تقدّم حيثيات حكم محكمة جنايات القاهرة الصادر أخيراً بإعدام 28 متهماً والسجن المؤبد لـ15 آخرين والسجن المشدد 15 سنة لـ8 متهمين والمشدد 10 سنوات لـ15 متهماً، في قضية اغتيال النائب العام الراحل هشام بركات، رواية خاطئة تاريخياً لتأسيس جماعة "الإخوان المسلمين"، التي اتهمتها المحكمة بالمسؤولية عن اغتيال بركات، لتضاف هذه الرواية الخاطئة إلى سجل حافل لرئيس المحكمة، المستشار حسن فريد، من الأخطاء اللغوية والقانونية والمعلوماتية.
واشتهر حسن فريد من بين القضاة الذين ينظرون قضايا العنف والإرهاب والتظاهر، نظراً لإصراره على إلقاء كلمات قبل النطق بأحكامه، والسماح ببثها على الهواء مباشرة في القنوات الفضائية، فجرى تداول مقاطع الفيديو الخاصة به على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، مكتظة بالأخطاء اللغوية والنحوية، وفشله في تلاوة آيات من القرآن، حتى أقصر الآيات التي تُستخدم عادة في تسبيب أحكام الجنايات في المحاكم المصرية.
لكن في حكم قضية اغتيال النائب العام هشام بركات، لم يكتف فريد وأعضاء دائرته بالأخطاء اللغوية، بل راحوا يضربون بالحقائق التاريخية عرض الحائط، في القسم الأول من حيثيات الحكم التي جاءت في نحو 600 صفحة.
وذكر أن حركة "حماس" الفلسطينية توجد في العراق، وأن "الإخوان" هم من اغتالوا رئيس الوزراء الراحل أحمد ماهر، الذي اغتاله فعلياً شاب من الحزب الوطني القديم على مبادئ الزعيم مصطفى كامل، وأنهم المسؤولون عن اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات بدلاً من جماعة "الجهاد الإسلامي"، وأنهم مسؤولون أيضاً عن اغتيال رئيس مجلس الشعب الراحل رفعت المحجوب بدلاً من جماعة "الجهاد" أيضاً. ستة أخطاء دفعة واحدة صاغتها المحكمة، وهي كما وردت في الفقرات الآتية نصاً:
"نشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية، وأن تلك الجماعة تنتشر في سورية والسودان والأردن والكويت وفلسطين ومصر وحوالي 72 دولة عربية وإسلامية وأوروبية، أسسها حسن البنا سنة 1928 في مدينة الإسماعيلية المصرية، وتم إعدامه مع سيد قطب بعد أحداث المنشية في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأن جماعة الإخوان المسلمين على حد زعمهم يهدفون إلى قيام أنظمة بمنظور إسلامي شامل، يدعمون الحركات والمنظمات الجهادية الإرهابية كمنظمة حماس في العراق وفلسطين وقوات الفجر في لبنان، وأن شعارهم في الظاهر هو: الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، وغيرها من الشعارات الباطلة. يسمى الرئيس لدى تلك الجماعة بالمرشد العام، وهو يرأس جهاز السلطة المكون من مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام، وأن شريعة تلك الجماعة على حد زعمهم تقول إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية وروحانية وعمل ومصحف وسيف، وهي طريقة سنية ودعوة سلفية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية".
