تظاهر بالانفتاح السياسي في مصر: اجتماعات أمنية بشخصيات معارضة

13 ديسمبر 2019
يستند السيسي إلى المؤتمرات الشبابية للدعاية(جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو المشهد السياسي المصري في حالة من الارتباك، عنوانها الأبرز التظاهر بمضي نظام عبد الفتاح السيسي نحو تحقيق درجة غير مسبوقة في عهده من الانفتاح السياسي، مرجعها توزيع بعض الملفات والمسؤوليات التي كانت محصورة بنجله محمود ومدير المخابرات عباس كامل ومساعده أحمد شعبان، عبر إدخال شخصيات جديدة غير معروفة حتى الآن من المخابرات والجيش في دائرة اتخاذ القرار، ومنح مساحة تحرك أكبر للأمن الوطني تحت إشراف مستشاره للشؤون الأمنية أحمد جمال الدين. كل ذلك في إطار محاولة السيسي تخفيف الضغوط على النظام وحلحلة بعض الأوضاع التي يراها سلبية ومؤثرة بشعبيته، خصوصاً بعد الأزمة التي واجهها إبان انتفاضة سبتمبر/ أيلول الماضي.

ويستعد النظام حالياً لإقامة منتدى شباب العالم في نسخته الثالثة بشرم الشيخ بين 14 ديسمبر/كانون الأول و17 منه، الذي بات مناسبة سنوية للترويج لسياسات السيسي وحصوله على مساحة كبيرة للحديث في جميع المواضيع التي يرغب في التعليق عليها والتمتع بتغطية إعلامية كبيرة. لكن مصادر سياسية وحكومية قريبة من دائرته رجحت ألا يشهد المنتدى أي إعلان على لسانه عن تغير جوهري في سياسات النظام تجاه المجال العام، والاكتفاء ببعض القرارات المسكنة. في المقابل، أنفقت الرئاسة مبلغاً ضخماً للإعداد المؤتمر والتركيز على دعوة وحضور وإقامة أكثر من 200 شاب من الدول الأوروبية والآسيوية والعربية، ينتمون إلى أحزاب سياسية ومنصات إعلامية، في محاولة لتجميل وجه النظام والادعاء بانفتاحه على التجارب الديمقراطية من جهة، ومحاولة جذب الاهتمام الإعلامي الدولي بالمنتدى من جهة أخرى. يكمن السبب في اعتقاد السيسي أن الإعلام الأوروبي والأميركي لا يهتم إلا بإبراز سلبيات النظام ومشكلاته، ويحمّل جزءاً من المسؤولية عن ذلك للأجهزة الرسمية، وعلى رأسها هيئة الاستعلامات التابعة للرئاسة، والجزء الآخر لـ"مؤامرة تشترك فيها دوائر إخوانية ويسارية عالمية ضد مصر".

ومن المخطط أن يتضمن منتدى الشباب هذا العام فقرة جديدة يلتقي فيها السيسي مع الشباب والإعلام الأجنبي بمعزل عن الحضور المحلي، ويرى مدير المخابرات عباس كامل ومساعده شعبان أن هذه الفقرة قد تحقق ما عجز عنه السيسي منذ سنوات، وهو تحسين صورته في الدوائر السياسية الأوروبية، لكن في الوقت نفسه لا يبدو في الأفق ما يوحي أنه سيعلن تغيير سياساته. وتؤكد المصادر أن أقصى ما يمكن تحقيقه عقب المنتدى، إصدار قرار بإطلاق سراح العشرات من المعتقلين السياسيين، من دون أن تشمل القوائم الشخصيات التي يعتبر السيسي أنها تخاصمه مباشرةً.

وبينما تكتمل الاستعدادات لهذا المؤتمر في منتجع شرم الشيخ الذي تموله مجموعة من المصارف والصناديق الاستثمارية التي تجد فرصة جيدة للدعاية في حضور السيسي والظهور كمؤسسات قريبة من النظام، تنشغل الدوائر السياسية في القاهرة بمؤشرات جديدة تتمثل بدعوة الأمن الوطني على مدار الأسبوعين الماضيين عدداً من الشخصيات الحزبية الليبرالية واليسارية، المصنفة بأنها "غير متطرفة في خصومة النظام"، بهدف الإعداد لمؤتمر آخر من المقرر عقده العام المقبل برعاية السيسي. المؤتمر المرتقب سيحمل عنوان "مؤتمر الشأن العام"، الذي بدأت الاستعدادات له منذ الشهر الماضي عبر ندوات تقيمها وزارة الأوقاف وبعض الصحف القومية.

وتوضح المصادر أن تنظيم وزارة الأوقاف، البعيدة كل البعد عن قضايا المجال العام من تداول سلطة وحقوق وحريات، لتلك الندوات هو تغطية على إدارة مشتركة من المخابرات والأمن الوطني لفعاليات الاستعداد للمؤتمر، الذي لم يُعرف جدول أعماله بعد. مع العلم أن بعض المصادر المتشائمة ترى أنه "لن ينعقد من الأساس"، مستشهدة ببعض السوابق التي كان السيسي قد وعد فيها بعقد مؤتمرات مع الأحزاب السياسية ولم تتحقق تلك الوعود، بل اكتفى بدلاً من ذلك بإنشاء ما يسمى "تنسيقية شباب الأحزاب" التي أصبحت مجرد مجموعة منبثقة من منتدى الشباب، كل ما يميزها أن أعضاءها ينتمون إلى أحزاب ضعيفة توالي السلطة، ويديرها مكتب مدير المخابرات.



