تشويه صورة الفلسطيني في مصر

17 يونيو 2015
(مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2014)
+ الخط -
في هذا الكتاب الذي يفيض بالمرارة يتناول أسامة عامر "جذور مشكلة" شيطنة الفلسطينيين في مصر، بدءاً بما سمي العصر الذهبي الذي شهده الفلسطينيون في ظل الحكم الناصري، ثم تدهورها التدريجي الذي ترافق مع توجه أنور السادات إلى الغرب بقوة.

يقول عامر، إن الخطاب المعادي للشعب الفلسطيني لم يكن محصوراً في دوائر نظام مبارك السابق، وإنما هو نتاج بنية عميقة، تتجاوز أطر هذا النظام، وتمثلت في رؤية مركزية لدى المصريين وسوء فهم للمحيط العربي، وتصورها للذات مصطدم بالواقع. فالدولة القُطرية العربية، التي هي منتج استعماري، يحرجها، دوماً، استمرار القضية الفلسطينية، لذا، أوغلت أنظمة هذه الدول في إنشاء صورة سيئة عن الفلسطينيين، كاختلاق أكاذيب عن بيع الفلسطينيين أراضيهم؛ وحقدهم على العرب؛ وغيرتهم من ثراء الخليجيين! كما أشاعت تلك الأنظمة أن القضية الفلسطينية أرهقت العرب مالياً وأضعفتهم عسكرياً.

يورد المؤلف عدداً من الاتهامات (القديمة المتجددة) مثل الزعم بطمع الفلسطينيين بالاستيلاء على سيناء وضمها لقطاع غزة. وهذا ما يرفضه الفلسطينيون بشدة، حتى الآن، منذ يونيو1953، حينما عقدت الحكومة المصرية اتفاقًا مع "وكالة غوث اللاجئين"، الذي قضى بتوطين اللاجئين المقيمين في مصر وقطاع غزة، في منطقة بشمال غرب سيناء، وحمل المشروع اسم "مشروع سيناء". وجاء في هذا السياق "مشروع الجزيرة" في سورية، ومشروع "غونستون" في الأردن. وتحت ضغط المظاهرات الحاشدة، من أقصى قطاع غزة إلى أقصاه، وافق عبد الناصر على مطالب "انتفاضة مارس" في قطاع غزة، وسقط "مشروع سيناء" ومعه كل مشاريع التوطين. إلى ذلك، ظلت سيناء مدة خمسة عشر عاماً، متاحة مباحة لأبناء القطاع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي (1967-1982)، ولم نر فلسطينياً واحداً انتقل إلى العيش في سيناء! حتى حينما اقتحم أهالي غزة العوائق على الحدود، إلى قلب سيناء (23/1/2008)، حيث اشتروا حينها ما يحتاجونه، ثم عادوا من حيث أتوا.

أما الاتهامات الراهنة، فيرد منها قتل ثوار 25 يناير 2011، واقتحام السجون؛ وحفر الأنفاق الحدودية، وقتل جنود مصريين في رفح؛ وتهريب الوقود إلى غزة، الأمر الذي أثار الأزمة في مصر؛ وإرسال سبعة آلاف من نخبة "كتائب القسام" إلى مصر لحماية الرئيس مرسي؛ وأحداث الكاتدرائية في العباسية؛ وتهريب أقمشة شبيهة بزي الجيش المصري، والمكالمات بين قيادات من "حماس"، وقيادات من "الإخوان المسلمين" قبل ثورة يناير؛ وخطف سبعة جنود من الجيش والشرطة في العريش، وما جرى في 30 يونيو/حزيران؛ إلى القبض على أربعة فلسطينيين في حي المقطم في القاهرة؛ واتهام "حماس" بقتل مشجعي فريق الأهلي في مذبحة بورسعيد وحرق "اتحاد كرة القدم المصري"، وتهريب قادة جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر الى غزة؛ ناهيك عن تهمة التخابر مع "حماس".

تناول المؤلف كل اتهام على حدة، موضحاً التناقضات في حديث بعض المسؤولين السابقين، وبعض الإعلاميين فلا صحة لمحاولات الربط بين ظاهرة الأنفاق وبين حالات الانفلات الأمني في سيناء؛ فضلاً عن عدم تدقيق الإعلام المصري في معلومات الخبر، خصوصاً إذا كان مرتبطًا بـ "حماس". وأوضح، عامر، أن أغلب هذه الاتهامات والأخبار المفبركة، ما هي إلا طرائف بلغت حد الغرابة، كما أكد أن هذه الأخبار، معظمها، إن لم تكن كلها، تمت صياغتها من "الخلية الأمنية الإعلامية الفتحاوية".

أما عن الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتأثيره على حالة شيطنة الفلسطينيين في مصر، فهذا الانقسام السياسي، بين الفصيلين الأبرز على الساحة الفلسطينية (فتح، وحماس)، كان له دور في تسعير حدَّة هذه الاتهامات، بصورة، أو بأُخرى. وفي مؤتمر صحافي نظمته "حماس"، في مدينة غزة (30/7/2013)، كشف المؤتمر عمّا سمي "وثائق المؤامرة"، التي أثبتت أن حركة "فتح" مسؤولة، بشكل مباشر، عن حملة التحريض التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، في الإعلام المصري؛ وأكد المسؤول الإعلامي في "حماس" صلاح البردويل، أن " تياراً منفرداً في حركة "فتح"، ومسؤولين في السلطة الفلسطينية، هم من وراء هذه الوثائق، وليس كل أبناء"فتح"، أو كل المنتمين إلى السلطة الفلسطينية متورطين في هذه الحملة". فيما قابلت "فتح"، والسلطة، وأجهزتها الأمنية الأمر بحالة من الإنكار والنفي، ما دفع مصادر أمنية حمساوية إلى الكشف عن كيفية الحصول على جزء من "وثائق المؤامرة"، غير ما أعلنت عنه "وزارة الداخلية الفلسطينية"، في قطاع غزة، بأن لديها تسجيلات لمكالمات تثبت تورُّط "فتح" في التحريض على غزة، وأن تلك الوثائق ما هي إلا جزء بسيط من ملف كبير لدى" الوزارة"، قد تكشف عنه، في وقت لاحق.

خلص الكتاب إلى نتائج عدة هامة من ضمنها، أن تدهور صورة الفلسطينيين في مصر في ازدياد؛ مع اتساع حركة الاتهامات ضد "حماس" في الإعلام المصري في حملة متعددة الاتجاهات. وساهم واقع الأزمات الداخلية المصرية وحالة الاستقطاب الحاد على انتشار الحملة ودور الإسرائيليين في ذلك.

(كاتبة فلسطينية)
المساهمون