلتي، لكن رغم كل الأوضاع السيئة أنا متفائل، سيعود الأمن وسيرجع المستثمرون، وأتمنى تصوير الجزء الرابع من حرب النجوم في تونس بعد تصوير أجزائه السابقة، ليعود البريق إلى البلاد كموقع متميز لتصوير الأفلام الأجنبية".

آلاف فرص العمل

هادي كرية، الذي يعمل سائقاً، قال إن نشاط الاستثمار في صناعة السينما وتصوير الأفلام الأجنبية، ساعد على توفير فرص عمل للعديد من المقيمين في المنطقة، حيث تمت الاستعانة بأكثر من 1500 ممثلاً في الخلفية، كما لم تتوقف السيارات عن العمل، لخدمة طواقم العمل.

وبالإضافة إلى خطر الإرهاب الذي يهدد مواقع التصوير في الجنوب التونسي، يواجه السينمائيون مصاعب طبيعية، حيث تهدد الكثبان الرملية في الصحراء بدفن موقع تصوير فيلم "حرب النجوم"، الذي عرف بأنه وجهة للسياح في الصحراء التونسية، حيث أثبتت الدراسات

أن الكثبان الرملية تنتقل على أكثر من 15 متراً في العام، وأنها بصدد الاقتراب نحو مدينة "موس إسبا"، أحد أهم مواقع التصوير، حتى أنها بدأت بضرب مباني المدينة، ومن الصعب بناء سدود لمنع زحف الكثبان.

وتعمل وزارة السياحة التونسية منذ عامين على تنشيط السياحة في هذه المحافظات عبر تنظيم

حفلات موسيقية عالمية والترويج للموقع تحت تسمية "الكثبان الإلكترونية".

ولا تقتصر معاناة الجنوب التونسي على جمود استثمارات الإنتاج السينمائي، وإنما تواصل موجة اللجوء بالآلاف هروباً من ليبيا نحو تونس، وتراجع معدلات التبادل التجاري، وهو ما يزيد من الضغط على الاقتصاد التونسي بشكل مباشر.

وحسب الأرقام الرسمية لوزارة التجارة التونسية، تراجعت المبادلات التجارية الثنائية بين تونس وليبيا بأكثر من 75% نتيجة التوقف الكامل لأنشطة أكثر من مائة مؤسسة تونسية كانت تعمل بصفة كلية مع السوق الليبية.


اقرأ أيضاً: المرزوقي يدعم إنتاج فيلم تونسي- صيني مشترك
اقرأ أيضاً: اقتصاد تونس "العليل" يترقّب إنعاش السياحة والإنتاج

دلالات
المساهمون