تمثيليات النصر

03 أكتوبر 2017
ويندي لويس/ بريطانيا
+ الخط -

في حال انتهت الحرب، ولم تؤجل لموعد آخر، واستقرت الأمور للأنظمة، حسب وعود "الدول الكبرى" التي تصنع الانتصارات والهزائم، ستشهد مواسم الدراما التلفزيونية للأعوام القادمة موجات من تمثيليات النصر التي لن يشكو متابعوها من الملل، وستحفل بقدر كبير من الإثارة.

فاستعادة كواليس السياسات الدولية السرية، وفصول الحرب الوحشية درامياً ستكون مشوقة جداً، ولا سيما أن أنظمة بلدان الربيع، وعلى رأسها النظام السوري قد خاض الحرب ضد مؤامرة كونية، تجنّدت لها أغلب بلدان العالم ضد هذا البلد الصغير، وأرسلت إليه آلاف الجواسيس ومئات آلاف الإرهابيين، ولم يساعده سوى بلدين سيشار إليهما كثيراً، إضافة إلى الحزب الإلهي، ومليشيات مسلحة بالمذهبية الثأرية. ولا ننسى الجيش المدجج بالمدافع والدبابات والطائرات، هؤلاء سيمثلهم البوط العسكري.

سيقوم نجوم الدراما بتجسيد الأبطال الحقيقيين، يُراعى في اختيارهم أنهم من النجوم الذين وقفوا مع النظام في محنته ضد الإرهاب، ونافحوا عنه ولو بالأكاذيب، فالتمثيل لن يكون تمثيلاً فقط، ولن يخلو من الحقيقة، بعضهم حمل السلاح، وآخرون قاموا بما أملاه عليهم واجبهم الوطني، وطاردوا أعداء النظام من الفنانين، وقطعوا رزقهم.

هؤلاء سيضطلعون بالأدوار الرئيسة التي ستعيد إلى الذاكرة ما بذله الموالون الآخرون من تضحيات كل في موقعه، ما أسهم في النصر النهائي. فالمخابراتي سيظهر في عرينه بين أدوات التعذيب وهي آلات معقدة أصابها الكثير من التحديث خلال سبع سنوات، أثبتت فعاليتها في استنطاق الناشطين السلميين ومتطوعي الإغاثة والأطباء الشبان؛ أجبرهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، ونجح في تحويلهم إلى قتلة حملة سلاح. بينما الشبّيح ذو العضلات المفتولة، رجل المخاطر، التواق إلى الدماء، سيكون له قصب السبق في المجازر الجماعية، حصته محفوظة في النصر، مثلما في السلب والنهب. في حين رجل الأعمال الكريم ممول القتل والذبح، يمثّل الجمعيات الخيرية.

وستلعب المرأة أدواراً هامة، لن تتساوى مع الرجل بل ستتفوق عليه، مجاراة للنظام العلماني، فعلاً وليس قولاً. فقد حملت السلاح، وقنصت بنات جنسها، المحجبات والسافرات دونما تمييز، والشبان وكبار السن والأطفال. ولئلا يشك أحد بمشاركتها وتعرضها لأخطار القصف والمتفجرات، لم تتوان عن احتلال موقع متقدم في الخطوط الأمامية، وكانت إعلامية جسورة، ظهرت على الشاشة وابتسامة شامتة على وجهها، لم تخف خلفها الأنقاض والجثث، رفعت إشارة النصر، وأجرت لقاءات مع نساء مشرفات على الموت. أما الجنود المساكين، الذين اقتيدوا مرغمين إلى الحرب وكانوا طعماً لها، سيبقون مجهولين، متوارين في قبورهم المبعثرة فوق الأرض وتحتها، هؤلاء هم الكومبارس.

وفي حال فكر دراميون من المعارضين المغضوب عليهم العودة إلى حض الوطن، فلن يمنحوا إلا أدوار الخيانة، انحيازهم إلى الحرية والعدالة والقانون، لن ينفعهم. فهي لا تعدو إلا شعارات. وإذا كانت ستُتداول بكثرة على الشاشة الذهبية والفضية، فللتمثيل لا أكثر. الواقع لن يسمح بها.

المساهمون