مخطط لتعديل حدود القدس: فصل أميركي جديد من تصفية القضية الفلسطينية

رام الله

نائلة خليل

نائلة خليل (فيسبوك)
نائلة خليل
صحافية فلسطينية، مراسلة ومديرة مكتب موقع وصحيفة "العربي الجديد" في الضفة الغربية.
17 ديسمبر 2017
2D7D32E2-0F8A-4F19-BD8E-12C8D8BF5FD8
+ الخط -
تستعد الولايات المتحدة الأميركية لإطلاق فصل جديد من تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة إسرائيل، عبر مخطط لتعديل حدود القدس، بإعلان حائط البراق (حائط المبكى وفق التسمية الإسرائيلية) جزءاً من الدولة الإسرائيلية في أي تسوية للصراع، معوّلة على انتهاء الردود على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. وفيما تبدو واشنطن وحيدة في خطوتها هذه، مع الرفض الدولي المستمر لأي تعديل على وضع القدس، فإن السلطة الفلسطينية لا تزال تُراهن على أوراق ضغط سياسية، لا تبدو حتى الآن أن لها أي تأثير على المسار الأميركي، من قبيل التهديد بإعادة صياغة العلاقات مع الولايات المتحدة ورفض استمرار الأخيرة كراعٍ لمفاوضات السلام.

وستكون زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي رفضت القيادة الفلسطينية استقباله، إلى المنطقة، الأسبوع المقبل، وتشمل لقاء مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة ثم زيارة إلى إسرائيل للاجتماع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وإلقاء خطاب في الكنيست، نقطة تحوّل في المسار الفلسطيني، إذ سيُقدم على خطوة عملية لتكريس اعتراف واشنطن بحائط البراق كجزء من إسرائيل، من خلال الإعلان عن زيارته للمكان زيارة رسمية، بصفته نائباً للرئيس الأميركي، وفق مصادر في البيت الأبيض. خطوة بنس تُعدّ سابقة من نوعها، فالولايات المتحدة اعتبرت زيارة ترامب وأفراد عائلته للحائط خلال وجوده في إسرائيل، بمثابة زيارة خاصة.

وقال مسؤول أميركي، لوكالة "أسوشيتد برس": "لا يمكننا تصور أي وضع لن يكون فيه الحائط الغربي (حائط البراق) جزءاً من إسرائيل. ولكن، كما قال الرئيس، فإن الحدود المعينة لسيادة إسرائيل سوف تكون جزءاً من اتفاق للوضع النهائي". وأضاف مسؤول آخر قائلاً "أشرنا إلى أننا لا يمكننا تخيل أن إسرائيل سوف توقع على اتفاق سلام لا يتضمن الحائط الغربي". وأشار مسؤول بارز ثالث في الإدارة الأميركية إلى رد الفعل تجاه قرار القدس بأنه "أثار كثيراً من المشاعر التي بدت للعيان". وأضاف أن رحلة بنس هي جزء من "ختام ذلك الفصل والبدء بما أقول إنه الفصل التالي".

ورد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، على هذه التسريبات بالقول "إننا لن نقبل بأي تغيير على حدود القدس الشرقية المحتلة عام 1967"، معتبراً في تصريح صحافي أمس أن "هذا الموقف الأميركي يؤكد مرة أخرى أن الإدارة الأميركية الحالية أصبحت خارج عملية السلام بشكل كامل".
وفي السياق نفسه، دعت حركة "فتح" الفلسطينيين إلى مواصلة الاحتجاج على القرار الأميركي حول القدس، بما في ذلك التظاهر داخل المدينة وحولها الأربعاء؛ يوم وصول بنس. ووجّهت الحركة في بيان لها أمس نداء إلى الفلسطينيين لـ"إغلاق الطرق الالتفافية في وجه المستوطنين الإثنين والخميس المقبلين".

