نظمت الإدارة الأميركية، بقيادة مستشار وصهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنر، ورشة عمل تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"، في العاصمة البحرينية المنامة، يومي 25 و26 يونيو، بغرض الترويج لما يُعرف بصفقة القرن.
وكانت مصر على رأس الدول العربية التي حضرت المؤتمر، رغم أن الجنرال السيسي كان قد أنكر وجود الصفقة في نوفمبر الماضي، عندما سأله أحد الشباب في مؤتمر للشباب بمدينة شرم الشيخ، حيث قال للشاب: "صدقني!.. صفقة القرن هو تعبير أطلقته وسائل الإعلام.. مفيش وأنا بتكلم بصدق، ما عندناش معلومات عن الموضوع ده".
تورط رغم الإنكار
أنكر السيسي، بالرغم من أنه من الأوائل الذين كشفوا النقاب مبكرًا عن الصفقة الغامضة. كان ذلك في إبريل/نيسان 2017، في لقائه بترامب، وفي اللقاء أكد دعمه بكل ما أوتي من قوة للصفقة وقال: "هتجدني فخامة الرئيس، وبقوة أيضًا، داعم وبشدة، كل الجهود اللي هتبذل من أجل إيجاد حل لقضية القرن.. لصفقة القرن اللي أنا متأكد إن فخامة الرئيس هيستطيع إنه يحلها".
المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، هو الآخر كرر عدة مرات أن خطة الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط لن تشمل منح أرض من شبه جزيرة سيناء المصرية للفلسطينيين. وكذلك فعل وزير الخارجية المصري، سامح شكري. ولما سئل الأخير عن ما تردد عن طرح وطن بديل للفلسطينيين في سيناء؟ نفى بقوله: "ليس هناك أي تنازل عن ذرة وحبة رمل من سيناء".
السيسي وهو ينكر وجود صفقة القرن لم ينس أن يؤكد دعمه القضية الفلسطينية، وحق الأشقاء في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، إلى آخر الكلام الذي يردده كل مسؤول عربي منذ عقود.
ومع إنكار السيسي، ونفي شكري، وتكذيب المبعوث الأميركي، أعلن البيت الأبيض رسميا خطة اقتصادية أطلق عليها اسم، "السلام من أجل الازدهار"، وهي الخطة التجميلية لصفقة القرن أو فرصة القرن، كما وصفها كوشنر.
وبحسب الخطة التي نشرها البيت الأبيض قبل يومين من ورشة المنامة، تسهم الدول المانحة بنحو 50 مليار دولار، تذهب 28 مليارا منها للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، و9.176 مليارات لمصر، و7.5 مليارات للأردن، و6 مليارات للبنان.
وبالرغم من مقاطعة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يفترض أن يكون الشريك الأصيل في الصفقة، وكذلك إجماع كل الفصائل الفلسطينية على رفض الصفقة مع اختلاف مشاربهم السياسية، وتصميمهم على إسقاطها، لكن مصر شاركت في مؤتمر المنامة دونما رفض أو تحفّظ، ما يعني أن السيسي مخلص في إنجاح الصفقة كما وعد ترامب.
لم يذكر السيسي حتى الآن نوع الدعم الذي سيقدمه لإدارة ترامب لإنجاز صفقة القرن في مقابل 9 مليارات من الدولارات، ولا الثمن الذي سيدفعه لدعم الصفقة، ولكن المؤكد أنه عندما قال للشاب الذي سأله عن صفقة القرن: "صدقني، أنا بتكلم بصدق"، أنه لا يذكر الحقيقة كعادته، وأنه متورط في هذه الصفقة وسوف يقدم تنازلات، إذ لا يُعقل أن يحصل على 9 مليارات بدون تنازلات؟!
تنازلات في سيناء
طرحت خطة البيت الأبيض 12 مشروعًا تخص مصر وحدها، على أن يتم تنفيذها جميعًا في شبه جزيرة سيناء، وذلك من أجل تعزيز التنمية والتكامل في الإقليم كله، وليس من أجل سيناء وأهلها المصريين.
أخطر ما في الخطة الأميركية المطروحة أنها نصت على إنشاء البنية التحتية ودعم مشاريع الطاقة والكهرباء في سيناء وتوفيرها من أجل مشاريع التنمية في الصفقة. بالإضافة إلى مشاريع دعم الطرق داخل سيناء والبنية التحتية للنقل والمواصلات، لمواكبة التطورات الجديدة، وتحسين الاتصال المحلي والإقليمي.
يقول أحد مشايخ سيناء: "إن تمهيد الطريق أمام الصفقة بدأ عند إعطاء الفرصة لتمدد تنظيم الدولة في سيناء، ثم السياسة الخشنة التي تعامل بها النظام مع أهالي سيناء، وبإلحاق الضرر بالمواطن، وإنهاء الوجود السكاني والزراعي في مناطق واسعة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948".
وتم استكمال ذلك، عبر الضغط على كل سكان شمال سيناء بقطع إمدادات المياه والكهرباء والاتصالات، والمواد الغذائية والمحروقات، هذه الإجراءات دفعت عشرات آلاف المواطنين إلى الخروج منها اضطرارياً، بحسب الشيخ السيناوي.
يقول الشيخ: "كان واضحاً أن من دمر منازل المواطنين وجرّف مزارعهم لن يبني لهم ما يوفر الرفاهية، وقد تم توسيع مطار العريش ومينائها، ومد خطوط الكهرباء الجديدة باتجاه مدينتي رفح والشيخ زويد برغم تهجير غالبية سكانها. بالإضافة إلى مد خطوط مياه وبناء محطات تحلية كبيرة لمياه البحر، خصوصاً في مدينة الشيخ زويد، وهو ما أكده الجزء المعلن من الشق الاقتصادي لصفقة القرن"، وفق "العربي الجديد".
