تلة الكبيْنة... أمان المعارضة وبوابة النظام إلى إدلب وحماة

25 ابريل 2016
حفرت المعارضة الخنادق وبنت المتاريس في التلة (علي الحفاوي/الأناضول)
+ الخط -
تواصل قوات النظام السوري، لليوم السادس على التوالي، محاولتها للسيطرة على تلة الكبيْنة الاستراتيجية في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي (شمال غرب سورية)، وهي آخر وأهم القمم التابعة لفصائل المعارضة السورية هناك. وتتحدّث مصادر صحافية تابعة للمعارضة عن سقوط أكثر من سبعين قتيلاً وعشرات الجرحى لقوات النظام السوري، خلال الأيام القليلة الماضية، في محاولة للتقدم نحو تلة الكبيْنة. ومنذ سيطرة قوات النظام السوري على مجمل ريف اللاذقية، وعلى الرغم من الدخول في هدنة وقف إطلاق نار، في 27 فبراير/ شباط الماضي، لم تتوقف محاولات النظام للسيطرة على قمة الكبيْنة، مقابل صمود واضح لمقاتلي المعارضة السورية و"جبهة النصرة"، ويرجع ذلك إلى أهمية هذا الموقع لكلا الجانبَين.

وتُعتبر التلة مهمة للمعارضة السورية لأنها الضمان الوحيد لها في حال أرادت استعادة ما خسرته في ريف اللاذقية. كما أن خسارتها تهدّد مواقع المعارضة في ريفَي حماة وإدلب. في المقابل، تُعتبر هذه القمة بالنسبة للنظام السوري بمثابة مفتاح لبدء معركة في مدينة جسر الشغور (إدلب)، وسهل الغاب (حماة)، وقطع إمداد فصائل المعارضة، كما أنها تربط بين جبل الأكراد وسهل الغاب. وتعني سيطرة قوات النظام على التلة تمكّنها من قصف القرى والبلدات التي تطلّ عليها، وبالتالي قصف كل من سهل الغاب، وبداما، والناجية، والزعينة، وجسر الشغور، وطريق اللاذقية حلب. ويُعرف عن تكتيك المعارك في الساحل السوري اللجوء بشكل أساسي للسيطرة على القمم، بهدف التحكّم نارياً بالقرى والبلدات والمناطق التي يسعى الطرفان للسيطرة عليها.

وعلى الرغم من خسارة فصائل المعارضة مع "جبهة النصرة" لمعظم مواقعها في ريف اللاذقية، وفشلها في المعارك الثلاث التي بدأتها، الشهر الماضي، ضد قوات النظام السوري، سجّلت المعارضة النجاح الأكبر في تلة الكبيْنة. وبدأت فصائل المعارضة أولى معارك استعادة ما خسرته لصالح النظام السوري في ريف اللاذقية، مطلع الشهر الحالي، في معركة أُطلق عليها "الكرارون"، رداً على انتهاكات النظام وخروقاته للهدنة. وتمكنت المعارضة في هذه المعركة من السيطرة على قريتي رشا ونحشبا في محيط بلدة كنسبا التابعة لجبل الأكراد، وقتل وجرح العشرات من قوات النظام السوري، ليستعيد النظام ما خسره بعملية معاكسة في اليوم التالي.

في العاشر من أبريل/ نيسان الحالي، أي بعد ثمانية أيام من بدء المعركة الأولى، أعلنت المعارضة بدء معركة تحت شعار "وادخلوا عليهم الباب" في جبل التركمان. وسيطرت الفصائل العسكرية على برج وقرية البيضاء، وعين عيسى، وتلة أبو علي، مكبّدة قوات النظام عشرات القتلى والجرحى، قبل أن تعيد قوات النظام السيناريو ذاته، وتستعيد السيطرة في اليوم التالي.