من جهتها، أعلنت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعاً موسعاً للقيادة الفلسطينية سيُعقد يوم غد الإثنين، وسيضم أعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأعضاء من اللجنة المركزية لحركة "فتح" وقيادات أمنية. وحول القرارات المتوقعة، طلبت عشراوي "من اللجنة السياسية أن تصيغ ورقة لملامح الخطوات المستقبلية الاستراتيجية المقبلة، حتى تقدّمها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير". ويُعتبر هذا الاجتماع الأول للقيادة الفلسطينية منذ إعلان ترامب قراره حول القدس.

ورأت عشراوي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن التصريحات الأميركية الأخيرة حول حائط البراق تعكس أن الولايات المتحدة لديها جهل كامل بالوضع وخطورته، والقانون الدولي وتطبيقه وما يترتب على هذه التصريحات، معتبرة أن "الإدارة الأميركية تقوم بخطوات استفزازية تعكس أنها أسقطت القناع عن وجهها، وأن الأميركيين متواطئون وشركاء مع إسرائيل في الجريمة".
وأكدت أن "المطلوب في هذه المرحلة تطوير القرارات التي اتُخذت من قبل المجلس المركزي عام 2015، وهناك ضرورة لإعادة النظر في علاقاتنا مع إسرائيل، والتحرك داخلياً في ما يتعلق بالوحدة الوطنية وأن نرتقي لمستوى المسؤولية في هذا الملف"، مضيفة: "حتى الآن هذا غير حاصل، فضلاً عن أنه بات من المهم أن نعيد صياغة علاقاتنا مع الولايات المتحدة وليس فقط مع إسرائيل، بالنسبة إلى الاتفاقيات وغيرها". وأعلنت "أننا في حل من أمرنا الآن، ويجب أن نذهب إلى المحكمة الجنائية الدولية وكل المنظمات الدولية".

وأوضحت عشراوي أن "التصريحات الأميركية حول أن حائط البراق جزء من إسرائيل تعكس انعدام المسؤولية من جهة، واستهانة وإهانة للعرب والمسلمين والقانون الدولي، فالولايات المتحدة تكذب على مجلس الأمن وتطالب بضرب دول لأنها خرقت قرارات مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه تقوم بخرق قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي".
واستغربت ما تقوله الإدارة الأميركية للفلسطينيين "من أننا يجب أن نعترف بالواقع كما اعترفوا هم به". وتابعت: "الولايات المتحدة لديها اليوم غطرسة لم تكن سافرة بهذا الشكل تاريخياً، عبر ضربها القانون الدولي بعرض الحائط، والاستهانة بالعرب والمسلمين واستخدامها دولاً عربية حليفة لها بشكل واضح". وأشارت إلى "أننا سمعنا ما يقولوه الأميركيون من أن الفلسطينيين سيحتجون وسنعطيهم وقتاً كي ينفسوا عن غضبهم ثم سيهدؤون ويقبلون بالأمر الواقع، وكل هذا يعبّر عن استهانة لا مثيل لها".


وفيما إذا كان هذه التصريحات خطوات أميركية متدحرجة بعد عجز الدول العربية والإسلامية عن اتخاذ أي قرارات فعلية في مؤتمراتها حول القدس خلال الأيام الماضية، أجابت عشراوي: "الإدارة الأميركية بدأت بخط الإهانة والاستهانة قبل أن يجتمع العرب، رغم نصائح حلفائها من الدول العربية، إلا أنها لم تستمع لهم". ورأت أن "الولايات المتحدة أثّرت على وضع حلفائها العرب سلباً، ووضعتهم في موقف ظهروا فيه إما موافقين أو متواطئين مع قرارها بإعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال"، معتبرة أن "الإدارة الأميركية تعيش اليوم ضمن خلطة من الجهل والتطرف المسيحي، فضلاً عن وجود لوبي داعم لإسرائيل نشيط جداً، ووجود مستوطنين داخل البيت الأبيض، وكل هذه العناصر بعضها مع بعض أدت إلى خطوات خطيرة جداً، لم تأخذ بعين الحسبان تأثيراتها على المنطقة، وليس فقط على مصالح الولايات المتحدة، ووضعت العرب والمسلمين أمام اختبار تاريخي".

