تسويق العملية السياسية في العراق بذريعة داعش

27 نوفمبر 2017
+ الخط -
تتتابع الأخبار بخصوص حماية قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) مرتزقه "داعش" في العراق وسورية، لتسهيل تهريبهم بسلام، إذ كشفت "بي بي سي" أن صفقة في هذا الخصوص تمت بترتيبٍ من المسوؤلين المحليين في الرقة، تحت أنظار القوات الغربية، بينما يعلن رئيس اللجنة الفرعية للأمن القومي التابعة لمجلس الشيوخ، رون دي سانتيس، أن إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، درّبت المليشيات الشيعية التابعة لإيران وسلحتها، فيما بثت الفضائيات نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي صورا تظهر تأمين خروج عدد كبير من المرتزقة باتجاه الحدود العراقية، ما أثار غضب عراقيين كثيرين وتساؤلاتهم التي حاولت الحكومة إسكاتها من دون جدوى. والغريب أن أيا من القوات الأطلسية أو حزب الله الذين ردّدوا باستمرار أن "داعش" هم ضباط صدام حسين وبقايا الجيش العراقي، لكنهم لم يعتقلوا أحدا من هؤلاء الضباط والبقايا ليقدموه للعالم والإعلام، فيثبتوا صدقهم. وتدفع هذه الأخبار العراقيين إلى طرح تساؤلات حول ما رأوه في الموصل وبيجي وتكريت من تدمير للمدن والممتلكات وتهجير الناس وكثرة القتلى المدنيين، من دون وجود أي جثة وأسير من "داعش" حتى قيل: هذه عشرات آلآف جثث مدنيي الموصل، فأين جثث "داعش"؟
هل تنظيم داعش هو فعلا كما وصفه الإعلام الغربي، أم هو ذريعة لعملية عسكرية واستخباراتية أطلسية لتسويق بقاء الاحتلال واستمراره في العراق؟ بعد إدخال التنظيم، لم تعد الولايات المتحدة نشر قوات جديدة فيه فحسب، بل بتنظيم حلف عسكري جديد حشدت له 68 دولة في مؤتمر عالمي ضد الإرهاب، رافقته حملة أعلامية واسعة للكلام عن وحشية التنظيم "وجرائمه غير المسبوقه في التاريخ البشري". وقد دكّ هذا الحلف العسكري بالطيران مدن العراق التي رفضت الخضوع والاستسلام للمشروع الأميركي وهجر غالبية سكانها، حاضنة المقاومة والوطنية العراقية، في داخل العراق وخارجه. وكتبت الصحافية في "نيويورك
تايمز"، أزمت خان، أن خسائر المدنيين الحقيقية جراء 150 ضربة جوية أميركية في الموصل والقيارة تفوق المعلن 31 مرة. ليس ذلك فحسب، بل زادت الولايات المتحدة أعداد قواتها في أكبر القواعد العسكرية العراقية المعروفة، بمعزل عن القوات العراقية فيها، حتى إن ما تسمى حكومة المنطقة الخضراء لا تعرف شيئا عن هذه القواعد ولا عدد عسكرييها، ويجهل العسكريون العراقيون الموجودون فيها نشاط القوات الأميركية وغير الأميركية، فليس هناك أي صلة بهم، لا من قريب ولا من بعيد، تعزلهم في القواعد نفسها جدران عالية محصنة. وبحجة "داعش"، أعطى المرجع السيستاني فتوى الحشد الكفائي، بداية لتأسيس الحشد الشعبي والمليشيات الطائفية التي يكشف اليوم عنها رئيس اللجنة الفرعية للأمن القومي الأميركي، ويقول إن إدارة أوباما دربت وسلحت كل هذه المنظمات التي استخدمت في قتل العراقيين، وفي قتل الشباب العراقي المجند نفسه بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني.
وعقب التدمير شبه الكامل لكبريات المدن العراقية، تعود الولايات المتحدة إلى تسويق العملية السياسية وانتخاباتها المقبلة، بعد مزاعمها بانتصارات على "داعش" هي والقوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي التابعة للحرس الإيراني. حيث يتم تلميع صورة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لإخراجه بصورة الشخصية الوطنية التي قادت الحرب على "داعش"، ومن ثم إبرازه رئيس وزراء، دافع عن وحدة العراق وسيادته برفضه انفصال إقليم كردستان والاستفتاء هناك، تبعت ذلك الإشادة بموقفه في طلب إلغاء الاستفتاء من رئيس الإقليم مسعود البرزاني وحزبه، قبل الحوار مع السلطة المركزية في