تماثيل "رابا نوي" المجهولة

23 أكتوبر 2016
أكبر التماثيل يدعى بارو ويصل طوله إلى 10 (Getty)
+ الخط -
التماثيل الحجرية الصامتة في جزيرة الفصح التي تسمى "مواي"، هي نصب تذكاري يخلد مهارة البحارة والثقافة الفريدة للشعوب البولينيزية القديمة. تقف التماثيل التي تدعى "رابا نوي" في صمت، لكنها تتحدث عن إنجازات من أبدعوها. كتل من الحجر المنحوت على شكل رأس وجذع، متوسط طولها أربعة أمتار، وبوزن يبلغ أربعة عشر طناً. وتقريباً لكل تمثال، رأس مفرطُ الكبر يصل إلى ثلاثة أثمان حجم التمثال كله تقريباً، وأكبر التماثيل يدعى بارو، ويصل طوله إلى 10 أمتار، ووزنه 82 طناً، وأحد المنحوتات التي لم تكتمل هو تونجاريكي، ويقدر طوله لو اكتمل بحوالي 21 متراً، وكان وزنه سيصل إلى 270 طناً، وهو من أشهر المنحوتات في الجزيرة.

لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف شيدت هذه الآثار، ونقلت لمكانها، ولكن لابد أنه كان جهداً خرافياً. السبب أيضاً مجهول؛ فلا نعرف حتى الآن لماذا بنى سكان جزيرة رابا نوي هذه التماثيل. يعتقد العلماء أنها كانت لتكريم الأسلاف أو الزعماء أو غيرهم من الشخصيات المقدسة والمبجلة. مع ذلك، لا يوجد سوى القليل من التاريخ الشفاهي الذي يجعل من المستحيل أن نكون على يقين من الحقيقة. التماثيل متراصة وتحمل تعابير غامضة للفخر.

ازدهرت تماثيل المجتمع البولينيزي في هذا المكان، بعد أن وصل البحارة إليه على متن قوارب خشبية عبرت في المحيط الهادئ. تقع الجزيرة على بعد 3700 كلم غرب أميركا الجنوبية، وتبعد عن أقرب جزيرة لها بحوالي 1770 كلم. الجزيرة المنعزلة تماماً صنعت ثقافة معمارية فنية ومتميّزة، وصلت إلى ذروتها خلال القرن السادس عشر عندما نصب الرابا نوي نحو 900 منحوتة عبر الجزيرة كلها.

ويُعتقد أن الرابا نوي قد زالوا نتيجة كارثة بيئية من صنع أيديهم. وليس من الواضح كيف حصل الدمار سريعاً في الجزيرة، ولكن يبدو أن ثمة نشاطا بقطع الأشجار وحرق أشجار النخيل العملاقة بأعداد مهولة كان لتسوية التربة وزراعتها. كما يبدو أن الفئران التي تسللت للجزيرة على قوارب البولينيزيين، قد أسهمت في أكل بذور الأشجار، وساعدت على هلاكها. في كل الحالات فقدْ أدى فقْد الأشجار، وانكشاف التربة في الجزيرة، إلى حدوث تآكل في التربة البركانية الغنية، لدرجة أن وجدها الأوروبيون عندما وصلوا إليها عام 1722 جرداء وقليلة السكان.

الجزيرة اليوم يزورها العديد من السائحين الذين يتوجهون إلى محجر "رانو راراكور" الذي جلبت منه الأحجار المستخدمة في بناء التماثيل، وتتضح أمام الجميع المعجزة التي حققتها الشعوب البولينيزية بالوصول إلى هذه الجزيرة في مراكب خشبية ضعيفة، ورغم أن الوصول اليوم سهل نسبياً؛ لكن الجزيرة لا تزال بعيدة جداً رغم تقدم وسائل المواصلات. موسم الذروة في زيارة الجزيرة هو صيف نصف الكرة الجنوبي من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار فمتوسط حرارة الطقس هناك يكون بين 14 درجة مئوية إلى 22 درجة، ما يجعله طقسا لطيفاً. ولكن، يبقى السرّ الأكبر الذي لم يعرفه أحد حتّى الآن، وهو من بنى هذه التماثيل، وما أسباب بنائها، هل هي سياسيّة أم دينية أم فنية.


دلالات
المساهمون