تصادم النظام و"قسد" يقترب... والرقة ساحة المواجهة

06 نوفمبر 2017
لا حاضنة شعبية لـ"قسد" في الرقة (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
تدل المعطيات الأخيرة على أن الرقة ستكون ساحة صراع بين النظام السوري و"قوات سورية الديمقراطية" التي تسيطر عليها، وهو ما بدا واضحاً في تصريحات عدة في الأيام الأخيرة عن مسؤولي النظام السوري وحلفائه بشأن اعتزام قوات النظام التوجه قريباً إلى الرقة. وبعدما صرح مصدر في وزارة خارجية النظام السوري لوكالة "سانا" أن "مدينة الرقة ما زالت محتلة، ولا يمكن اعتبارها مدينة محررة إلا عندما يدخلها الجيش السوري"، قال مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي في تصريحات له من بيروت، إن قوات النظام السوري ستتقدّم قريباً لانتزاع مدينة الرقة من "قوات سورية الديمقراطية" التي تدعمها الولايات المتحدة، متهماً الأخيرة بالسعي لتقسيم سورية إلى قسمين عبر نشر قواتها إلى الشرق من نهر الفرات. لكنه قال إنها ستفشل في تحقيق ذلك في سورية كما فشلت في العراق. وفي المنحى ذاته، جاء التصريح الصادر عن القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية الروسية بأن "الحل العسكري هو الخيار الوحيد للتعامل مع المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد" في سورية.

وكانت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي يهيمن عليها المقاتلون الأكراد، سيطرت يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مدينة الرقة التي كانت تعد أبرز معقل لتنظيم "داعش" منذ عام 2014. وأعلنت "سورية الديمقراطية" أنها ستسلم إدارة المدينة وريفها إلى مجلس الرقة المدني، بينما ستتولى قوى الأمن الداخلي حماية أمن المدينة وريفها. وبادرت إلى سحب التشكيلات الكردية من المدينة، ونشرت مكانها مقاتلين عرباً، وأعلنت أنها ستعمل على حماية حدودها من أي "اعتداء خارجي"، في رسالة بدت أنها موجهة إلى قوات النظام السوري، وحتى القوات التركية، لا سيما أن مجلس الرقة الموجود في تركيا أعلن رفضه للمجلس الذي شكلته "سورية الديمقراطية".

ويرى مراقبون أن المليشيات الكردية تحاول فرض أمر واقع في المدينة يمكّنها من السيطرة عليها ولو عبر ممثلين من القبائل العربية، وذلك بالنظر إلى أهمية الرقة الاستراتيجية بالنسبة للمشاريع الكردية، كونها تمثّل صلة الوصل بين الحسكة شرقاً وعين العرب وعفرين غرباً. ويلقى هذا المسعى دعماً من الولايات المتحدة عبر مبعوثها للتحالف الدولي بريت ماكغورك، الذي عقد أخيراً اجتماعات مع "مجلس الرقة المدني" في مدينة عين عيسى شمال المدينة، وأعلن دعمه جهود المجلس لإعادة إعمار المدينة التي يقدر حجم الدمار فيها بنحو 80 في المائة من أبنيتها وبنيتها التحتية.

كما يمتد التنافس بين النظام و"سورية الديمقراطية" إلى محافظة دير الزور المجاورة، حيث تمكنت المليشيات الكردية مسنودة بطيران التحالف، من السيطرة على مساحات واسعة من المحافظة شرق النهر خصوصاً آبار النفط، بينما سيطرت قوات النظام على معظم ما كان بحوزة تنظيم "داعش" غرب النهر، وتستعد للتوجه إلى آخر معاقل التنظيم في مدينة البوكمال على الحدود العراقية. وفي مؤشر إضافي على احتدام التنافس بين النظام والأكراد، قال المتحدث باسم التحالف الدولي إن قوات "سورية الديمقراطية" قد تتجه بدورها إلى البوكمال.


ورأى المحلل السوري شادي عبدلله، أن توتر العلاقات بين واشنطن من جهة، وموسكو وطهران من جهة أخرى، قد يدفع الأخيرتين إلى دعم توجّه قوات النظام السوري إلى الرقة، بهدف السيطرة عليها بالقوة أو عبر تفاهمات، خصوصاً مع انتهاء عهد "تحالف المصلحة" الذي كان قائماً بين هذه الأطراف ضد تنظيم "داعش" في ظل الانحسار المتواصل لقوة التنظيم، معتبراً أن المرحلة المقبلة سوف تتسم بالتصادم بين القوى المتقاتلة على تركة التنظيم، وأبرزها قوات النظام المدعومة من موسكو وطهران، و"سورية الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة.

وتوقّع عبدلله أن تشهد مرحلة ما بعد "داعش" صراعات خصوصاً على الحقول النفطية ومصادر الثروة الأخرى، معرباً عن اعتقاده بأن روسيا والنظام لن يقبلا أبداً بسيطرة "سورية الديمقراطية" على حقول النفط، بينما تدرك واشنطن و"سورية الديمقراطية" أن فرصتهما ضعيفة للاحتفاظ بالسيطرة على تلك الحقول وعلى مجمل المناطق غير الكردية، خصوصاً مع عدم وجود مصافٍ لتكرير النفط في مناطقها، مضيفاً أن السيطرة على هذه الحقول ستكون مفيدة كأوراق تفاوضية على مستقبل تلك المناطق، ومستقبل البلاد.
وبشأن الرقة، رأى عبدلله أن النظام وروسيا وإيران يفكرون بالسيطرة على المدينة جدياً لإدراكهم أن وجود القوات الكردية في المدينة هش، إذ لا حاضنة شعبية لها هناك، كما بسبب وجود الكثير من المنشآت الحيوية مثل سد الفرات، ومجمل عملية إعادة البناء لا يمكن أن تنطلق جدياً من دون وجود أو تعاون من جانب النظام.

وكانت "سورية الديمقراطية" قد تعرضت في 25 سبتمبر/أيلول لقصف من الطيران الروسي، استهدف مواقعها في معمل غاز كونيكو شرقي دير الزور، أدى لمقتل وجرح عدد من عناصرها، كما تم تسجيل حالات قصف متبادل مع قوات النظام السوري في مناطق عدة، خصوصاً على أطراف بلدة خشام فوقاني بالريف الشرقي، وفي حقل الجفرة النفطي.
وتسعى المليشيات الكردية إلى تقوية الوجود الأميركي في مناطقها كي توفر لنفسها المزيد من الحماية في وجه المخاطر المحتملة خلال المرحلة المقبلة. وأعلنت في هذا السياق أن الولايات المتحدة بدأت في إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في مدينة الرقة، وذلك بعد استكمال قاعدتها العسكرية في مدينة الطبقة غرب الرقة في شهر يونيو/حزيران الماضي.

وأوضح مصدر في "سورية الديمقراطية" أن الولايات المتحدة تمتلك عشر قواعد عسكرية في المناطق التي تسيطر عليها تلك القوات شمال شرق سورية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تبني قاعدة عسكرية في كل منطقة تدخل إليها، "لكنها قواعد عسكرية مؤقتة"، مشيراً إلى أن قاعدتي عين العرب وديريك هما الأقوى تحصيناً وتسليحاً في المنطقة. واعتبر أن بناء تلك القواعد يدل على أن الولايات المتحدة باقية في سورية ولن تخرج منها قبل سنوات.