وفي حين يرى البعض أنّ الصراع والتجاذب السياسي الحاصل، مسألة طبيعية، يعتبر آخرون أنّ الثورة لم تكتمل، باعتبارها لم تحقّق أهم أهدافها وهي التشغيل والكرامة. كما تنقسم الآراء بين من يبدي رضاه عن حصيلة الفترة الانتقالية الإيجابية حتّى الآن، ومن يحذّر من أنّ تونس لم تتجاوز بعد مرحلة الخطر.
وفي سياق متّصل، يقول القيادي في حزب "نداء تونس"، محسن مرزوق، لـ "العربي الجديد"، إنّه "طوال فترة الانتقال الديمقراطي، كان هناك الغثّ والسمين، وآمال كبيرة للتونسيين وبطولات وتعبئة اجتماعية تاريخية ومتميزة من أجل مستقبل أفضل وأنتجت انتخابات شفافة ونزيهة". لكنّه يشير، أيضاً، إلى "إخفاقات، أوّلها أنّ المجلس الوطني التأسيسي لم يحترم التفويض الشعبي، وقام بتحويل وجهة مسار سياسي بأكمله، من مسار تأسيسي، إلى مسار حكم قام على المحاصصة، وأدخل تونس في أزمة سياسيّة واقتصادية واجتماعية كبرى". ويرى أنّ "الأمر تطوّر إلى بروز روابط عنف جرى تشجيعها، إلى جانب محاولات لأسلمة مجتمع مسلم، وهو ما أدّى إلى عنف واغتيال قيادات سياسيّة بارزة".
ونتيجة ضعف الدولة تجاه التهديدات ذات الطابع الإرهابي، يعتبر مرزوق أنّ "الوضع قد تأزّم أكثر فأكثر، وهو ما قدّم صورة سلبيّة عن تونس، وقفت حاجزاً أمام الاستثمار الخارجي". لكنه يأمل أن "ندخل، بعد الانتخابات، في عهد مختلف، على الرغم من أنّنا لم نتجاوز مرحلة الخطر، إلا أنّنا بدأنا في الطريق السليم وأشرفنا على نهاية المرحلة الانتقالية". ويضيف: "بدأنا في بناء المؤسّسات الديمقراطيّة والجمهوريّة الثانية، وهو ما سيمكّننا من إرساء السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة والرئاسيّة، للاستعداد بتناغم لتحقيق مطالب الشعب".
في المقابل، يُعرب القيادي في "حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة"، سليم بن حميدان، عن اعتقاده لـ"العربي الجديد"، أنّ "المسار الثوري في تونس في صراع طبيعي بين القوى الثوريّة الصاعدة والتواقة إلى الحريّة والكرامة من جهة، ومنظومة الردًّة من القوى القديمة المصرّة على العودة إلى منظومة الاستبداد والفساد، من جهة أخرى".
ويوضح بن حميدان أنّ "حصيلة المدّ والجزر حتّى الآن إيجابيّة، بالنظر إلى المكاسب التي تحقّقت، إذ اتسعت دائرة الحريات وانبثقت مؤسسات جديدة من إرادة شعبية حرّة، صاغت، انطلاقاً من المجلس الوطني التأسيسي، دستوراً حمل كل الأحلام الجميلة وبدأت ترجمته على الواقع من خلال الهيئات الدستوريّة وقوانين أخرى". ويصرّ على أنّ "مسيرة الثورة ألف ميل، وهي خطت خطوات ثابتة على الرغم من المخاطر والمحاذير والرياح الإقليمية والدولية غير المتوازية"، مشبّهاً الثورة بـ"الزيتونة المباركة المصرّة على البقاء راسخة في الأرض، بفضل إرادة الشباب المتطلّع إلى حياة أفضل".
ولا تزال الثورة التونسيّة مستمرّة، وفق ما يقوله رئيس "الحركة الوطنية" التوهامي العبدولي لـ"العربي الجديد"، معتبراً أنّ "الثورة متواصلة، إذ لم تحقّق ما هو مطلوب منها". ويرى أنّه "لا يمكن الحديث عن الثورة إلا باستكمال أهدافها، ومن أهمّها العمل والحريّة والكرامة"، مضيفاً: "صحيح أنّ هناك حرية ولكن لا يمكن التمتّع بها بلا شغل ولا كرامة".
وفي موازاة تأكيده أنّ "العديد من المكاسب قد تحقّقت"، لكنه يعتبر "أنّها لم تكتمل، خصوصاً إذا نظرنا إلى المناطق المهمّشة والتنمية غير المتوازنة"، مشيراً في الوقت ذاته، إلى أنّ "علامات المسار الناجح لا تبدأ في الظهور إلا بعد عشر سنوات، إذ تعطي السنوات الخمس الأولى بعض المؤشرات، وفي السنوات الخمس الثانية، يمكن التقييم والمراجعة وتحقيق نتائج واضحة". ويربط العبدولي "حالة الركود والتقصير السياسي عن أداء المهمات الحقيقيّة التي رافقت الحكومة السابقة، بعدم دراية من كانوا فيها بالعمل الإداري والسياسي"، لافتاً إلى أنّ "تونس توقّفت لمدة ثلاث سنوات، وبناءً عليه توقّف الإنتاج، لكنّنا تجاوزنا مرحلة الخطر، القادم أفضل من السابق".
من جهته، يشير رئيس "حزب المبادرة"، كمال مرجان، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ وضع تونس "أسلم مقارنة بأوضاع دول أخرى في العالم العربي، أو بما يعرف ببداية الربيع العربي في الدول الشقيقة الأخرى"، مشدداً على وجوب أن "تدعم كلّ الأطراف الفاعلة في البلاد التوجّه لإنجاح هذا المسار الديمقراطي، الذي انتهجته البلاد والتأكيد على وحدة البلاد التي تبقى الأساس بالنسبة للمستقبل".
ولا ينكر مرجان حراجة الوضع الأمني، "نتيجة الأخطار المحدقة بتونس، وهو ما يفرض اتحاد الجهود ضدّ كلّ أنواع الإرهاب"، لافتاً إلى أنّ "تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحاد يقتضي تعاوناً كبيراً بين جميع الأطراف في السنوات المقبلة، ووضع برنامج إنقاذ وطني".