"زوجي يضربني لأتفه الأسباب". هذا ما تقوله جيهان، وهي عاملة تنظيفات في الأربعينيات من عمرها، أمّ لثلاثة أبناء، ومن سكان الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "كلّما تخاصمنا، يسارع إلى ركلي وإلى ضربي بيدَيه وبعصا في بعض الأحيان. أحاول دائماً إخفاء آثار الكدمات من على وجهي وحول عينَيّ وعلى كتفَي، فأنا لا أريد نظرات شفقة أو فضول من قبل الجيران ولا تساؤلات متكررة حول سبب صراخي". على الرغم من عنف زوجها الذي لا يتوقف، فإنّ جيهان غير قادرة على طلب الطلاق منه، معلّلة "أنا عاجزة عن إعالة أبنائي بمفردي".
وجيهان واحدة من نساء تونسيات كثيرات يتعرّضنَ للعنف الأسريّ باختلاف أشكاله، على الرغم من القانون الجديد الذي أقرّ لحماية النساء من العنف في فبراير/ شباط الماضي. في السياق، تؤكد المحامية والناشطة في المجتمع المدني، أنيسة التابعي، لـ"العربي الجديد"، أنّها تولّت عشرات القضايا التي تتعلق بالعنف ضدّ المرأة، وقد نجحت في الحصول على أحكام قضائية تدين الأزواج، حتى إنّ بعضهم حكم عليه بالسجن، في حين حصلت زوجات معنّفات على حماية خاصة. وتخبر التابعي أنّ أكثر حالة أثّرت فيها هي "حالة أمّ لثلاثة أبناء، من بينهم طفل معوّق، تعرّضت للعنف مع ابنها المريض، وقد صدر حكم لمصلحتها". تضيف أنّ "العنف يتواصل نظراً إلى العقلية السائدة في المجتمع والتي لم تتغيّر لدى رجال كثيرين"، مشيرة إلى أنّه "بحسب تجربتي فإنّ العنف ينتشر في مناطق تونسية معيّنة، وهو يشمل كل الطبقات الاجتماعية. بالتالي، فإنّ العنف لا يقتصر على فئة دون أخرى".
وتلفت التابعي إلى أنّه "على الرغم من صدور القانون الجديد الذي يمثّل نقلة نوعية في حماية النساء، فإنّ العنف المسكوت عنه يتواصل. ثمّة نساء يخترنَ الصمت، إمّا جهلاً بالقانون وإمّا لأنّهنّ ينكرنَ واقع تعرّضهنّ للعنف. ومنهنّ من يظننَّ أنّ العنف جسدي فقط، في حين أنّه قد يكون معنوياً واقتصادياً وغير ذلك. كذلك، تختار كثيرات تجنّب الطلاق والمحافظة على عشّ الزوجية". تضيف أنّ "نساء غير قليلات يتجنّبنَ القانون الجديد، لأنّه حتى في حال إسقاط الزوجة حقّ تتبّع زوجها وسامحته، فإنّه لن يتمكّن من الإفلات من العدالة والعقاب. أمّا الرجال، فثمّة من يدركون جيداً صرامة القانون، لكنّهم على الرغم من ذلك يمارسون العنف، مستغلّين طول فترة التقاضي، خصوصاً أنّ ثمّة شكاوى تستغرق على أقلّ تقدير ستّة أشهر". وتشرح أنّه "على الرغم من توفّر قانون، فإنّ المشكلة تكون أحياناً في التطبيق وفي الوقت الذي تستغرقه القضايا". لكنّ التابعي تشدّد على أنّ الإيجابيّ في القانون هو "تكوين قضاة ودوائر مختصة ومشرفين للتعامل مع المعنّفات. وقد اشتمل على ثلاثة جوانب هي الوقاية الخاصة بالمرأة المعنّفة والزجر والتعهّد بالضحية".
من جهتها، ترى رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، راضية الجربي، أنّه "على الرغم من صدور قانون أساسي وشامل لمناهضة العنف ضد المرأة، فإنّ العنف ضد النساء ما زال متواصلاً. وثمّة أشكال بشعة من قبيل اغتصاب النساء والعجائز والرضيعات، وهذا أمر خطير ودليل على أنّ الإجراءات الردعية لوحدها قد لا تكفي". تضيف الجربي لـ"العربي الجديد" أنّ "الإجراءات الوقائية لم تدخل بعد حيّز التنفيذ، وما زال الأمر يتطلّب عملاً طويل الأمد لتغيير المناهج العلمية وما يرتبط بالشؤون الثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى دراسة العوامل المؤدية إلى العنف. كذلك فإنّ عملية تكوين (تدريب) وكلاء جمهورية وأمن خاص وممرّضين مختصين في التعامل مع الحالات المعنّفة، ما زالت منقوصة كذلك. بالتالي، فإنّ الطريق ما زال طويلاً ومضنياً للحدّ من العنف ضد المرأة".
وتؤكد الجربي أنّ "نصف النساء في تونس تعرّضنَ، على الأقلّ مرّة واحدة في حياتهنّ، لشكل من أشكال العنف، وبالتالي فإنّ العمل لمناهضة العنف يتطلّب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً". وتتحدّث كذلك عن "عنف اقتصادي، إذ إنّ نسبة كبيرة من العاملات مهمشات ولا يحصلنَ على حقوقهنّ"، لافتة إلى أنّ "دور المجتمع المدني في معاضدة جهود الدولة ما زال دون المستوى المأمول". وتشرح أنّ "الاتحاد خصّص مراكز إصغاء وإيواء للنساء المعنّفات، صارت تستقبل يومياً عشرات الحالات، وثمّة مشروع يُهيّأ في ولاية سوسة لإيواء المعنّفات، على أن يُستحدث قريباً مشروع آخر في ولاية المهدية، لكنّها تبقى جهوداً فردية". وتشير الجربي إلى أنّه "من بين الحالات التي أثّرت فيّ، ما عانته امرأة متقدّمة في السنّ عنّفها زوجها وضربها في أماكن مختلفة من جسدها، لا سيّما على رأسها. بعض الناس يظنّون أنّ الضرب على الرأس لن يترك أثراً بالمقارنة مع ما يتركه الضرب على بقيّة الجسد، وبالتالي يصعب إثبات العنف. لكنّ زوج تلك المرأة، ومن فرط العنف الذي مارسه عليها، قطع لها أذنها".
تجدر الإشارة إلى أنّ نسبة النساء المعنّفات في تونس بلغت نحو 50 في المائة، بحسب آخر دراسة أعدّتها لجنة المرأة في الاتحاد العام التونسي للشغل، في حين أنّ أعلى نسبة من أنواع العنف المسلّط على المرأة هو العنف الجسدي الذي فاق 32 في المائة، بينما احتل العنف النفسي المرتبة الثانية بنسبة 28 في المائة.