تعنيف الأطفال مستمر في لبنان

بيروت

سوزان برباري

avata
سوزان برباري
23 مارس 2016
CF2BCD8B-DD73-4334-A073-A49B33C6A4BC
+ الخط -
طفل مربوط اليدين والرجلين يحاول أن يهرب قفزاً من غرفة إلى غرفة من ضربات متوالية على قدميه ويديه. يصرخ ويستغيث فلا يستجيب والده، وتستمر الوالدة في تصوير المشهد. انتشر الفيديو في الأيام القليلة الماضية في لبنان، حتى تحركت القوى الأمنية وأوقفت الوالد "أ. ع.".

بالرغم من هذا التوقيف، فتعنيف الأطفال في لبنان مستمر يتخذ أشكالاً مختلفة منها اللفظي والجسدي والجنسي. وهو ما يترك آثاراً سلبية على الأطفال ترافقهم لاحقاً، كما يؤشّر إلى مشاكل نفسية يعاني منها الأهل.

العبارات القاسية التي يوجهها الأهل إلى أطفالهم يحسبونها من باب التوبيخ التربوي. لكنّهم لا يدرون أنّ هذه الكلمات النابية هي من أساليب التعنيف التي تترك آثاراً سلبية في الطفل تستمر إلى مرحلة عمرية أكبر، وقد تصل به إلى الاكتئاب في حال لم تعالج. المشكلة الأساس تكمن في أنّ هذه الحوادث تزداد في ظلّ عدم وجود قانون فاعل يردع المعتدي، على العكس مما هو حاصل في بلدان أخرى.

يقول الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور سمير جاموس لـ "العربي الجديد": "هناك أربع فئات رئيسية للاعتداء على الأطفال: الإهمال، والاعتداء الجسدي، والاعتداء النفسي أو المعنوي، والاعتداء الجنسي. عنف الآباء اللفظي ضد أبنائهم يؤذيهم بأشد من تعنيفهم جسدياً، فالطفل يمكن أن ينسى آلام الضرب مع الوقت. أما الآثار النفسية السلبية التي خلّفها الوالدان داخله بالإهانة والألفاظ البذيئة، فإنّها تساعد في إضعاف شخصيته وثقته بنفسه. تعنيف الطفل لفظياً يحوّله إلى شخصية انطوائية أو عدوانية. ننبه الآباء إلى أهمية احترام أبنائهم، وعدم استخدام سلوك إهانة الطفل كأسلوب مندرج تحت مفهوم التربية، خصوصاً أنّه كقاصر لا يفهم ما يُقال له بالشكل المطلوب دائماً". يتابع: "الأطفال الذين يتعرضون لعنف جسدي ولفظي لا ينمون بشكل نفسي صحيح وطبيعي. كلما زاد مستوى العنف ارتبط ذلك بنتائج سلبية تضره في المستقبل، إلى جانب تعرّضهم للاكتئاب والقلق".

يذكر جاموس أنّ "الأب الذي يعنّف ابنه، لديه مشكلة نفسية منذ صغره، فقد يكون عانى بنفسه مثل هذا التعنيف من والده. لذلك، هو يترجم ردود فعله الكامنة لتعنيف أولاده. لدى هذا الوالد عقدة نفسية داخلية يعكسها سلباً في تربية أطفاله".

لا يضع جاموس كلّ الذنب على عاتق الأب: "لا عجب أن نرى الأم التي تعاني من مشاكل نفسية في بعض الأحيان تتصرف بعنف تجاه أطفالها. وهنا تكمن المفارقة فالأم تمثل الحنان والعطف".

يضيف: "للأسف، القضاء في لبنان لا يأخذ بجدية مسألة معاقبة الوالد المعتدي على أطفاله. يتركه في أغلب الأحيان من دون عقاب صارم". يشدد على أنّ "من المفترض حرمان الأب من ابنه الذي يعنفه، ووضع الابن في كنف عائلة يجد فيها الأمان والدفء العاطفي والرعاية الصحية الصحيحة". يشير إلى أنّ تعنيف الأهل أطفالهم مشكلة تنتشر في لبنان والدول العربية، وكذلك في البلدان المتقدمة كأميركا الشمالية وأوروبا: "لكن في البلدان المتقدمة، يحق للطفل أن يرفع شكوى ضد أهله في حال تعنيفهم له. بينما نحن لا قانون يردع، ولا أحد يحمي الطفولة".

