كشفت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان الفلسطينية، اليوم الإثنين، تفاصيل التعذيب الذي تعرض له معتقلون فلسطينيون خلال الأشهر الماضية أثناء اعتقالهم والتحقيق معهم على أيدي المحققين الإسرائيليين، على خلفية ادعاء الاحتلال بملاحقة من نفذوا عملية "عين بوبين" غربي رام الله التي قتلت خلالها مستوطنة إسرائيلية في شهر أغسطس/ آب الماضي.
وجاء في التفاصيل التي كشف عنها لأول مرة من قبل مديرة مؤسسة الضمير سحر فرنسيس خلال مؤتمر صحافي في مقر المؤسسة برام الله وسط الضفة الغربية؛ اليوم، أن قرابة 40 معتقلا تابعتهم المؤسسة منذ بدء حملة الاعتقالات في 25 أغسطس/ آب الماضي، أكثر من 95 بالمائة منهم تعرضوا لكافة أشكال التعذيب بمستويات مختلفة وبمدد مختلفة، من بينهم الأسيرة وطالبة الإعلام ميس أبو غوش، والأسرى سامر العربيد، وقسام البرغوثي، ووليد حناتشة.
التفاصيل لم يكن بالإمكان نشرها سابقا بسبب قرار بمنع النشر في قضايا المعتقلين استصدره جهاز المخابرات الإسرائيلية وجهاز الشرطة الإسرائيلية بتاريخ 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، يمنع النشر في حالات المعتقلين، وتم تجديد أمر منع النشر لعدة مرات حتى تجاوزت فترته الثلاثة أشهر.
وقالت فرنسيس على هامش المؤتمر لـ"العربي الجديد": "إن أمر منع النشر كان للتغطية على التعذيب الذي يمارس، حتى لا نستطيع مشاركة المعلومات حول التعذيب وكافة التفاصيل التي ننشرها، لأن منع النشر شمل أيضا عائلات المعتقلين، فكانت العائلات تمنع من حضور جلسات تمديد التوقيف، كما كان المحامون يمنعون من لقاء المعتقلين".
وأوضحت فرنسيس أن منع النشر لم يهدف في الحقيقة إلى الحفاظ على سرية وإجراءات القضية كما ادعت المخابرات الإسرائيلية، بل إلى عدم فضح التعذيب والممارسات الإسرائيلية وتواطؤ المحاكم وجهاز القضاء الإسرائيلي في جرائم التعذيب التي حصلت.
الأسير سامر العربيد من أبرز الأسماء التي ذكرتها فرنسيس خلال المؤتمر، ورغم انتشار قضية العربيد في الساحة الإعلامية والفلسطينية، وما تعرض له من تعذيب كاد يودي بحياته إلا أن تفاصيل كثيرة لم تكن معروفة؛ فبحسب توثيق مؤسسة الضمير تعرض سامر لكدمات وكسور في كافة أنحاء جسده، حيث كسر 11 ضلعا من الجانبين ووصل إلى المشفى بعد أقل من 48 ساعة من اعتقاله فاقدا للوعي، وعانى العربيد من تحلل كامل للعضلات، وفشل كلوي سببه الضرب العنيف على مختلف أنحاء جسده.
ويعاني سامر كما روت فرنسيس من تساقط في أظافر رجليه نتيجة "شبح الموزة" وهو أسلوب تعذيب بديل عن الشبح على كرسي الأطفال الذي كان يستخدم قبل منعه في العام 1999، ويتم خلال شبح الموزة تثبيت الأرجل بالكرسي بسلاسل كي لا تتحرك، بحيث يكون ظهر الكرسي على الجانب، فيما اليدان مكبلتان تحت الكرسي، ويتم الضغط على الصدر إلى الخلف ليكون بشكل زاوية منفرجة.
وفي قضية سامر كما غيره من المعتقلين تنكشف حقيقة تواطؤ الجهاز القضائي الإسرائيلي بالسماح بالتعذيب، فخلال جلسة تمديد التوقيف الأولى والتي كانت سرية، قال العربيد للقاضي "إنني أتعرض لضرب متواصل لمدة 30 ساعة"، ورغم ذلك مدد القاضي توقيفه لثمانية أيام، عند طاقم التحقيق نفسه الذي عذبه ولم يوثق القاضي أي شيء آخر.
لاحقا حصلت الضمير على الملف الطبي الكامل لسامر لكنه لم يحو أي صور أو توثيق علمي من قبل الأطباء للتعذيب الذي تعرض له، وهو ما اعتبرته المؤسسة مؤشرا أيضا على تواطؤ الطواقم الطبية.
فرنسيس أكدت أن محكمة الاحتلال منعت المؤسسة من تصوير رجلي سامر، حيث آثار تساقط أظافره نتيجة لشبح الموزة، في حين سمحت لصحافية إسرائيلية بتصوير وجهه.