خطة قديمة
خطة توطين الفلسطينيين في سيناء ليست جديدة، ومنذ الخمسينيات والحديث عنها لا ينقطع. الرئيس المخلوع حسني مبارك قال مؤخرًا إن الإسرائيليين سبق وأن طلبوا منه في عهد رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة، مارغريت تاتشر، التنازل عن جزء من أرض سيناء ليكون ضمن الدولة الفلسطينية المرتقبة، ولكنه رفض الطلب بشكل قاطع.
لكن الجديد هو الكلام عن مشاريع في سيناء وميناء ومطار، في إطار ما أطلقت عليه خطة كوشنر مصطلح فلسطين الجديدة. وهو تعبير جديد يدخل ملفات القضية الفلسطينية ويتجاوز الحدود التاريخية للضفة الغربية وقطاع غزة باتجاه سيناء، بحيث يمهد لضم مساحات من شمال شرق سيناء في رفح المصرية والشيخ زويد ومناطق شرق مدينة العريش إلى قطاع غزة.
مؤخرًا، نشرت صحيفة إسرائيل هيوم ما أسمته تفاصيل بنود وثيقة غير رسمية قالت إنه يتم تداولها بين موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، من دون أن يعرف مصدرها، لكنها تحوي بنودًا شبيهة بما يتم نشره عن خطة ترامب بشأن القضية الفلسطينية وتشمل تبادل أراض تتنازل مصر بموجبه عن مساحة 720 كيلومترا مربعا وتحصل على أخرى في صحراء النقب.
وفي إطار التمهيد للصفقة، ادعى محمود عباس أن الرئيس الراحل د. محمد مرسي عرض عليه صفقة مشابهة وأنه رفضها. ادعاء عباس على مرسي، وهو في السجن ممنوع من الكلام، لم يتفوه به ومرسي في الحكم ولو من باب النيل من شعبيته. قوبل تصريح عباس باستهجان ونفي من الفصائل الفلسطينية، ولم تنطلِ الفرية، ولكنها تدل على أن الصفقة يتم التمهيد لها مسبقًا.
وكشف الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، أن مقترحات غربية أرسلت للرئيس مرسي بأن يضم غزة إلى مصر وتحل كل مشاكلها، بشرط أن يكون مسؤولا عن أي صاروخ ينطلق من القطاع، فرفض الرئيس مرسي ورفضت حماس، لتبقى غزة هي غزة، وسيناء هي سيناء، بحسب مشعل.
الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي، يرى أن فكرة السلام من أجل الازدهار هي خدعة كبرى، "وإذا تمعّنا في كيفية صرف الأموال نعرف الهدف منها، حيث إن الأردن ولبنان ومصر مذكورة لسببين في الخطة؛ الأول هو توطين اللاجئين في لبنان والأردن، وإلغاء حقهم في العودة، رغم أن هذا الحق يجب أن يناقش في المفاوضات، أما مصر فمذكورة لفصل غزة عن باقي فلسطين وتحويلها إلى مشكلة مصرية في سيناء".
أطماع في مياه النيل
طرحت خطة البيت الأبيض أيضا مشروعات لتوفير المياه في سيناء لدعم التنمية الاقتصادية على نطاق أوسع، ما يؤكد ادعاء موقع ميدل إيست أوبزرفر البريطاني في نوفمبر 2016، بأن ستة أنفاق غير معلن عنها يتم إنشاؤها تحت قناة السويس، الهدف منها هو إيصال مياه النيل إلى سيناء ثم إسرائيل.
وقال الموقع الذي حصل على صور حصرية من مواقع العمل في هذه الأنفاق، إن الحكومة المصرية قد أعلنت أنها ستبني ثلاثة أنفاق للسيارات ونفقا واحدا للقطارات، إلا أنها لم تعلن أي شيء عن ستة أنفاق أخرى جار العمل فيها، مرجحًا أن الغرض من الأنفاق الستة الأخرى هو إيصال مياه النيل إلى إسرائيل. وأشار الموقع إلى تصريح السفير الإسرائيلي في القاهرة بأن تفاهمات مشتركة حول سيناء موجودة.
من المعلوم أن إسرائيل تعاني من أزمة شح المياه، وهي تغتصب حقوق أهالي الضفة الغربية في مياه نهر الأردن، وتسحب المياه الجوفية من قطاع غزة، كما أن لها أطماعا قديمة في مياه النيل.
قد يتم توصيل حصة مياه النيل للفلسطينيين في سيناء، بعد تهجيرهم إليها في إطار صفقة القرن، ثم تستحوذ إسرائيل على باقي المياه في الضفة الغربية، وقد تحصل إسرائيل على مياه النيل مباشرة عبر خطوط أنابيب وأنفاق ضخمة، والاحتمالان قائمان. والمحصلة أن دولة الاحتلال سوف تحصل على حصة من مياه النيل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
رئيس هيئة تخطيط موارد المياه في إسرائيل، اليشع كالى، وضع في 1974 مشروعًا لجلب مياه من نهر النيل إلى إسرائيل عن طريق أنفاق تمر تحت قناة السويس، وهو ما سعى السادات إلى تنفيذه بحفر ترعة السلام لهذا الغرض، لكن المشروع مات بموته، ويبدو أن السيسي يسعى إلى إحيائه من جديد.