وتابعت المحكمة: "إلا أنه وقد كشفت الجماعة الإرهابية (الإخوان المسلمون) عن وجهها القبيح على مدى ما يزيد عن خمسة وثمانين عاماً تقريباً، يبثون سمومهم بالعمل السري والتحريض العام ضد الدولة، وهو عمر الجماعة الإرهابية، وعن تاريخها الأسود من العنف والتحايل واستغلال الفرص والاغتيالات ونشر الفوضى وإشاعة الخوف بين صفوف الشعب المصري، ومحاولتهم الدؤوبة الإيقاع بين الشرطة والجيش والشعب لمرور الدولة بتاريخ حافل. في القرن الماضي قتلوا الكثير من رموز مصر، فهنا استباح الإخوان قتل المصريين، فقاموا باغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر والقاضي أحمد الخازندار في عام 1948، وبعده بشهور قاموا باغتيال محمود فهمي النقراشي باشا رئيس وزراء مصر، ونسفوا السنيمات، وتفجير المنشآت العامة، ومات فيها الكثير من المصريين الأبرياء من المسلمين والمسيحيين، ومحاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وفي نهاية الثمانينيات والتسعينيات كان سلاح الإرهاب الأسود الاغتيالات والتفجيرات، فتم اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، واغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق، والكثيرين، ومنهم الوزراء والقضاة ورجال الدين ثم أبطال الشرطة والقوات المسلحة ممن يخالفهم في أفكارهم".
وفي فقرة أخرى، بدت المحكمة كأنها نصّبت نفسها مسؤولة عن محاربة التطرف الديني قائلة: "إن التطرف الديني حتماً سيولّد بلا ريب إرهاباً وإسالة الدماء ويسقط كل أقنعة السياسة القبيحة عن وجه المتطرفين ضعاف النفوس ـ خوارج هذا العصرـ خفافيش الظلام الذين يقومون بحملات ممنهجة دون إدراك بالتلاعب بأمن هذا الوطن، باستهدافهم اغتيال رموز الدولة المصرية وتفجيرهم المنشآت العامة، والهدف منه سقوط الدولة وهدم الحضارة الإنسانية من قبل التنظيمات الإرهابية والفكر المتشدد. إلا أن العمليات الخسيسة تزيد الشعب تماسكاً وإصراراً بعزيمة بقيادته السياسية وولائه ودعمه لجيشه وشرطته ولقضائه والتمسك بدولته".
ثم عرّجت المحكمة للحديث بلسان النظام السياسي والسلطة الحاكمة بقولها: "نحن في حرب فكرية ضد المتطرفين سفاكي الدماء البريئة التي تراق والأرواح المظلومة التي تزهق من قبل هؤلاء المنافقين المتطرفين الذين يُظهرون خلاف ما يبطنون، ظناً منهم النيل من الدولة المصرية، وينبئ كثيراً عن غايتهم الحقيقية. فالجماعات المتطرفة والقوة الرجعية تستغل حماس الشباب وفقرهم وجهلهم بدينهم، فكان الأحرى بهم أن يتوقفوا بالبكاء على الأطلال، فكان الظن منهم العجز والتخلف والتبعية والهوان بعد ما أصابهم الوهن والمرض".
وعادت المحكمة للحديث عن جماعة "الإخوان" قائلة: "إن تاريخهم ينهار وهم في حالة الاحتضار وليس لديهم سوى هذا الخيار، فقاموا باستقطاب الشباب وزعزعوا عقيدتهم وتضليلهم وزعزعت نفوسهم، ودسوا عليهم حلاوة القول المغلوط وأفكارهم المتطرفة، ودسوا سمومهم بالجهل والتطرف والفهم المنحرف، مستغلين ما لمسوه فيهم بالتسليم بما يقولون والثقة فيما يصنعون والطاعة لما يأمرون، فراحوا يدسون عليهم القول المتطرف وما يشق الصف ويزيد الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، للإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وبين كل من طالب بإقصاء رئيسهم، فنزعوا عنهم لباس التقوى ووصفوهم بالخونة والكافرين، وصوروا لهم لقاءهم بهم كلقاء الأعداء في المعركة. إنه ضلال مبين وكذب على الدين من إثم وبغي وعدوان مبين. هدفهم إسقاط البلاد وإذلال العباد، فما منهم أحد عالم بالدين، أولئك كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، لاتباعهم أفكار سيدهم (سيد قطب) الذي يجهل الدين وكفّر المجتمع واستباح قتال المسلمين بدعوة عدم تطبيق الدين، وخالف إجماع الأئمة وأهل العلم. تلك هي عقيدتهم، هم بها مقتنعون، ولكن ما نجحوا، فأرض الكنانة قوية آمنة من عند الله".