تواريخ عربية في متاحف برلين

28 ديسمبر 2015
("بوابة عشتار" في متحف في برلين، تصوير: رادومير فربوسكي)
+ الخط -

الساعةُ تقترب من الثالثة بعد ظهر أربعاءٍ برليني بارد. نحنُ أمام "متحف الفن الإسلامي" في العاصمة الألمانية. بعد قليل، سيبدأ بعضُ اللاجئين بالتوافد على المتحف، ليكون في استقبالهم دليلٌ يتحدّث اللغة العربية، يرافقهم في جولة مجانية تستغرق ساعةً كاملة. الدليلُ لاجئ أيضاً.

يبدأ كلّ شيء بالتسجيل عبر بريد إلكتروني مخصّص لذلك، لا يُشترط أن يُتقن المسجّلون اللغة الألمانية. بعدها، تبدأ الجولة من "متحف الفن الإسلامي"، مروراً بـ"متحف الشرق الأدنى" في "متحف بيرغامون" و"متحف الفن البيزنطي"، وصولاً إلى "متحف التاريخ الألماني".

عبر المتاحف الأربعة، يعود الزوّار إلى أقدم الحضارات البشرية المستولى عليها من المنطقة العربية بطرق شتى: السومرية والأكادية والبابلية والآشورية والحثية والآرامية. هنا، بوابة عشتار وآثار تل حلف. هناك، قصر المشتى الأموي وغرفة حلب. وهناك، إحدى أكبر مقتنيات العملات المعدنية في العالم. وفي المحطّة الأخيرة، خلاصة التاريخ الألماني منذ قرابة ألف عام.

بدأت الفكرة ضمن مشروع "ملتقى لقاءات في المتحف: اللاجئون كأدلّاء في متاحف برلين"، الذي أطلقه "متحف الفن الإسلامي" قبل قرابة شهر، تحت إشراف مديره ستيفان فيبر، وكارين بوت، إحدى منسّقات مشروع "توثيق الإرث الحضاري السوري". تستهدف المبادرة، أساساً، اللاجئين السوريين والعراقيين.

أمّا المرشدون، فهم لاجئون أيضاً، جرى تدريبهم لهذا العمل، ومعظمهم يملكون خلفيات أكاديمية في مجالات الدراسات الإسلامية أو الآثار أو العمارة أو الفنون.

يركّز المشروع، من خلال الجولات التي تشمل المتاحف الأربعة، على التراث الثقافي والتاريخي المشترك بين سورية والعراق من جهة، وألمانيا من جهة أخرى. لكن، ما الذي يجمع الطرفين؟ في صفحته على فيسبوك، نقرأ: "يهدف المشروع إلى خلق علاقة بين الزوّار والمتحف كمكان للتفاعل وربط التاريخ بالحاضر. إنه مكان ليس فقط للتعمّق في التراث فقط، وإنما أيضاً للحوار الحضاري والتبادل الثقافي".

هنا، يتّضح دور المحطّة الرابعة (متحف التاريخ الألماني): قراءة بلد عاش تاريخاً من الحروب والأزمات، ثمّ رمّم نفسه وأصبح على ما هو عليه اليوم. أمرٌ قد يُسهم، بشكل ما، في تعزيز ثقة اللاجئين بأنفسهم وانتمائهم وهويّتهم.

إلى جانب الجولات الميدانية، يشتغل "متحف الفن الإسلامي"، بالشراكة مع "معهد الآثار الألماني"، على مشروع "توثيق الإرث الحضاري السوري" الذي انطلق في 2013، بعد أن امتدّت ألسنة الحرب وأيدي المخرّبين واللصوص إلى الآثار السورية.

يضمّ المشروع باحثين ومختصّين سوريّين وألمان، ويشتغل على توثيق التراث السوري المادي ورصد ما يتعرّض له من نهب وتدمير، واستشراف عمليات ترميمه مستقبلاً. كما يعمل على إعداد أرشيف شامل للآثار السورية داخل البلاد وخارجها.

المساهمون