قصة الطفل أدريان جونز، أعادتها وسائل الإعلام الأميركية إلى الواجهة من جديد، أمس الجمعة، رغم أن أحداثها التي وقعت في ولايتي ميسوري وكنساس الأميركيتين تعود إلى خريف عام 2015. لكن مستجدات القضية المتعلقة بأم الطفل البيولوجية ودعواها القضائية ضدّ مؤسسات رعاية الطفل، والمسار التشريعي، أعادوا نبش تفاصيل الجريمة التي وثقتها السلطات الأمنية والقضائية، وتكشف وحشيتها الصور. كما تكشف تفاصيل الأحداث التي سبقت اعتراف القاتلين مايكل جونز وزوجته هيذر جونز بجريمتهما، عن فضيحة مؤسساتية في الولايتين، بعد أن تبيّن أن مئات الاتصالات تلقتها خدمات الخط الساخن عن تعذيب الطفل، لكنها لم تحرك ساكناً.
الاعتداء الذي تعرّض له أدريان على يد والده وزوجته وثّقها المجرمان بدقة، من خلال عشرات كاميرات المراقبة التي زرعاها في البيوت التي تنقّلا إليها في أنحاء الولايتين، وجمعت زوجة الأب صور الفظائع وخزّنتها على الإنترنت إلى أن اكتشفتها السلطات لاحقاً.
ووصفت تقارير الشرطة والمدعون العامون حالات التعذيب الظاهرة في الصور، التي بيّنت أدريان مربوطا إلى طاولة معصوب العينين، أو واقفا في مياه بركة السباحة العميقة والقذرة طوال الليل وحتى الصباح. في صور أخرى، تظهر الدماء حول فمه والكدمات، وأسنانه المتعفنة، ويداه المتورمتان وآثار القيود عليهما، وفي إحداها يظهر مربوطاً بطبق الطعام أمامه وفي فمه لوح صابون، بحسب صحيفة "كنساس سيتي ستار".
وأوضحت التحقيقات أن أدريان كان خلال أيامه الأخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مقيداً في حوض للاستحمام وتُرك فيه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وفقاً لشهادات خطية سجلتها وكالة "أسوشييتد برس". كما أظهرت تصريحات الادعاء بأن الطفل تعرّض للتجويع حتى مات.
وتُركت جثة الطفل في المنزل، قبل أن تُلقى طعاماً للخنازير. إذ ذكرت السلطات أنها عثرت على بقايا جثة الطفل في حظيرة للخنازير تابعة لمنزل العائلة، يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. واعترف مايكل جونز، والد أدريان، بأنه أحضر الخنازير بعد أسبوعين من موت الطفل، وأنه أبقى جثة الطفل داخل البيت طوال تلك المدة، قبل رميها في الحظيرة.
واستمع المحققون لاعترافات طفل قال فيها إنه رأى من أحد الشقوق الطفل أدريان يصرخ ويقول لزوجة أبيه إنه سيموت.
وحكم على المجرمين بالسجن المؤبد لارتكابهما جريمة قتل من الدرجة الأولى.
تشريع جديد ودعوى قضائية
قصة أدريان دفعت المشرّعين إلى سنّ تشريع في ولاية كنساس يعاقب البالغين الذين يتغاضون عن التبليغ عن إساءة معاملة الأطفال في المنزل.
ورفعت والدة أدريان وجدته لأمه وشقيقته الكبرى دعاوى قضائية في كلتا الولايتين ضد مؤسسات حماية الطفل التي أخفقت في حماية الطفل من الضرر. وقالت محامية الأسرة، ميكيلا شيلتون، في دعواها القضائية ضد تلك المؤسسات: "على الرغم من جميع علامات التحذير، والمكالمات الواردة للخط الساخن، والأدلة على سوء معاملة الطفل، فإنها سمحت فعليا لأبيه وزوجة أبيه بمواصلة الاعتداء عليه وتعذيبه، إلى أن قتل في نهاية المطاف، في حين وقفوا مكتوفي الأيدي".
واعتبرت أن تدخّل الدولة كان "محدودا"، لأن "السلطات المعنية اكتفت بتوقيع والد أدريان وزوجة الأب على قطعة من الورق يوافقان فيها على وقف الإساءة إلى الصبي". واعتبرت المحامية أن هذا التوقيع يعادل قانونياً "قسَم الخنصر" (تعهد بعدم الكذب).