كذلك، يشير جاموس إلى نقطة مختلفة: "كثرة تدليل الطفل تؤذيه أكثر من التعنيف. فالدلال الزائد عن الحدّ يؤدي إلى تمرد الطفل على أهله. لذلك، يجب على الأهل أن يحسنوا تربية أطفالهم، باعتماد أسلوب حضاري للتوبيخ".

في المقابل، يوضح الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري لـ "العربي الجديد": "أولاً، التعنيف الذي يعاني منه الطفل لا يؤدي الى انفصام في الشخصية، فلا علاقة لذلك بالموضوع. الانفصام له علاقة بالنقص في هورمون في الدماغ". يردف: "مع ذلك، فالتعنيف سواء الجسدي أو النفسي له ارتداد سلبي على شخصية الطفل بحسب درجته وشدته. التعنيف يبدأ إمّا من استخدام الكلمات البذيئة كعبارة "يا حيوان"، ليصل أحياناً إلى التحرش الجنسي. وبذلك، غالباً ما يشعر الطفل في هذه البيئة بعدم الأمان. وهنا يتطلب الأمر اللجوء إلى العلاج النفسي لمساعدة الطفل المعنَّف".

ينبّه خوري: "للأسف، فإنّ وسائل التعنيف مهما كان نوعها قد تؤدي الى انحراف في السلوك لدى الطفل خصوصاً بعد سن 12 عاماً. وما يشعرنا بتقزز أنّ الملاحقة القانونية للوالد المعنّف تهمل، مهما كان نوع الاعتداء، بدلاً من إلحاق أشد عقوبة بالمعتدي على الطفل. أمام هذا الواقع نشعر بامتعاض شديد، فنحن نجد أنّ مثل هذه القضايا الإنسانية لا تؤخذ أبداً على محمل الجدّ في لبنان".

كذلك، يعتبر الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور أنطوان سعد أنّ التعنيف يختلف بحسب تفاعل المتعرض له وردود فعله. يقول لـ "العربي الجديد": "درجة التعنيف وردود الفعل تجاهه، تختلف بحسب شدة التعنيف سواء الجسدي أو النفسي، بدءاً من التعنيف الكلامي وصولاً إلى التعنيف الجسدي. ولكلّ حالة سلوكية، من جانب الأهل الذين يلجؤون إلى التعنيف أو الأطفال المتعرضين له، علاجها النفسي الخاص".

اقرأ أيضاً مصر: 309 انتهاكات بحق أطفال خلال يونيو

ذات صلة

الصورة
الاحتلال يقصف مبان قرب مستشفى الزهراء في بيروت 1 أكتوبر 2024 (مراد سنجول/الأناضول)

مجتمع

أعلنت منظمة الصحة العالمية، أمس السبت، أن العدوان الإسرائيلي تسبب في إغلاق خمسة مشافٍ و100 مركز للرعاية الصحية في لبنان أي نحو ثلث المراكز الصحية
الصورة
جنود إسبان من "يونيفيل" قرب الخيام، 23 أغسطس 2024 (أنور عمرو/فرانس برس)

سياسة

تُظهر الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" وكأن القوة الأممية باتت في آخر أيامها في لبنان.
الصورة

سياسة

قال متحدث باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، إن قوات حفظ السلام عازمة على البقاء في مواقعها في جنوب لبنان على الرغم من هجمات إسرائيل.
الصورة
تشتت العائلات جراء القصف (أنور عمرو/ فرانس برس)

مجتمع

حتى لو وجد النازحون في البقاع مراكز إيواء آمنة نسبياً حتى اللحظة، إلا أنهم يواجهون فوضى ونقصاً في بعض الأساسيات، خصوصاً الأدوية، ويخشون البرد