لكن في المقابل، قد تكون هذه آخر الحلول التي قد تلجأ إليها المعارضة، بعد فشل جميع المحاولات السياسية للحوار بين الجانبين، واضطرارها في الكثير من الأحيان إلى توقيع هدن، تخدم النظام بالدرجة الأولى. ويتمثل الأسلوب الذي تعتمد عليه المعارضة في التهديد بقطع الخدمات عن المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وعلى رأسها الماء والكهرباء، ومع أن المعارضة قد تكون أول من يتضرر من ذلك، إلا أنها في كل الأحوال تعاني الحصار الخانق في معظم المناطق التي تسيطر عليها.
ونجح الثوار بداية وبشكل جزئي، في وادي بردى، بعدما شنت قوات النظام الشهر الماضي حملة عسكرية، من أجل اقتحام قريتي عين الفيجة وبسيمة، ما دفع كتائب المعارضة، وعلى الرغم من ضعف قوتها وتسليحها هناك، إلى قطع مياه نبع عين الفيجة عن العاصمة دمشق.
نجح الأمر، عبر إبرام قوات النظام هدنة مع المعارضة، تضمنت إيقاف حملتها العسكرية والإفراج عن معتقلات من وادي بردى، وانسحابها من النقاط المحيطة بالقريتين، مقابل قيام الثوار بإعادة ضخ المياه إلى العاصمة.
واضطر النظام بعدها، إلى الإفراج عن خمس معتقلات وطفل، على الرغم خرقه الهدنة عبر قصفه بمضادات الطيران البساتين المرتفعة من عين الفيجة، إلا أن المعارضة لم تلجأ إلى قطع المياه مرة أخرى، كي يبقى هذا السلاح مفتاح الحل في النزاعات الكبرى.
وإذا ما كان اتفاق وادي بردى قد حقق نجاحاً محدوداً للمعارضة، ضمنت خلاله إطلاق سراح بعض المعتقلات وعدم اقتحام قرى الوادي، فإن الاتفاق المُبرم قبل نحو أسبوع، قد نجح بشكل كامل، حين اضطرت قوات النظام إلى إطلاق سراح سبع معتقلات بعد 48 ساعة على اعتقالهن، إثر قرار "الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحرّرة"، والمشكلة من عدد من الفصائل العسكرية بإدلب، بقطع جميع الطرق المؤدية إلى المدينة، وقطع المياه والكهرباء.
وبعد تهديد "الهيئة الإسلامية" بدأت قوات النظام في إطلاق سراح النساء، بالتنسيق مع منظمة "الهلال الأحمر" السوري، و"الهيئة الإسلامية" في بنش، حيث أطلق سراح امرأتين بادئ الأمر، ومن ثم أفرج عن المعتقلات السبع، لتصدر الهيئة بياناً بفتح الطريق إلى إدلب من جديد.
وتكرر الأمر قبل أيام في ريف حماة، حين هدّد "لواء عمر" المعارض، "بقطع الكهرباء والمياه عن القرى الموالية للنظام السوري في ريف حماة، إن لم يطلق سراح جميع المعتقلات في سجونه وفروعه الأمنية في المحافظة، خلال ثلاثة أيام".
وكشف اللواء بأن "الضربات السابقة التي تعرضت لها محطات التوليد الكهربائية في القرى الموالية للنظام في سهل الغاب، وقطعها عنها، لم تكن إلّا ليعلم النظام بأن الثوار قادرون على ذلك، وبأنهم سيقومون بما يهددون إن لم تنفذ طلباتهم خلال المدة المحددة".
واللافت في الأمر أن نائب رئيس هيئة الأركان في "الجيش السوري الحر"، العميد أحمد بري، شهد للواء في تصريحات لـ"العربي الجديد"، ووصفه بأنه "من ألوية حماة المقاتلة، ومشهود له بالعمل العسكري، وله باع طويل بالمدينة والريف، وإن هدد فإنه يستطيع أن يفعل، ومن الممكن أن يدمر المحطة الحرارية بالكامل". ما يعني أن التهديد لم يأتِ من فراغ، وهذا ما جعل النظام يطلق سراح 60 معتقلاً، من بينهم نساء وأطفال من ريف حماة، قبل انقضاء المدة المحددة. وبارك بري هذه الخطوة التي وصفها بـ"الجيدة"، مبيّناً أنه "يشجع أمثالها من الخطط، كون النظام لا يخضع إلا بالقوة".
وما يميز الأسلوب الذي تنتهجه المعارضة العسكرية بعد مضي نحو أربع سنوات على بدء الثورة السورية، أنها أضحت تتمتع بنوع من الخبرة والقوة لفرض منطقها، إذ سبق لـ"الجيش الحر"، أن استخدم تكتيكات مماثلة بعد أشهر من بدء الثورة، وباءت بالفشل، بسبب سوء التخطيط، وتهديد الثوار بسلاح لا يمتلكونه، وهذا ما حدث مع إحدى الكتائب التابعة لـ"الجيش الحر" في حي التضامن، جنوب دمشق، والتي هددت باستهداف البنى التحتية في المناطق المحيطة بالحي، ما لم يستجب النظام لطلباتها بإعادة التيار الكهربائي إلى التضامن.
وارتكبت بذلك أخطاء عدة أهمها، أن المواطنين في المناطق المحيطة بحي التضامن هم نازحون من الحي نفسه، وبالتالي فإن الضرر الأساس عائد عليهم وليس على النظام، وهو ما قوبل باستهجان شعبي حينها، تحديداً في الأوساط المؤيدة للثورة، ثم أن الكتيبة المعارضة في حينه لم تكن تمتلك القدرة العسكرية لتحقيق ما هددت به في ذلك الوقت، فلم يعرها النظام أي اهتمام. وقد تتوافر لدى المعارضة وسائل التهديد وتنفيذها، ولكن التعويل على التفاوض مع النظام بتهديد السكان الذين يعيشون ضمن سلطته قد لا يكون أسلوباً ناجعاً تماماً، كما حصل قبل أشهر في ريف حمص، حين توفي 44 شخصاً تحت التعذيب في سجون القوات النظامية من أبناء مدينة القريتين وبلدة مهين بعد تسليم قائمة أسماء الضحايا لعائلاتهم، حين تمّ قطع خط الغاز.