وقالت المتحدثة باسم إدارة الطفل والأسرة في كنساس، في بيان، إن "هذه العائلة تكرر انتقالها بين كنساس وميسوري، ما عطل استمرارية الخدمات والتقييم إلى حدّ كبير". وذكرت أن المسؤولين في كلا الولايتين ظلوا على اتصال منتظم، وتبادلوا المعلومات، وواصلوا التحدث إلى الأسرة، مضيفة أن العاملين في مجال رعاية الأطفال يحققون في كل حادثة مزعومة من سوء المعاملة والإهمال.
وأضاف البيان "من الصعب جداً مساعدة الأسر المتنقلة باستمرار، خصوصاً أولئك الذين يعبرون الحدود، ويحرمون الدولة من أي ولاية قضائية".
مشوار أدريان القصير
عاش أدريان حتى عمر السنتين في منزل أمه وأشقائه البيولوجيين في لورانس، ولكن بعد العثور على الطفل في المنزل بدون إشراف، وُضع في عهدة والده في كنساس. وفي غضون الأشهر الثلاثة الأولى من انتقاله إلى منزل أبيه، أعرب موظفو الشؤون الاجتماعية عن قلقهم من البيئة المنزلية المليئة بالمشاكل التي انتقل إليها الطفل. وبدأت المكالمات تتدفق بالمعلومات عن الأسرة إلى الخط الساخن، منها أن الوالد يتجول بسلاحه في المنزل، وأن زوجة الأب تبقى منتشية من المخدرات، وهي معلومات أوردتها الدعوى القضائية.
— Laura Bauer (@kclaurab) May 11, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ومن المعلومات الواردة للخط الساخن أن أشقاء أدريان كانوا يعانون من هزال وإصابات جسدية، وإحدى الشكاوى أوردت أن أدريان كان يتعرض للضرب والخنق من والده وزوجة والده، وأخرى أشارت إلى أن الصغير كان يُضرب على أردافه إلى حدّ النزيف.
وكان أدريان يعاني من مشاكل سلوكية عدوانية وهي ناتجة عن تعرّضه للاعتداء. وفي إحدى شكاوى الوالد، قال إن أدريان يبلل سريره ويسرق الطعام ويشعل الحرائق.
وانتقلت الأسرة إلى ميسوري، وانهالت المكالمات هناك أيضاً على الخط الساخن. ومن الشكاوى أن زوجة الأب تضرب أطفالها من دون سبب، وأنها تبيع المخدرات في المنزل.
وكشفت السجلات أن أدريان اتصل، في يوليو/تموز 2013 وكان عمره خمس سنوات وقتها، بقسم الأطفال في شرطة ميسوري، واشتكى من أن والده يضربه بعنف على رأسه من الخلف، وأن عظمة صغيرة خرجت من جمجمته، وأنه يلكمه على معدته، وزوجة أبيه تشده من أذنيه وأنه يتألم بشدة. وتابع أنهما يحتجزانه في غرفته وحده ولا يطعمانه، بحسب صحيفة "كنساس سيتي ستار".
وُضع أدريان في مركز علاج سكني عام 2014 بعد التشخيص بأنه يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة، وأخرج منه في 4 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، شرط أن يلتزم والده بخطة رعاية تقتضي إرساله إلى المدرسة ومتابعة علاجه. ولم يتابع المركز حالة أدريان بعد ترحيله، بحسب دعوى الأسرة القضائية.
بعد شهر من خروج أدريان من مركز الرعاية، راسلت زوجة الوالد المسؤولين بالبريد الإلكتروني وأخبرتهم بأنه عاد إلى سلوكه السابق. كما نشرت على صفحتها الخاصة على "فيسبوك" كلاما قبيحا عن الطفل، ولمّحت إلى أنها تنوي قتله بإطلاق النار على رأسه من الخلف، بالطريقة التي تحاكي المسلسل الأميركي The Walking Dead. وبعد ثلاثة أيام نشرت هيذر جونز أن لديها جثة وتريد إطعامها للخنازير.
أحد المحققين قال، خلال جلسة محاكمة المجرمَيْن، إن ما حصل ما أدريان مغاير لكل ما شهده من جرائم على مدى عقدين من الزمن.