هذا السيناريو تكرر للمرة الثالثة عندما أعلنت فصائل المعارضة تشكيل غرفة عمليات مشتركة تحت اسم "رد المظالم" في ريف اللاذقية الشمالي، بسبب كثرة الانتهاكات والخروقات من قوات النظام كاستهداف مخيمات النازحين، والقصف المتواصل من نقاط النظام القريبة على الأحياء السكنية. وتمكنت المعارضة من السيطرة على قمة الملك، وقريتَي نحشبا ورشا بمحيط بلدة كنسبا في جبل الأكراد، فيما استعادت قوات النظام في عملية معاكسة السيطرة على النقاط التي خسرتها من جديد، ليكون الشهر الحالي شاهداً على ثلاث معارك للمعارضة من دون نتائج تذكر.

ويعزو عضو مجلس قيادة الثورة في ريف اللاذقية، مجدي أبو ريان، سبب عدم تحقيق نتائج تذكر في ريف اللاذقية على الرغم من إعلان ثلاث معارك في أقل من عشرين يوماً، إلى "سوء تنسيق لغرفة العمليات، والقصف المكثّف من جانب قوات النظام، والتي تقوم بمحرقة كلما بدأت فصائل المعارضة بمعركة جديدة، بعدما صارت مراصد النظام كثيرة بحكم استعادته لنقاط كبيرة في ريف اللاذقية". ويوضح أبو ريان لـ"العربي الجديد"، أنّ "النقطة الواحدة تُستهدف من ثمانية إلى تسع مراصد دفعة واحدة، ناهيك عن الطيران والقصف بصواريخ بعيدة المدى، يضاف إلى ذلك، التهويل الذي يحدث من قبل إعلاميي ريف اللاذقية".

من جانبه، يقول القيادي العسكري في الفرقة الساحلية الأولى المعروف بـ"أبو حمزة الجبلاوي" لـ"العربي الجديد" إن "الحملات التي شنّتها المعارضة كانت لصد هجوم جيش النظام السوري، وقد حررنا بعض المناطق، لكن القصف الجوي والأرضي وحصار المناطق التي نسيطر عليها من كافة الجوانب واستهدافها بالأبراج المحيطة، حال دون الاحتفاظ بهذه المناطق"، مبيّناً أن "استنزاف قوات النظام وتكبيدها خسائر كبيرة، هدفنا الرئيسي".

لكن فصائل المعارضة أبدت مع "جبهة النصرة" صموداً كبيراً على تلة الكبيْنة الاستراتيجية، وعلى الرغم من محاولات النظام المتكررة للسيطرة عليها، لم تفلح في ذلك. وعرضت "جبهة النصرة" خلال المحاولة الأخيرة، منذ أربعة أيام، عدداً من القتلى والجرحى لقوات النظام على محور التلة، إلى جانب الغنائم التي سيطرت عليها، فيما يؤكد أبو ريان مقتل قائد الحملة العسكرية للنظام السوري.

وحول كيفية تشبّث المعارضة في الكبيْنة على الرغم من التراجع الكبير الذي حدث في ريف اللاذقية، يلفت عضو مجلس قيادة الثورة ذاته إلى أن "موقع الكبيْنة مميّز، إذ عمد مقاتلو المعارضة مع جبهة النصرة إلى حفر الخنادق وبناء المتاريس بشكل غير معهود، وهو ما أدى إلى خسائر كبيرة لقوات النظام"، مشيراً إلى أن "القصف الجوي والبري على الرغم من كثافته لا يؤثر على هذه الخنادق، وبما أن النظام يعتمد على الصواريخ والطيران، فإنه فشل في المعركة، فرهان النظام على المشاة أضحى خاسراً".

بدوره، يلفت الجبلاوي إلى عامل تكاتف جميع فصائل المعارضة السورية على هذا المحور، وقد تمكنوا من قتل عدد كبير من قوات النظام السوري، مؤكداً على أهمية هذه النقطة التي تعتبر "مفتاح استرجاع جبل الأكراد بالنسبة للمعارضة، كما هو الحال بالنسبة للنظام، إذ يعتقد الأخير أنه في حال ضمانه للكبيْنة، فإنه سيسطر على سهل الغاب، وبالتالي يسقط جبل الأكراد كلياً، وتعد جسر الشغور ساقطة نارياً"، على حدّ تعبيره.

المساهمون