اليوم تجدّدت هذه المطالبة مع صدور تقرير المحققة الأممية في الجريمة، أغنيس كالامارد، بالتزامن مع مقالة بقلم خطيبة المغدور خديجة جنكيز نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في الوقت نفسه.
ترافق ذلك مع جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، كان موضوع الجريمة أحد الأسئلة التي طرحت خلالها. هذه المستجدات حظيت باهتمام ملحوظ، ما ردّ الموضوع إلى الواجهة، وهو ما يضاعف الضغوط على إدارة ترامب ويسقط من يدها ورقة شراء الوقت التي استخدمتها لتمييع المسؤولية.
التقرير الأممي أخذ أهمية خاصة، فهو خلاصة أول تحقيق شامل من نوعه في هذه القضية. مهنيته ومرجعيته الحيادية وفرتا الصدقية لمضمونه الذي صوب إصبع الاتهام نحو السعودية باعتبارها "مسؤولة" عن جريمة القتل. وإشارته إلى وجود "أدلة موثوقة تستدعي التحقيق حول مسؤولية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان"، عززت الاعتقاد السائد في هذا الخصوص. وما يزيد من إحراج الإدارة الأميركية أن التقرير يطالبها "بتكليف مكتب التحقيقات الفيدرالي أف بي أي بفتح تحقيق" خاص في الجريمة. دعوة لم تكن لتحصل بهذه العلنية لولا توفر ما يكفي من الإثباتات التي تبررها.
الإدارة الأميركية لم يصدر عنها تعليق على التقرير. موقفها لم يتغير منذ البداية: "ما زلنا نجمع المعلومات" حول ظروف الجريمة. وبقي كذلك حتى اللحظة. خلال مثولها اليوم أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ للنظر في تعيينها، رددت السفيرة الأميركية الجديدة في الأمم المتحدة كالي كرافت، الموقف ذاته حول ضرورة محاسبة من تكشفه التحقيقات. أما في الكونغرس فإن التحرك لم يكن بالمستوى الكافي لترجمة النقمة التي بقيت لفظية حتى الآن. في مجلس النواب مطروح منذ فترة مشروع قرار يطالب وكالة الاستخبارات الوطنية بتزويد الكونغرس بقائمة أسماء الأفراد المسؤولين عن الجريمة "لمنع دخولهم إلى الولايات المتحدة". المشروع رخو ومع ذلك تعذر التصويت عليه. كذلك في مجلس الشيوخ ما زال هناك سعي لتمرير صيغة تكون "خالية من فرض عقوبات على محمد بن سلمان ومن منع بيع السلاح للمملكة". وبرغم ذلك لم تطرح على التصويت بعد.
التشريع الوحيد الذي استقطب بعض الجمهوريين كان مشروع وقف الدعم العسكري للسعودية في حرب اليمن والذي أسقطه الرئيس ترامب بالفيتو الذي امتنع الجمهوريون عن كسره. وعلى الهامش صدرت دعوات من الفريقين في الكونغرس "لإعادة النظر" بالعلاقات مع المملكة أو إعادة صياغتها. لكنها بقيت حبرا على ورق لأن البيت الأبيض ضد، والجمهوريين ليسوا في وارد تجاوز الرئيس. واليوم صدرت دعوات من هذا النوع عن المرشح الرئاسي السناتور الديمقراطي بيرني ساندرز وغيره، لكنها محكومة بالمصير ذاته في الوقت الحالي.
كذلك هي الحال بالنسبة لمناشدات خطيبة خاشقجي التي لخّصت المشهد بجملة معبّرة في مقالتها عندما قالت إن "جمال لم يمت في إسطنبول فقط بل أيضاً في واشنطن". وكانت قد أدلت بإفادتها عن القضية قبل حوالي شهر أمام إحدى لجان الكونغرس والتقت مع بعض أقطابه، لحملهم على اتخاذ موقف فعال في هذه القضية. لكنها لم تحظ بأكثر من التعاطف العاجز الذي أثار خيبتها كما قالت في مقالتها.
ثمة تعويل على أن يكون التقرير الدولي "نقطة تحول" في هذه القضية، على أساس أنه بات من الصعب على الإدارة "تجاهل" هذه الجريمة بعد الآن. لكنه أمل لا أكثر. الشيء الوحيد المضمون أن هذا الملف لن يغادر واشنطن وإلى زمن غير قصير.