مع احتدام الصراع السياسي في العراق وترقب نتائج العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات البرلمانية، بالتزامن مع اتساع دائرة التظاهرات الشعبية الغاضبة المطالبة بتحسين الخدمات، يجد رئيس الحكومة، حيدر العبادي، نفسه وحيداً، بعد انحياز حلفائه عنه، متنصلين من تحمل مسؤولية أخطاء الحكومة وتقصيرها في تلبية مطالب الشارع العراقي، مدّعين تضامنهم مع التظاهرات الشعبية، الأمر الذي أضعف موقف العبادي، في حوارات تشكيل الكتلة الكبرى، وحظوظه بالحصول على ولاية جديدة.
وقال مسؤول سياسي رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "موجة التظاهرات والغليان الشعبي المتصاعد أحرجت العبادي بشكل كبير"، مبيناً أنّ "جميع الكتل السياسية تخلّت عنه، بما فيها حلفاؤه، ومنهم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وزعيم تحالف الحكمة، عمّار الحكيم، فضلاً عن الكتل الأخرى التي هي أساساً لا تدعم العبادي". وأكد أنّ "هذه الكتل تسعى للوقوف بوجه العبادي، وتلقي بمسؤولية التقصير والخلل بتقديم الخدمات عليه وعلى حكومته فقط، وكأنّها (الكتل) ليست جزءاً من هذه الحكومة". وبين أنّ "الحوارات الحالية، على بساطتها، أصبحت تتجنب موضوع رئاسة الحكومة المقبلة، وأنّ الكتل السياسية بدأت ترفض علناً توليها من قبل العبادي". وأشار إلى أنّ "العبادي يحاول استرضاء الشارع العراقي، لكنّ ضيق الوقت وعدم القدرة على تلبية مطالب المتظاهرين لا يسعفه كثيراً"، مشدداً على أنّ "كل ذلك وفر معطيات سياسية جديدة، سيكون العبادي فيها متأخراً عن الكتل الأخرى خلال الحوارات الفعلية التي ستبدأ بعد أن يتم إعلان نتائج العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات".
من جهته، دعا زعيم تيار الحكمة، عمّار الحكيم، الكتل السياسية إلى "اجتماع لبحث الشروط الوطنية، بغية الإسراع بتشكيل الحكومة المرتقبة، واختيار الأكفأ وفقاً للشروط". وشدّد، في بيان صحافي، على "ضرورة حث الشعب على فرض إرادته إذا تنصلت الحكومة والبرلمان عن وعودهما له". وأكد "ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة خدومة، بوزراء يتصفون بالمهنية العالية، تعمل وفق برنامج واضح ورصين، مع اختيار رئيس وزراء قوي وحازم، لقيادة المرحلة المقبلة"، معرباً عن تأييده "توجيهات المرجعية وشروطها في ما يتعلق بالوضع الراهن وتشكيل الحكومة القوية".
ودفعت المعطيات الجديدة، الكتل السياسية لتجديد شروطها لتشكيل الحكومة المقبلة. وقال النائب عن ائتلاف الوطنية، عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ائتلاف الوطنية وضع شروطاً لتشكيل الحكومة المقبلة، وهي أن تكون حكومة بعيدة عن التوافقات السياسية، ويمكن حلّها في حال انحرافها". ودعا الكتل السياسية إلى "عدم محاولة فرض شروط تعطل من تشكيل الحكومة المقبلة". ويدفع هذا السجال السياسي باتجاه تأخر تشكيل الحكومة المقبلة، في ظل الاختلاف بشأنها وبشأن رئيسها. وقال النائب عن ائتلاف دولة القانون، جاسم محمد جعفر، في تصريح صحافي، إنّ "تشكيل الحكومة الجديدة سيتأخر، خصوصاً بعد خطبة المرجعية الدينية العليا، التي حددت خطوطاً عريضة لشكل هذه الحكومة، بأن تكون قوية وبصلاحيات واسعة، وبقيادة رئيس وزراء قوي، قد يكون من خارج العملية السياسية برمتها". ورجح أن "يكون لدى المرجعية مرشح لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، ضمن المواصفات المحددة، شرط تحمله نتائج الفشل والنجاح في الكابينة الجديدة"، مشيراً إلى أنه "في حال فشل الكتل السياسية باختيار شخصية قادرة على إدارة الحكومة، كما جاء في دعوة المرجعية، فإنها ستفسح المجال للشعب لوضع آلية جديدة لتغيير مسار العملية السياسية بشكل سلمي، وقد تكون عملية جراحية خارج الدستور". وشدد على ضرورة أن "تكون الحكومة المقبلة قادرة على حل الأزمات الحالية، ضمنها القضاء على الفساد، وتخويلها صلاحيات واسعة لاختيار وزراء أكفاء من داخل وخارج العملية السياسية، من دون تدخل الكتل السياسية".
ويرى مراقبون أنّ التداعيات الحالية بين الكتل السياسية، ستفرز معطيات جديدة تؤثر على سير الحوارات بشكل عام، وعلى شخص رئيس الحكومة بشكل خاص. وقال الخبير السياسي، بلال العماري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تخلي حلفاء العبادي وتنصلهم عنه بالتزامن مع التظاهرات، منح خصوم العبادي فرصة جديدة ستؤثر على سير الحوار". وأوضح أنّ "العبادي اليوم تحمّل وحده مسؤولية الخلل بتقديم الخدمات للمواطنين، الأمر الذي أضعف موقفه في حوارات تشكيل الحكومة، كما أنّ دعوة (المرجع الديني علي) السيستاني الأخيرة، التي ركزت على تشكيل حكومة قوية أبعدت الأضواء عن العبادي"، مرجحاً أن "تكون بوصلة الحوارات المقبلة بعيدة عن يد العبادي، وستفتح الباب أمام معطيات جديدة ما قد يؤدي إلى تغير في موازين القوى من جديد، كما أن حظوظ العبادي بتولي ولاية جديدة باتت ضعيفة جداً". وأكد أنّ "الكتل السياسية بدأت اليوم بتقديم طروحات جديدة، منها الدعوة لانتخابات مبكرة، وأخرى للتحول باتجاه النظام الرئاسي، وغيرها من الطروحات التي ستؤثر في عامل الزمن على تشكيل الحكومة". ويتعقد المشهد السياسي العراق بشكل لافت، مع عدم إعلان نتائج العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات، وخلافات أزمة تشكيل الكتلة الكبرى، في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات والتظاهرات الناقمة على تردي الخدمات.