تشهد مملكة البحرين أزمة سياسية جديدة، نتيجة تصعيد الحكومة البحرينية إجراءاتها ضد جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة، والتي تم تجميد نشاطاتها، تمهيداً لحلها قضائياً، بالتوازي مع ملاحقة رموز الجمعية، كأمينها العام، علي سلمان، ومرشدها الروحي، المرجع الديني، عيسى قاسم. وشملت الإجراءات البحرينية ضد جمعية الوفاق، إسقاط الجنسية البحرينية عن قاسم، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع، كأهم شخصية تجمع المعارضة الشيعية في البلاد. بالإضافة إلى تشديد حكم السجن بحق سلمان، في وقت سابق، ليصبح 9 سنوات، بدلاً من 4 سنوات، كما في الحكم الأولي. وكان محامي جمعية الوفاق، عبد الله الشملاوي، قد أكد أن القضاء قام بتعجيل جلسة النظر في قضية حل جمعية الوفاق، لتصبح يوم غدٍ الخميس، بدلاً من السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، كما كان مقرراً في وقت سابق.
كما اتهمت وزارة الداخلية البحرينية، عيسى قاسم، بتهم مشابهة، تتعلق بـ"تأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية"، واستغلال "المنبر الديني، الذي أقحمه في الشأن السياسي لخدمة مصالح أجنبية"، بالإضافة إلى "تشجيع الطائفية والعنف". ويُعتبر قاسم أهم مرجعية دينية شيعية في البحرين. وقد أكمل دراسته الدينية في حوزة النجف العراقية في الستينيات، ثم في حوزة قم في إيران، عندما نُفي من البحرين في التسعينيات. واتهمت السلطات البحرينية، عيسى قاسم، بالوقوف وراء محاولة انقلاب ضد نظام الحكم منتصف التسعينيات، لتلي ذلك مغادرة مجموعات من المعارضة البلاد، قبل أن تعود مع إصدار الملك البحريني الحالي، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عفواً عاماً في 2001. أسس قاسم عام 2004، المجلس الإسلامي العلمائي، ليكون ممثلاً لعلماء الدين الشيعة في مملكة البحرين، لكن المجلس تم حله في 2014. وساهم قاسم في تأسيس جمعيات دينية أخرى، مثل جمعية التوعية الإسلامية، والتي تم حلها الأسبوع الماضي أيضاً.
وتتهم السلطات البحرينية، جمعية الوفاق، بالخضوع لأجندة إيرانية من جهة، والتواصل مع جمعيات حقوقية دولية من جهة أخرى. ولا يمكن قراءة تطورات الأحداث في البحرين، من دون معرفة الثقل الذي تمثله جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، والسياق الذي تمثله. إذ يعتبر مراقبون الجمعية أوسع تيار معارض ممثل للشيعة في مملكة البحرين، والتي تشهد تجاذبات سياسية على أسس طائفية. إذ تتهم الحكومة البحرينية، المعارضة، بالعمل وفق أجندة طائفية، بينما تتهم المعارضة، السلطة، بالأمر ذاته، من خلال ملاحقة واستهداف المعارضين، والتجنيس السياسي، الذي ترى فيه المعارضة محاولة من الحكومة للتغيير الديمغرافي في البحرين، وتهميشاً للأغلبية الشيعية في البلاد.
وقد تأسست جمعية الوفاق الوطني رسمياً في 2001، وهي وريثة ما يعرف بـ"حركة أحرار البحرين"، التي قادت الاحتجاجات في البحرين منتصف التسعينيات. وتمثل الجمعية، والتي كان قادتها منفيون في لندن، طيفاً واسعاً من المعارضة الشيعية، انشق عنها على سبيل المثال، حسن مشيمع، زعيم حركة حق، الداعية لإسقاط النظام البحريني، وتأسيس جمهورية إسلامية على غرار الجمهورية الإيرانية. وتراوحت العلاقة تاريخياً بين الجمعية والحكومة البحرينية بالتذبذب. فقد قاطعت "الوفاق" الانتخابات البرلمانية في 2002، بسبب رفضها لآليات كتابة الدستور البحريني. ثم شاركت في انتخابات 2006، و2010، قبل أن تعلّق مشاركتها في البرلمان إثر التظاهرات التي شهدتها البحرين في 2011، وجاءت استقالة نواب الجمعية من البرلمان، احتجاجا على قمع الحكومة البحرينية للتظاهرات. كما احتجت الجمعية لاحقاً على دخول قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين، ورفضت المشاركة في انتخابات 2014 البرلمانية.
سياسياً، تُلخص وثيقة المنامة، التي أصدرتها عدة جمعيات بحرينية في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، ومن أبرزها جمعية الوفاق، رؤية الجمعية السياسية للبحرين، والتي تقوم على أساس "التحوّل إلى الديمقراطية تحت سقف الملكية الدستورية بالنسبة للبحرين مع الاحتفاظ للعائلة المالكة بالحكم من دون السلطة". الأمر الذي يجد رفضاً من السلطات البحرينية، التي تعتمد نظاماً ملكياً دستورياً، تؤدي الأسرة المالكة من خلاله دوراً سياسياً رئيسياً في البلاد. وترى الحكومة البحرينية في جمعية الوفاق، تهديداً للحياة السياسية في البحرين، وتتهمها بممارسات طائفية، واستغلال المنبر الديني في العمل السياسي، وهو الأمر الذي أصدرت البحرين قراراً بتجريمه أخيراً، بالإضافة إلى وجود اتهامات للجمعية بالتواصل مع جهات خارجية، لا سيما إيران.
ويعتبر مراقبون أن السلطات البحرينية لن تغفر للجمعية تحريكها وتصدّرها للاحتجاجات السياسية التي شهدتها البحرين في 2011، ودعمها لمطالب المحتجين، والتي تراوحت بين إصلاح النظام وإسقاطه. في الوقت الذي اتهمت فيه السلطات البحرينية، إيران، بالوقوف وراء الاحتجاجات، التي انتهت في نهاية المطاف، بإعلان حالة السلامة الوطنية (الطوارئ) وتدخّل قوات "درع الجزيرة". وأكد رئيس الوزراء البحريني، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، يوم أول من أمس، "استمرار الحكومة في إجراءاتها الحازمة وتدابيرها الحاسمة الهادفة إلى حفظ الأمن وتعزيز الاستقرار". واعتبر أن ما يحدث في البحرين هو "تصحيح مسار العمل السياسي وحمايته من الانحراف أو الاستغلال لتعميق مفاهيم الطائفية والتحريض والاستقواء بقوى خارجية في الشأن الداخلي أو بالتبعية للمرجعية السياسية الدينية الخارجية"، وذلك خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية.
في الوقت ذاته، أعلن مجلس النواب البحريني عن دعمه للإجراءات القانونية التي تتخذها السلطات في البحرين ضد "ما يقوم به عدد من الشخصيات والجماعات والتنظيمات داخل وخارج البحرين من العبث بالأمن الوطني وسيادة القانون وبث الأفكار الطائفية والإرهاب ودعم أعمال العنف والتخريب وتمويل العمليات الإجرامية".