يترقّب الكل في إيران وخارجها ما سينتج عن مفاوضات لوزان السويسرية المكثفة والتي بدأت منتصف الشهر الحالي حول البرنامج النووي الإيراني، فالاجتماعات المتكررة بين وزيري الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والأميركي جون كيري، وذهاب ظريف إلى بروكسل للقاء الوزراء الأوروبيين في السداسية الدولية وعودته بعد ذلك، وانضمام ممثلين سياسيين عن دول السداسية لطاولة لوزان يوم الأربعاء، كلها أمور أعطت هذه الجولة من المفاوضات أهمية خاصة.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، مُدّد اتفاق جنيف المؤقت بعد جولة صعبة من المفاوضات في فيينا للمرة الثانية، آنذاك خرج قادة الوفود المفاوضة، وصرحوا بأن التمديد يقضي بالتوصل لاتفاق على مرحلتين، فيتوجب على الكل التوصل لاتفاق سياسي مع إيران حتى أواخر مارس/ آذار الحالي، ومن ثم يجري بعدها التفاوض حول ما تبقى من قضايا تقنية وفنية للتوصل لبنود الاتفاق النهائي بحلول يوليو/ تموز المقبل.
لكن التصريحات الإيرانية الأخيرة تشير إلى تبدّل خطة العمل، إذ لم يعد المسؤولون الإيرانيون يتحدثون عن توافق من مرحلتين، فوزير الخارجية وأعضاء وفده المفاوض وكل معني بهذا الملف في الداخل الإيراني كرروا أن طهران تريد اتفاقاً كاملاً ومتكاملاً من مرحلة واحدة، مؤكدين أنه لن يتم التوقيع على أي اتفاق ما لم يتم التوافق على كل النقاط العالقة.
وعلى الرغم من أن تصريحات كيري تشير إلى سعي حثيث للوصول لاتفاق سياسي، لكن الفريق الإيراني قرر تكثيف المفاوضات على صعيدين منفصلين وهو ما يجري في لوزان السويسرية.
فقد توجّه إلى لوزان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي ليقود المفاوضات التقنية والفنية مع وزير الطاقة الأميركي آرنست مونيز، فيما يخوض ظريف الشق السياسي من المفاوضات النووية إما مباشرة مع نظيره الأميركي ونظرائه الأوروبيين، أو يخوضها مساعدوه مع نظرائهم من دول السداسية، ما يعني أن المفاوضات السياسية والتقنية تسير بالتزامن نحو الأمام.
وفي ما يتعلق بالشق التقني، أثارت تصريحات صالحي، ليل أمس الأول الثلاثاء، تفاؤل الكثيرين في الداخل الإيراني، مع إعلانه أنه تم الاتفاق حول 90 في المئة من القضايا خلال جولات الحوار الأخيرة مع الوفد الأميركي، وكل ما تبقى قضيتين خلافيتين وحسب.
وعلى هذا الأساس خرج ظريف ليقول إن المفاوضات أحرزت تقدماً كبيراً. كما قال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، والذي لطالما لم يتفاءل بالمفاوضات، إن احتمال توقيع اتفاق خلال هذه الجولة من المحادثات أكبر بكثير من كل الجولات السابقة.
اقرأ أيضاً: إيران: نواب يطالبون بحفظ الحقوق النووية تزامناً ومفاوضات لوزان
جرعة التفاؤل هذه لا تلغي أن يكون واقع القضيتين الخلافيتين المتبقيتين صعب ومعقد، ولطالما أعلن الإيرانيون في تصريحاتهم السابقة أن الخلاف لا يزال قائماً على نسبة ومستوى تخصيب اليورانيوم، وعدد أجهزة الطرد المركزي التي تصرّ إيران على امتلاكها ويصرّ الغرب على تخفيضها.
وبعد صدور أنباء غير رسمية عن موافقة إيران على الحصول على وقود نووي من روسيا لمفاعلاتها، وهو ما جرى التنويه له، وإن كان بشكل غير مباشر، على لسان صالحي سابقاً، وأيضاً الحديث عن توافق الطرفين الإيراني والأميركي على احتفاظ إيران بأجهزتها مع عدم تشغيل الجديد منها، فكلها إشارات قد تعني بشكل أو بآخر أن هذين الخلافين قد حسما.