بغداد. وليس ذلك فحسب، فالإعلام يروج حاليا ما يقوم به العبادي من "تحرير" كل المناطق الغربية لإعادة السلطة المركزيه إليها، كما لو أنها كانت فيما مضى خارج السلطة، علما أنها خالية من "داعش". وفي مؤتمر صحفي عقده أخيرا، ضرب العبادي على وترٍ حساس، انتفض العراقيون ضده، حينما قال إن المحاصصة كانت خاطئة، وإن الحكومة اتخذت خطوات لإلغائها في الجانب الوظيفي، كما بشر الناس من جديد بمحاربة الفساد وفتح المجال للقيادات الشابه في قيادة البلد، وتشجيع القطاع الخاص، والسير في عجلة التنمية والإصلاح الأقتصادي. ولا ينطق العبادي في هذا الأمر عن الهوى، ولا عن حزبه، بل هذا ما تعلنه الولايات المتحدة منذ مدة، وما تسربه من معلومات، وتسرّ لمن يصدّق أكاذيبها بأنها ستصلح ما خربه "داعش" وإيران. وبهذه المناسبة، يتجه إعلام الاحتلال ودوائره إلى تلميع صورة رئيس الوزراء الحالي أمام الشعب العراقي، لكي يستمر في منصبه في الفترة المقبلة. وكان مؤتمره الصحفي هذا بداية لدعاية انتخابية أو تهيئة الأجواء قبل الأنتخابات، للاستمرار في المنصب. وقد جاء العبادي فيه على فتح المجال للقيادات الشابة، في إشارة من دولة الاحتلال لشريحة انتفضت، ويحتمل انتفاضها مستقبلا في أي لحظة، فالاحتلال يغير وجوه الشخصيات، ويلمع بعضها، ويدخل أخرى، لتستمر في أداء الوظائف الموكلة لها، لكنه لا يغير في أهداف العملية نفسها، لأنه لم يأت لبناء ديمقراطية حقيقية أو إنهاء فساد، فمنذ بدايته، أسس الغزو لعملية سياسية طائفية، شرعت كل نتائجها الكارثية، بل تم دعمها بقوة من خلال الأحزاب الدينية وممارساتها وتعاونها مع إيران.
تلميع حيدر العبادي هو لإضفاء مزيد من الشرعية، ليستمر في منصبه في الانتخابات المقبلة، في 2018. لكن، من أين جاء حيدر العبادي؟ أليس هو أحد أعضاء حزب الدعوة الذي روّج جيش الحسين ضد أتباع يزيد، وأولوية الطائفة على الوطن، وإعطاء الموصل إلى مسعود البرزاني؟ ألم تقدر أموال قادته في البنوك بمئات المليارات من الصفقات والعمولات والمتاجرة بأموال الدولة العراقية، وبنوكها، وعقود الشركات الوهمية وعقود الفساد، والاستيلاء على المال العام، ومنهم العبادي، حيث ورد اسمه في صفقة عمولات وقبضه ثلاثة ملايين دولار من
شركة أوراسكوم للهاتف النقال، بحسب إعلام حزب الدعوة نفسه. ولن تختلف حكومة الاحتلال المقبلة عن سابقاتها، بل ستكون أسوأ منها، فالعبادي يفصح في مؤتمره هذا عن توجهات المستقبل الاقتصادي المظلم والتعيس للعراق المرتبطة بصندوق النهب الدولي، وليس بالحكومة العراقية، والقاضي بتخفيض رواتب الموظفين 20%، تضاف إلى الاستقطاعات الإجبارية المعمول بها حاليا. كما أن تصريحاتهعن إحالة 18 شخصية بتهم الفساد لن تؤدي إلى أي إصلاح حقيقي لمعالجة الفساد الضارب في كل مفاصل الدولة والمجتمع، بل إلى استمرار هذا النهج المرتبط وجوديا بالمحتل.
أي رهان للشعب العراقي في الانتخابات المقبلة على أحزاب مرتهنة للاحتلال، حللت الدم العراقي والأرض العراقية، خاسر، ولو بذريعة "داعش" ونتائج القصف الأطلسي الهمجية، فالشعب العراقي لم يسلم من القتل والتهجير والتطهير الطائفي والعرقي منذ 2003، ولن يسلم ما دام الاحتلال وعمليته السياسية قائمين، فالولايات المتحدة جاءت لتبقى، ولن ينجو العراقيون من المصير الذي يفرض عليهم إلا بالتخلص من العملية السياسية وأحزابها، والاستمرار بمقارعة المنطقة الخضراء بكل الطرق المتاحة. وقد أثبتت الانتفاضات السابقة قدرة الشعب العراقي على إزاحة هؤلاء بسهولة، ومن دون عنف ولا دماء، إذ ما أن دخلت الجموع السلمية للمنطقة الخضراء، حتى هرب الجميع بعضهم حافي القدمين لينفذ بجلده.
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
ولاء سعيد السامرائي

كاتبة وصحفية عراقية مقيمة في باريس

ولاء سعيد السامرائي