ووفق معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، فإنّ التفاهمات تعرضت للمرة الثانية لانتكاسة عطلت تنفيذها المتدحرج، إذ كانت نبرة التفاؤل، خصوصاً من قبل المحسوبين على دحلان مرتفعة، لكن يبدو أنّ مصر عطلت بعض ما هو مطلوب منها تنفيذه ما أدى للانتكاسة الجديدة.
وتعزو مصادر "العربي الجديد" الانتكاسة الحالية إلى اختلاف وجهات النظر داخل السلطات المصرية نفسها تجاه التفاهمات مع "حماس"، وعدم رغبة الجناح المصري الرافض لها، في استمرار تنفيذ أي جزء منها بل والعمل على وقف التطبيق المتدحرج لها.
ويعد معبر رفح البري المغلق، والذي فتح 17 يوماً هذا العام فقط، الدليل الأبرز على الانتكاسة في التفاهمات. ورغم الحديث المصري المتكرر عن إنجاز الإصلاحات في المعبر إلا أنّ المسافرين أخيراً من غزة للحج لم يلمسوا أي تغيير لا في الإصلاحات ولا في المعاملة القاسية. وانتشرت مقاطع فيديو لفلسطينيين وفلسطينيات في المعبر يفترشون الأرض خلال أيام فتحه القليلة قبل أيام، في ظروف إنسانية غاية في التعقيد. ولا تزال مصر تحتجز نحو عشرة فلسطينيين في مطار القاهرة وتمنعهم من العودة إلى القطاع.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لا يوجد شك في أن التفاهمات التي جرت بين حماس ومصر والقيادي المفصول من فتح محمد دحلان لم يطبق منها إلا القليل خصوصاً في ظل استمرار إغلاق معبر رفح البري وعدم وجود موعد محدد لفتحه بالرغم من بعض المراهنات على فتحه بعد عيد الأضحى. ويوضح المدهون أن المماطلة المصرية تعود إلى عوامل عدة، منها عدم وجود نية لديهم للتعاطي مع حركة "حماس"، ووجود صراعات داخل الأجنحة المصرية الأمنية حول التفاهمات، إلى جانب الصراع القائم بين تيار دحلان والرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل عرقلة التفاهمات.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى أن القطاع يعيش في مفترق طرق حقيقي في الفترة الحالية، فهو "يريد إما أن يكون هناك التزام بالتفاهمات ونصل لمرحلة يجري عبرها التخفيف على القطاع من الأزمات التي يعيشها، أو ستذهب الأمور في طريق الانفجار في وجه الاحتلال".
ويرى المدهون أن حركة حماس تعاملت بذكاء والتزمت حالة من الصمت تجاه التفاهمات ولم تنشر الكثير عن طبيعة هذه التفاهمات، إلا أن بعض المقربين من دحلان وحركة حماس من النخب التي سارعت للنشر تعيش هذه الأيام حالة من الحيرة لأن واقع الإجراءات المصرية لن يصب في إكمال حالة الأمل.
ويلفت المدهون إلى أن حماس كانت مدركة أن الواقع معقد وصعب منذ بداية التفاهمات مع مصر ودحلان، وسعت لأن تقوم بكل الخطوات المطلوبة منها من أجل تبرئة نفسها شعبياً وحتى لا يحمّلها أحد المسؤولية حال تجدد الاشتباك العسكري مع الاحتلال.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إن أصل التفاهمات بين مصر وحماس أمني بالدرجة الأولى وله علاقة بالأمن القومي المصري، في الوقت الذي ترتبط التفاهمات مع دحلان بأبعاد سياسية وإنسانية، خصوصاً بالوضع في القطاع.
ويضيف عوكل، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه من الصعب التوقع بأن تجد هذه التفاهمات طريقاً على أرض الواقع، خصوصاً في ظل وجود أزمة ثقة قائمة بين حركة حماس ومصر وتحتاج إلى المزيد من الخطوات، من ضمنها أن تتأكد مصر من صدق نوايا الحركة قبل أن تتحرك بوتيرة متسارعة. ويشير إلى أن موقف السلطة الفلسطينية من التفاهم حاضر، فهي لا تقف متفرجة وتضغط على مصر التي تتعامل معها على أنها الشرعية الفلسطينية، في الوقت الذي ملّ الشارع الغزي لكثرة الحديث عن الانفراجات وتحسن الأوضاع.
ويرى عوكل أن "ما جرى على معبر رفح خلال فتحه قبل أيام عدة نذير شؤم، لأن الغزيين توقعوا أن تشهد هذه المرة من عمل المعبر معاملة وتحسناً أفضل مما كان عليه في السابق، في الوقت الذي تعتبر هذه المرة إحدى أسوأ المرات التي فتح خلالها معبر رفح". ويلفت عوكل إلى أن مبادرة القسام موجودة على الطاولة إلا أنها بالون اختبار وهي مطروحة كخيار في حالة تعثر الأمور، ومن الطبيعي إذا تعثرت هذه التفاهمات ألّا يبقى لدى حركة حماس إلا خيار تفجير الوضع تجاه إسرائيل من دون إحداث فراغ أمني وسياسي.