استعرضت وجوه قتلاي وجهاً وجهاً، وأحصيتهم جثة إثر جثة.
كاتب بائس يخلع صاحبة دائماً.
رجل عجوز يستمني كثيراً بلا جدوى!
رجل آخر يريد مضاجعتي مرة واحدة كل نصف ساعة، توسلته ألّا يتركني، إذ ما الذي سأفعله بالنصف الآخر من الساعة سوى مضاعفة شهوتي؟!
هو رجل وسيم، كثيراً ما اخترقت بنار اشتهائه، ولم أستطع أن أتواصل معه كما أشتهي. كان في كل مرة نلتقي؛ يبدأ بروي نكات فاحشة تهيجني بقدر ما تضحكني، مؤجلاً رغبتي إلى المرة التي ستليها.
يلزمنا طقس خاص يليق بك.. يقول لي.
لقد استطاع خداعي عشرات المرات باقتدار .
هنالك رجل برأس كالأفعى، ناعم وهادئ، مسالم وطيب، إلا إنه يلدغ صاحبه في كل مرة يحس باقتراب الحبل من عنقه، ثم ينسحب بهدوء لص محترف.
آخر أثار استفزازي بطريقة أربكتني: فلقد تكرر حضوره بأحلامي كل ليلة، إلى درجة أنه بات رجلي الملازم لي في السرير، كنت أصحو من نومي وأصرخ من هول ما يحدث لي: كان يواقعني في كل ليلة بإصرار غريب! وبلا رغبة مني، فهو لم يخطر في بالي قط.
غير أن ما أثار رعبي، ادعاء علماء النفس أن هذه أمور تحدث في اللاوعي، وإن صدف وتحققت في الحلم فهذا دليل على ما يتمناه المرء بأعماقه!
نحن نحلم بما نرغبه بقوة ونتمنى حدوثه.
يا إلهي، لقد استدعى الأمر بأن أفكر بأفضل طريقة لأدعه يبتعد عني، ويكف عن مضايقتي، إلى أن خلصت لأسهل الحلول وأسرعها: القتل.
وهكذا قتلته فجراً. استطعت بعدها أن أنام بهدوء كما أشتهي.
ثم كان ذلك الرجل الفزاعة. لقد ضلَّلني بأسوأ مما توقعت: رأيته شامخاً بكبرياء، بنيت أحلاماً وآمالاً، رغبات لا حدود لها، أردته أن يكون آدمي الخاص بي، قامته الفارعة، شعره الناعم المسترسل فوق كتفيه، أحب الرجل بشعر طويل، تلك كانت صفاته أو سماته البارزة، ولكن سرعان ما انهارت أحلامي وتوقعاتي كقصور الأطفال الرملية: كان فارغاً، أجوفَ كفزاعة الحقول.
وغدٌ آخر لسانه بطول شوارع مدينتي المتصلة والمتفرعة، المأهولة والمقفرة، الممتدة والضيقة، لا يفعل شيئاً سوى إيذاء الآخرين والوشاية بهم.
رغم غياب ما يدل على التوجس؛ إلا أنني أحسست بأن هنالك ما ينبغي لي تتبعه: ضوء معتم، رائحة، دليل خفي، سلوك أرعن، خيط لا مرئي أبيض أو أسود، وعلي تتبع الأمر.
حسناً إذن. هذا مؤشر جيد.
التقيته بقاع المدينة، أخذ يشكك بأشخاص كانوا أصدقاءه، لحسن حظي أو سوء حظه كانوا هم أصدقائي!
ذهلت. أخذت استمع إليه بهدوء واهتمام، إلى أن انتهى من سرد عشرات القصص التي أدركت زيفها، بسبب معرفتي بأشخاص العديد ممن وردوا فيها.
أيها الوغد. قلت لنفسي، ستكون رقماً جديداً يضاف إلى قائمة قتلاي.
هكذا كان الأمر. إلى أن انتهيت منهم جميعاً، أجل. لقد قتلتهم بضمير نقي صاف.
***
فيما بعد سارت حياتي بهدوء وسكينة لا يعكر صفوها شيء. إلى أن نهضتُ ذات ليلة وكنت أرتجف هلعاً ورعباً، إذ كنت محاصرة بعيون محدقة بي على اتساعها، ترمقني باستهزاء ساخر، ذات نظرات متوعدة ومهددة، غاضبة تمتلئ حقداً وغضباً وتتأهب للانقضاض علي! ثم تحوَّلت لتقذفني باللهب في الليالي التالية.
يا إلهي. ما الذي يحدث لي؟ أين أولّي وجهي؟
أشعلت الضوء، انتحيت ركناً قصياً، وأخذت أفكر من جديد: ماذا فعلت.
هل يستحق الأمر ولو كان بأسوأ صورة، هل يستحق القتل؟ كيف أقدمت أنا الفتاة الطيبة الجميلة المسالمة على فعل كالقتل؟ وهل كنت أنا نفسي ذاتها حينما أقدمت على قتل هؤلاء الأوغاد؟ أكانوا يستحقون القتل، أم هو مجرد تمرين صعب صدف وأن تحقق؟ أم هو خلل في ذاتي كنت أهرب منه إلى فعل كالقتل؟ أم أنني كنت أهرب من واقع لآخر كما يحدث لي في أحلامي؟
لقد نجحت في قتلهم إلى الأبد. الأوغاد، هذا ما اعتقدته، لكنني لم أتخلص من أعينهم، فهي تأتيني في أحلامي وتغزوني بيقظتي، ولم أستطع احتمالها رغم ثقتي العالية بنفسي!
يجيء الموت سريعاً وخاطفاً، فكَّرت مندهشة بهذا الخاطر، وكانت حياتي قد تحولت إلى جحيم حقيقي، ثم بثوان كالحلم، امتدت يدي وسحبت الكرسي إليَّ، وقفت فوقه، أمسكت بحبل الإضاءة المتدلي وأحكمته فوق عنقي، وبحركة خاطفة مخطوفة من أي تردد أزحته بقدمي، بدأ جسدي يتأرجح يميناً ويساراً، شهقت بعمق، وأغمضت عيني. هكذا أكون بلا أحلام تحرق ليلي بتلك العيون أو باشتهاءات ناقصة أو فائضة.*كاتبة وقاصة من الأردن