وفي إطار تواطؤ المحاكم، قالت فرنسيس: "إن تصرف المحاكم يدل على علم كامل بالتعذيب، فكانت تصل أوامر منع لقاء المحامين للمعتقلين إلى أكثر من 45 يوما أي كافة فترة التحقيق، ففي قضية الأسير وليد حناتشة قدمت الضمير التماسا لمحكمة الاحتلال العليا لرفع منع لقاء المحامي"، وبعد مداولة سرية لأكثر من 3 ساعات تعتقد فرنسيس أنها شملت إطلاع المحكمة على إجراءات التعذيب؛ ردت المحكمة الالتماس.
وذكرت فرنسيس العديد من الحالات التي قالت إنها أمثلة فقط على ما حصل من تعذيب، من بينها الأسيرة الطالبة في جامعة بيرزيت ميس أبو غوش التي تعرضت لأسلوب شبح الموزة ذاته الذي تعرض له معظم المعتقلين خلال التحقيق، ميس تعرضت لتحقيق عسكري شمل أيضا القرفصة، والقرفصة بشكل ضفدع، وبعد كل ذلك قدم الاحتلال لائحة اتهام بحقها فقط على خلفية عمل طلابي في جامعة بيرزيت.
وأكدت فرنسيس أن الكثير من المعتقلين خلال الحملة المشار إليها تبين لاحقا كما هو حال أبو غوش بأنه ليست لهم علاقة بما نشره الاحتلال الأسبوع الماضي، عن خلية عسكرية أو نشاط عسكري، فالعديد منهم طلاب جامعات ونشطاء سياسيون ومدافعون عن حقوق الإنسان تأتي ملاحقتهم كجزء من ملاحقة منهجية ضد النضال الفلسطيني، ومن ضمنها حملات المقاطعة، والتظاهرات.
فرنسيس عرضت عددا من أساليب التعذيب على شاشة عرض، مؤكدة أنه بالإضافة إليها تم استخدام أسلوب التعذيب والضغط النفسي كاعتقال أفراد العائلة وأمهات أسرى للضغط عليهم، كما حصل مع قسام البرغوثي الذي تم اعتقال والدته الأكاديمية وداد البرغوثي، فيما أشارت فرنسيس إلى أن البرغوثي تعرض لهجوم من الكلاب أثناء اعتقاله على المناطق الحساسة والأعضاء التناسلية، وتم إجراء عملية جراحية له على أثر ذلك، لكنه تحدث أمام القضاة ولمدة شهر كامل عن أن ضغط تعذيب المحققين كان يركز على مكان العملية، ما أدى إلى نزيف مستمر.
وفي قضية قسام تحديدا، قالت فرنسيس لـ"العربي الجديد": "إن المؤسسة لم تستطع التأكد من مكان التحقيق معه حيث تم نقله إلى مكان لم يعلمه البرغوثي نفسه، ولذلك تدور الشكوك حول أن التحقيق كان معه في مكان سري، معللة هذا الشك بأنه لم يعرف إلى أين نقل على غير عادة حالات التحقيق الأخرى".
وقالت فرنسيس: "نحن نعلم بأن هناك مقرا سريا يسمى 1391 وهو المقر العسكري الذي تم التحقيق فيه مع العديد من الشخصيات المختلفة كعبد الكريم عبيد، ومصطفى الديراني، ولكن الاحتلال أعلن أنه أغلقه، ولا يوجد تأكيد بأن هذا المعتقل السري قد تم إغلاقه، أو أن يكون هناك قسم سري آخر على شاكلته".
وحول كل تلك المعلومات التي وثقتها مؤسسة الضمير وعرضتها في المؤتمر الصحافي، قال مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين لـ"العربي الجديد"، والذي شارك في المؤتمر، "إن هذه الحالات هي أكثر حالات نموذجية من حيث توافر الأركان والوثائق، سواء بالتقارير الطبية أو الصور أو ما عرض من شهادات أمام المحاكم"، مشيرا إلى أن ما حصل من تعذيب هو جريمة واضحة والمجرم واضح، وتجب فيه المساءلة، مؤكدا أن المحامين سيدرسون كيفية الملاحقة، حيث يسمح بذلك الاختصاص القضائي لعدد من الدول في أميركا اللاتينية ومعظم الدول الأوروبية.
من جانبه، قال مسؤول مكتب منظمة العفو الدولية في القدس صالح حجازي: "إن هناك فرصا تتعزز للعدالة الدولية مؤخرا بإعلان المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية باستيفاء الشروط لفتح تحقيق في الوضع في الأراضي الفلسطينية"، مطالبا بالتحقيق مباشرة وبشكل فوري في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.