لكن المراقبين يتحدثون اليوم عن خلافات متبقية في ما يتعلق بزيادة الإشراف والرقابة على النشاط النووي الإيراني أولاً، ومفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل ثانياً.
في ما يتعلق بالنقطة الأولى، فإن رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، قال في مؤتمره الصحافي الأخير الذي عقده الاثنين، إن طهران ترضى بزيادة الرقابة على منشآتها النووية بشرط إلغاء كل العقوبات المفروضة عليها دفعة واحدة. وفي ما يتعلق بالنقطة الثانية، كان صالحي قد أعلن عن تقديم مقترح لتغيير قلب مفاعل آراك لكن مع تأكيده على أن إيران تصرّ على استمرار عمل هذا المفاعل، الذي ينتج مادة البلوتونيوم، وهي التي تقلق الغرب بالأساس، فكمية قليلة من هذه المادة كافية لصنع سلاح نووي.
أما المفاوضات السياسية بقيادة ظريف، فكان لها حصة كبيرة من المؤتمر الأسبوعي للمتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، والتي قالت، صباح أمس الأربعاء، إن مفاوضات لوزان وصلت إلى مرحلة حساسة ومعقدة، مؤكدة أن المفاوضات التقنية تقدمت بالفعل، ولكنها أشارت بين طيات كلامها إلى أن التعقيدات تتعلق بقضايا حقوقية سياسية.
وقصدت أفخم النقاش حول آلية إلغاء العقوبات المفروضة على إيران، فضلاً عن الحوار حول موافقة مجلس الأمن على الاتفاق المرتقب وإدراجه تحت الفصل السابع الذي يتيح استخدام القوة ضد إيران في حال عدم الالتزام بتعهداتها.
هنا تبرز نقطة خلافية جدية، ولكن ليس بالنسبة للوفد المفاوض، وإنما بالنسبة لمنتقديه من المحافظين في الداخل، فلا مشكلة لدى المفاوضين الإيرانيين في الحصول على موافقة مجلس الأمن على الاتفاق حتى وإن كانت تحت الفصل السابع، وهذا ما قاله ظريف للتلفزيون المحلي الإيراني أخيراً، عندما سئل عن الضمانات التي سيحصل عليها، والتي ستضمن عدم إخلال الولايات المتحدة بتعهداتها مستقبلاً، فالرجل يرى أن هذا الأمر ضمانة للإيرانيين.
لكن رسالة جمهوريي الكونغرس الأميركي مقلقة للغاية لبعض الإيرانيين، ففي الرسالة التي وجّهوها لقادة إيران تحدثوا عن إلغاء أي اتفاق فور تغيير الحكومة الأميركية الحالية، ما يعني أنه لا يمكن الثقة بالعدو التاريخي لطهران.
كما أن بعض المتشددين من المحافظين في طهران يعتبرون كذلك أن إدخال الاتفاق تحت الفصل السابع يعني أمرين، أولهما أن الفصل السابع يتيح استخدام القوة ضد من يشكل تهديداً للأمن والاستقرار العالمي، وبالتالي يطرح هؤلاء، ومنهم رئيس تحرير صحيفة "كيهان" حسين شريعتمداري، فكرة أن موافقة إيران على الأمر تعني الاعتراف بأن برنامج البلاد النووي تهديد للعالم.
والأمر الآخر، كما يقول شريعتمداري في افتتاحية صحيفة "كيهان"، أمس الأربعاء، هو أن قبول إدراج التوافق تحت الفصل السابع يعني تبديد أحد عشر عاماً من تطوير البرنامج النووي الإيراني، فمن الذي يضمن ألا تدّعي الولايات المتحدة أو إحدى الدول الغربية مستقبلاً أن إيران تستمر بتطوير برنامجها أو اتهامها بنقض الاتفاق؟
وعلى الرغم من وجود الانتقادات على هذا الصعيد في الداخل الإيراني، لكن يبدو أن الوفد المفاوض يتّجه نحو توقيع اتفاق، فلا يمكن لإيران أن تفوّت الفرصة الأميركية المتاحة الآن، إذ إن حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما تريد حقيقة توقيع اتفاق، ولن تضيّع إيران هذه الفرصة، لكن الصعوبة الآن تكمن بكيفية الحصول على ضمانات تقف بوجه الجمهوريين الأميركيين وغيرهم في المستقبل، ولعل هذا أصعب على المفاوضين من كل التفاصيل التقنية والفنية.