وعلى النقيض، ترى مصادر أخرى تنتمي إلى حزبين، ليبرالي ويساري، أن هناك إرادة هذه المرة لتغيير السلوك السياسي من نظام السيسي، على الأقل بفتح مجال للتنفيس والمعارضة الجزئية وتخفيف الضغط على وسائل الإعلام من دون المساس بالسياسات العليا للنظام، وذلك بعد لقاءات حضرت المصادر بعضها مع ممثلين للأمن الوطني، وعلمت بتفاصيل بعضها الآخر من سياسيين آخرين.
وتكشف المصادر أن هناك 3 قضايا رئيسية كانت محور النقاشات في هذه الاجتماعات، أُولاها المطالبة بضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين والشخصيات غير المتهمة أو المدانة في أحداث عنف، وعلى رأسهم معتقلو "خلية الأمل"، ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، وباقي المتهمين في "انتفاضة سبتمبر". والقضية الثانية هي فتح المجال لانتخابات حرة بالنظام الفردي أو القائمة النسبية في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ المقبلين وعدم التضييق على تحركات الأحزاب السياسية قبل الانتخابات والامتناع عن تخويف الكوادر، وخاصة في المحافظات. والقضية الثالثة هي ضرورة تخفيف القبضة على الإعلام والسماح بظهور السياسيين على الفضائيات وفي الصحف وطرح القضايا الجادة وتقديم رؤى معارضة، على الأقل في مستوى الحكومة والمسؤولين التنفيذيين.

وتوضح المصادر أن العديد من التعليقات المرتبطة بالقضايا الثلاث قوبلت باستهجان شديد من المسؤولين الأمنيين، إلى حد توجيه بعض العبارات الحادة على مسامع بعض السياسيين وتهديدهم ضمنياً بتحريك "بعض الملفات"، ما أثار حفيظة المشاركين، واعتبرها بعضهم انعكاساً لصورية الحوار، بينما اعتبرها آخرون إساءة تصرف فردية من ضباط الأمن الوطني، خصوصاً أن بعض ضباط المخابرات الذين حضروا بعض الاجتماعات لم يتعاملوا معهم بالصورة المسيئة نفسها.

لكن المؤشر السلبي الذي لا يمكن إنكاره، بحسب وصف أحد المصادر "صدم عدداً من المشاركين"، أنه بعد ساعات من أحد تلك الاجتماعات، وجّه ذات الضباط الذين كانوا يديرون الاجتماع صحيفة "الجمهورية" للاستمرار في حملتها الممنهجة المستمرة منذ شهر تقريباً ضد شخصيات معارضة في الداخل والخارج وضد صحافيين وسياسيين وحقوقيين، رغم أنهم تعهّدوا خلال الاجتماع بوقف هذه الحملة "قريباً".

ويرى هذا المصدر الذي ينتمي إلى حزب كان منافساً في انتخابات 2015 أن "سياسة النظام في التظاهر بالإقدام على الانفتاح والمضي قدماً في اتجاه التصعيد لا يمكن أن تخلق مشهداً سياسياً جديداً، حتى إذا عُقد مؤتمر الشأن العام بحضور السيسي، وحتى إذا دُفع بشخصيات جديدة لإدارة المشهد السياسي بدلاً من نجل السيسي ومساعد مدير المخابرات". ويؤكد في الوقت نفسه أن "هناك بصمات جديدة في التحرك تعبّر عن وجود شخصيات لا تتمتع بالقدر الكافي من الخبرة في التعامل مع السياسيين والإعلاميين وتحاول استكشاف المشهد من مختلف أطرافه، ولكنها تشارك العناصر المؤثرة في دائرة السيسي ذات الرؤية السلطوية تجاه المجال العام".
وفي السياق نفسه، يشير مصدر بالأمن العام في وزارة الداخلية في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لم تصدر أي تعليمات، سواء للسجون أو الأمن الوطني بتخفيف القيود على السجناء أو تحسين أوضاعهم، وأن جميع المعتقلين الذين يُخلى سبيلهم تحديداً على ذمة قضية "تظاهرات سبتمبر"، كان من المقرر الإفراج عنهم منذ فترة طويلة لعدم ورود أي تقارير أمنية ضدهم، وأن الداخلية طلبت الإفراج عنهم للتخلص من تكاليف إقامتهم في السجون ومعسكرات الأمن المركزي، لكن النيابة العامة طلبت استمرار حبسهم لأسباب سياسية تتعلق برغبة النظام في "جعلهم عبرة" و"الردع العام"، وبالتالي أُفرج عنهم على مراحل.

ويوضح المصدر أنه تنفيذاً لرغبة النظام في الردع العام أيضاً، وبناءً على تعليمات شخصية من السيسي، فقد نُفّذ حكم الإعدام بـ13 سجيناً جنائياً (اثنان منهم فقط في قضيتي إرهاب)، وذلك بعد تأييد أحكام إعدامهم من محكمة النقض بأشهر معدودة، إذ يتجاهل النظام في هذا الملف المناشدات الدولية والحقوقية المحلية لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام. وهي المناشدات التي كانت تُسبّب في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تراخياً مقصوداً في التنفيذ قد يمتدّ لسنوات في بعض الحالات، لكن السيسي على النقيض يرى ضرورة في تنفيذ أحكام الإعدام بسرعة والتراخي فيها من عوامل انتشار الجرائم.

وعلى الرغم من أن هذا الملف الحقوقي يبدو ظاهرياً بعض الشيء بعيداً عن المجال السياسي، إلا أنه في الحقيقة وثيق الصلة به، بالنظر للعدد الكبير من المتهمين المنتمين إلى جماعات معارضة المحكوم عليهم بالإعدام والعدد الأكبر الذي ينتظر الحكم النهائي من محكمة النقض، فيرى المصدر الأمني "أن النظام حالياً لا يفرق بين الجنائي والسياسي في الإعدامات"، ما يعكس على المدى الطويل عدم تغير سياساته.