وفي السياق ذاته، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، محمد اشتية، أن النهج التفاوضي الثنائي انتهى بلا رجعة، معلناً أن القيادة الفلسطينية ستعمل مع المجتمع الدولي ودول كفرنسا وروسيا والصين، لبناء مسار سياسي جديد تحت مظلة المجتمع الدولي، يستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة كأساس للحل وليس التفاوض. وشدد اشتية، خلال لقاء جمعه بالقنصل الفرنسي العام في القدس بيار كوشار، على أن الولايات المتحدة أخرجت نفسها كوسيط في عملية السلام عقب انحيازها لدولة الاحتلال، داعياً فرنسا لاستكمال جهودها السياسية الدولية.

ميدانياً، تواصلت المواجهات أمس في مناطق عدة من الضفة الغربية، بما فيها القدس. وقمعت قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز مسيرة كانت تتهيّأ للانطلاق في شارع صلاح الدين في مدينة القدس المحتلة، أصيب خلالها عدد من المواطنين المقدسيين. وإلى الجنوب من الضفة الغربية، قمعت قوات الاحتلال مسيرة انطلقت من وسط مدينة بيت لحم إحياء للذكرى الخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كذلك اندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال على مدخل مدينة البيرة الشمالي وسط الضفة.

جاء ذلك فيما شيّعت الضفة وغزة أمس أربعة شهداء سقطوا برصاص الاحتلال خلال الاحتجاجات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية الجمعة. وشيّعت جماهير غفيرة من الفلسطينيين في بلدة حزما شمال شرق القدس، وكذلك في بلدة بيت أولا شمال غرب الخليل، الشهيد باسل مصطفى محمد إسماعيل، والشهيد محمد أمين عقل، إلى مثواهما الأخير في مقبرتي البلدتين. ودارت مواجهات على مدخل بلدة عناتا شمال شرق القدس، عقب تشييع إسماعيل.
كذلك شارك آلاف الفلسطينيين في مراسم تشييع جثماني الشهيدين إبراهيم أبو ثريا، وياسر سكر، في جنازتين منفصلتين في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وحيّ الشجاعية شرقي المدينة. وقال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، في جنازة أبو ثريا، إنّ "لا تنازل عن القدس الموحدة، لا شرقية ولا غربية، القدس إسلامية-إسلامية".

دولياً، تواصل الرفض لخطوة ترامب والسير في المسار نفسه. وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن بلاده "لا تعتزم نقل سفارتها من تل أبيب إلى مدينة أخرى، في الوقت الحالي". من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة له خلال فعالية في إسطنبول أمس، إنه "في الوقت الذي ينشغل فيه المسلمون بالنزاع في ما بينهم، يستغل ذلك المنظمات الإرهابية ودول تمارس إرهاب الدولة مثل إسرائيل". كذلك شدّد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن على أن القدس ليست مدينة تمكن مقايضتها أو بيعها مقابل الشعبوية والقرارات أحادية الجانب.

ذات صلة

الصورة

سياسة

على الرغم من إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إلا أنه ما زال يواجه تهماً عديدة في قضايا مختلفة، وذلك في سابقة من نوعها في البلاد.
الصورة
جنود الاحتلال قرب مقر أونروا في غزة بعد إخلائه، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)

سياسة

أقر الكنيست الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، تشريعاً يحظر عمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) داخل الأراضي المحتلة.
الصورة
صورة لمروان البرغوثي على جدار الفصل العنصري، 12 مايو 2010 (فرانس برس)

سياسة

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتعرض القيادي في حركة فتح وعضو لجنتها المركزية الأسير مروان البرغوثي لحملة تحريض واستهداف، كان آخرها الشهر الماضي
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون