تصنيع الكتابة من اليسار إلى اليمين

15 ديسمبر 2015
("الطائر على النقود"، 1981، جان ميشيل باسكيا)
+ الخط -

أكثر من غيرها، تُصدّر الولايات المتحدة أفكاراً للراغبين في أن يصبحوا كتّاباً؛ نصائح تبدأ من كيفيّة تخيّر العنوان الأنسب، إلى عدد الكلمات، وصولاً إلى عدد الأيام التي يحتاجها شخص يستطيع فقط كتابة جملة بسيطة لإنجاز كتابٍ بمعونة هذه النصائح.

ومع اعتلاء الرواية، مقارنةً بالأجناس الأخرى، الدرجات الأولى لسلّم انتشار الكتابة، سعت الولايات المتحدة للاستفادة من ذلك لإنتاج سلعةٍ تتوافق وحجم الانتشار الجديد، ضمن مراحل الإنتاج الصناعيّة: التصنيع، الترويج، ومن ثم التوزيع.

في الآونة الأخيرة، بدأت تنتشر في البلاد العربية ورش لكتابة الرواية تحاكي نظيرتها الأميركيّة، ترجمات عن الإنجليزيّة لكتب ومقالات تتناول النصائح الذهبيّة في الكتابة الجيدة، أبرزها نصائح من 19 كاتباً أميركياً، من صنف الأكثر مبيعاً، شملها كتاب "لماذا نكتب؟"، الذي وجدت طبعاته الثلاث طريقها إلى القارئ العربيّ بين 2014 و2015، وقبله "كيف تكتب رواية في 100 يوم أو أقل".

السمات الأبرز لهذه النصائح، أو خطوات صناعة الكتابة، تركّزت على الشكل، يليها إرشادات ومواعظ عن كيفيّة التعامل مع قضايا النشر والجمهور وتنظيم الوقت والتصميم، في تشابه مع نصائح ما بات يعرف بالتنمية البشرية.

مئات الروايات التي تحمل لغة الوعظ والإرشاد المستلفة من تعاليم الكتب التي تقود إلى "الطريق الصحيح لكتابة رواية"، موجودة في المكتبات، ومجاميع روائيين هواة يُدلُون بأحاديث للصحافة بيقين استثنائيّ عن تجاربهم.

"لا نفكّر إلّا من خلال الصور، إذا أردت أن تكون فيلسوفاً فاكتب روايات" يقدّم ألبير كامو في مفكرته نصيحة للمشتغلين بالفلسفة. وفي حديث مشابه لأمبيرتو إيكو "الروائيّ يمكن أن يقول أشياء يعجز الفيلسوف عن وصفها". وبمقاربات المجازفة عند كونديرا وتقاطعه مع نظرة هيرمان بروخ في رؤيته إلى الرواية، سيكون السبب الوحيد لوجود الرواية عندهما هو اكتشاف ما تستطيع الرواية وحدها اكتشافه.

أما الكتب التي أنجزها هؤلاء للحديث عن صناعة الرواية، فقد كانت تعتمد التلميح مع شكٍ ظاهر، وشروحات واسعة سبّبها العجز عن تفسير ما أتت به الدربة، لكن من غير يقين كالذي لدى الطريقة الجديدة في تعليم كتابة الرواية، التي تشبه طريقة صناعة قالب حلوى الكرز في خمس خطوات، وحالات الهروب كثيرة لدى هؤلاء الروائيين، حين كانوا يواجَهون بأسئلة قرّاءٍ أو صحافيين عن كيفية كتابة الرواية، والإجابة الأكثر ظرافة كانت لـ إيكو، حين سُئل عن كيفيّة كتابة الرواية، ليقدم الوصفة الأقصر من بين جميع الوصفات: من اليسار إلى اليمين.

المساهمون