تزامن تسلم الدبلوماسي الأميركي السابق ألبرتو فرنانديز مهامه، رسمياً، مديراً عاماً لقناة "الحرة" التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، مع تطورات دراماتيكيّة غير متوقعة شهدها مقر المحطة التلفزيونية في مدينة سبرينغفلد القريبة من واشنطن الثلاثاء الماضي.
أبرز هذه التطورات هي الاستقالة المفاجئة للمدير التنفيذي دانيال ناصيف. في حين وجّه المدير الجديد كلمة "ثورية" خلال اجتماعه مع العاملين في المحطة تحدث فيها عن تغيير جذري ستشهده "الحرة" خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وفي حديث مع "العربي الجديد" أوضح فرنانديز "أنه يرغب في إحداث ثورة في الحرة وإجراء تغيير حقيقي في المؤسسة كي تعمل بشكل مختلف على الرغم من إدراكه لصعوبة التغيير في بيئة بيروقراطية". وقال "لم آت إلى MBN للقيام بالعمل بنفس الطريقة السابقة، ولكن لإنجاز العمل بطريقة مختلفة".
ويسعى المدير الجديد إلى إجراء تغيير يطاول الأهداف الأساسية للحرة، ويقول إنّ التحدي الأساسي أمامه هو اعتماد مقاربة مختلفة وتقديم مضمون إعلامي مختلف. ويرى فرنانديز "أنّ مشكلة الإعلام العربي اليوم هي أكبر بكثير من مشكلة الحرة. فالاستقطاب القائم حول المسائل الطائفية، بعد الربيع العربي، والمواجهات والعربية الداخلية تنعكس سلباً على وسائل الإعلام. لكن الناس، وخصوصاً الشباب يريدون شيئاً مختلفاً".
وحول خطته للمرحلة المقبلة، يشير الدبلوماسي الأميركي السابق إلى أنّ "الحرة" ستعتمد سياسة إعلامية مختلفة تركز على القضايا المغيبة عن النقاش، وتقدم تقارير استقصائية وتحقيقات حول القضايا المثيرة للجدل. وأكد فرنانديز أنّ "الإدارة الجديدة ستعيد تقييم أداء الموظفين لديها بمعزل عن الأشخاص لتحديد الاحتياجات على أساس الأولويات الجديدة".
وفيما بقيت ظروف وأسباب استقالة ناصيف غير المتوقعة، غامضة، إلا أنّها أثارت مخاوف مئات الموظفين العرب، العاملين في قناة "الحرة" وراديو "سوا"، من ألا يكون الإعلامي اللبناني الذي تسلم منصبه عام 2006 الضحية الوحيدة لـ"ثورة" فرنانديز، خصوصاً أن المدير العام السابق بريان كونف كان قد وقع قبل مغادرة منصبه منذ نحو شهرين على قرار بصرف نحو خمسين موظفاً بسبب تخفيض الميزانية السنوية للمحطة الأميركية نحو 10 في المائة.
ولم تخلُ كلمة فرنانديز لموظفي "الحرة" من إشارات مباشرة إلى أنّ الأشهر المقبلة قد تشهد إقالات جديدة وأيضاً توظيفات جديدة وفق متطلبات خطة العمل الجديدة.
لكنّه شدد في نفس الوقت على شراكته مع موظفي "الحرة" وجميع العاملين فيها متعهداً العمل المشترك معهم من أجل تغيير صورتها وجعلها منبراً حقيقياً للتيارات الليبرالية العربية وتبنيها خطاباً ليبرالياً ضد ثقافة التشدد، وتركيز رسالتها في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان والأقليات في العالم العربي.
فرنانديز لم يوضح آلية حلّ الإشكالية المركزية لقناة "الحرة" أي المواءمة بين تبنيها قيم حقوق الإنسان وحريات الشعوب وميل السياسات الخارجية الأميركية أحياناً كثيرة إلى التحالف مع أنظمة استبدادية.
ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض راجت شائعات عن احتمال اتخاذ إدارته قرارًا بإغلاق محطة "الحرة" التي أوكل المحافظون الجدد في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن أمر تأسيسها عام 2003 للإعلامي الأميركي اللبناني موفق حرب، في إطار حملة نشر الديمقراطية الأميركية في العالم الإسلامي بعد احتلال العراق وأفغانستان، ورداً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
وما عزز هذه الشائعات أيضاً اتساع شقة الخلاف بين الرئيس الأميركي والأوساط الإعلامية الأميركية وتأزّم العلاقة بين البيت الأبيض والصحافيين، بالإضافة إلى الموقف الذي أعلنه ترامب مراراً بشان معارضته قرار حرب العراق وانتقاداته لنظرية تغيير أنظمة الحكم في الشرق الأوسط وشعار نشر قيم الديمقراطية الأميركية التي تبنتها الإدارات الأميركية السابقة.
وقد يثير اختيار أميركي من أصل كوبي لإدارة مؤسسة إعلامية موجهة للعالم العربي علامات تعجب، علماً أنّ فرنانديز ليس أول أميركي غير عربي يتولى بشكل مباشر إدارة قناة "الحرة".
ففي عام 2006 عين مراسل "سي إن إن" السابق لاري ريجستر مديراً عاماً لها خلفاً لموفق حرب الذي كان قد استدعي إلى جلسة استجواب في الكونغرس بسبب إخفاق "الحرة" في منافسة الفضائيات العربية واتهامات عن هدر أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
لكنّ تجربة ريجستر اقتصرت على ستة أشهر فقط، قبل إقالته من قبل مجلس إدارة المحطة (BBG) المشكل من أعضاء في الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وكان السبب كلمة لأمين عام حزب الله حسن نصرالله نقلتها "الحرة" مباشرة على الهواء طرد على إثرها المدير مع عدد من الموظفين المقربين منه. لكنّ إتقان المدير الأميركي الجديد للغة العربية وخدمته الدبلوماسية المديدة في عدد من البلدان العربية، إضافةً إلى تجربته في مكافحة الإرهاب، وخصوصاً محاربة دعاية تنظيم "داعش" على شبكة الإنترنت، ستزيد من احتمالات نجاحه في المهمة الموكلة إليه بإيجاد هوية جديدة للقناة وتمكينها من إيصال الرسالة الأميركية للعالم العربي، وهو ما فشلت "الحرة" في إنجازه حتى الآن.
وتعتقد مصادر عربية في واشنطن، متابعة للتطورات التي تشهدها "الحرة"، أنّ التغيير الذي تشهده القناة، وتعيين فرنانديز المعروف بخبرته في مجال مكافحة الدعاية الإرهابية، ليس بعيداً عما تم الاتفاق عليه في قمة الرياض. وترى في ذلك مؤشرًا على أنّ "الحرة" ستتحول إلى لاعب إعلامي أساسي في مواجهة التشدد ومحاربة الدعاية الإرهابية.