تسقط الدولة، لا الحكومة

27 ابريل 2016
+ الخط -
قد يكون العنوان صادما للكثيرين، خاصة أن ثمة أسئلة كثيرة تحذيرية تطلق، من نوع: ماذا إن سقطت الدولة؟ أي بديل سيكون مكانها؟ ألا نرى ما يحصل في الصومال من فوضى؟
غير أن التفكير داخل المنظومة التي خلقت المشكل لن يقدم حلا، بل سيقدم تساؤلات إنكارية كالتي أشرنا إليها، وكما عبر عن ذلك إنشتاين حين قال إن العقل الذي خلق المشكل، من المستحيل أن يقدم حلولا للمشكل.
هؤلاء الذين يرفعون شعار فوكوياما، معلنين نهاية التاريخ، بحسبهم أنه لا يمكن "أن يكون أفضل مما كان، وأن النموذج المطروح اليوم هو أن تسير الناس في قوالب "مصلحية للبرجوازية" تسمى الدولة، هو أفضل ما يمكن أن تصل إليه الإنسانية من أشكال تنظيم.
والحكومة هنا، ليست إلا "تمظهرا اقتصاديا سياسيا" للمصلحية البرجوازية، والتي تهيمن على المجتمع، وهذه "المصلحية البرجوازية" خلقت آلية الحكومة للالتقاء، ذلك أنها لا تستطيع الالتقاء موضوعيا في أشكال أخرى لأسباب إيديولوجية من جهة، وتكتيكية من جهة أخرى.
مثلا حكومة الصيد، تمثل التقاء اليمين المتصادم فكريا، والمنسجم اقتصاديا، وهي لا تخدم رؤى الشعب وطبقاته الفقيرة، ذلك أن هذه الطبقات لا تلتقي مع هذه التكتلات، بل تمثل بحسب رؤية "المصلحية البرجوازية" أداة خدمة سياسية واقتصادية من خلال الإنتاج والخدمة، في حين أنها تؤجل مصالح هذه الطبقة لحساب مصلحتها.
يذكر التاريخ التونسي مثلا في عملية سوسة الإرهابية أن "المصلحية البرجوازية" سارعت إلى تقديم الخدمات المالية لصالح رجال الأعمال، من خلال إنشاء صناديق وتعليق ديون ودعم مادي ضخم، في حين أن هذه المصلحية نفسها اعتبرت التحركات الاجتماعية في قرقنة "تخريبا" يضر بالاقتصاد الوطني، في فترة تدعي فيها هذه البرجوازية أنها لا تملك المال الكافي للاستجابة للمطلبية التي تصفها أيضا بـ"المشطة".
وبالتالي، فإن الحكومة هي في الأساس تكتيك يختبئ وراءه "أصحاب الدولة على المقاس"، وسقوطها سيقدم خدمة لدولة التكتلات، حيث سيمثل رحيلها في الشارع أو تحت ضغط سياسي  متنفسا واهما للشعب، معتقدا أنه انتصر في حراكه ومناورة لدولة التكتلات، والتي ستعيد ترتيب أوراقها واحتواء الحراك من خلال آلياتٍ عديدة، أهمها الإعلام والبوليس بعد تقديمها الحكومة كبش فداء، وتحميلها فشل الدولة في تحقيق المطالب الاجتماعية للطبقات المضطهدة.
وعليه، ليس العدو الأساسي "الحكومة"، بل هو الدولة بجميع تشكيلاتها، والمؤسسات الخاضعة لها، ومعرفة هذا الأمر مهم جدا في بناء الدولة التي تكرّس العدالة الاجتماعية، بدون ذلك كل ما يحدث من احتجاج قطاعي ضيق، ومطالبة برحيل الحكومة هو عمل عفوي يضر بالعمل الثوري، والذي يستلزم اكتساب وعي سياسي.
فهم أن النموذج الحالي للدولة هو بناء مصلحي يخدم طبقة معينة، تُدعي "العام" في وجه "القطاعي"، فمواجهة رأس المال في مصنع ما بعينه، والمطالبة بمطلب في قطاع واحد لن يغير شيئا ذا قيمة، في حين أن وعي كل الطبقات بنظرة الدولة لها واعتبارها أدوات إنتاج وتلاحمها في عمل نقابي واحد لا قطاعيا سيقلب الأمور والمعطيات، ويفرض واقعا جديدا، والدليل على ذلك فشل حراك جزيرة قرقنة (للتبلور والتحول إلى حراك وطني)، ذلك أنه بقي قطاعيا، جغرافيا ومهنيا، يطالب بمطالب محلية.
والشكل الحالي للدولة لا يخدم أبدا إلا أصحابه (المصلحية البرجوازية) من خلال تطويع المؤسسات (قانون المصالحة، مجلة الاستثمار، التهرب الضريبي..) في حين أنه يعتمد على جهاز البوليس والقمع في مواجهة الطبقات التي لا تنتمي له وترفض سياسته.
وعليه، تمثل الدولة الحالية ومضامينها العدو الأول، والحراك العام هو الانتقال الآلي من الخضوع إليها لهدمها والاستيلاء عليها، وتقديم تصور آخر بعيد عن المصالح الضيقة للطبقات الحاكمة.
27D5F4EF-5B05-449B-AC6C-7303748A696C
27D5F4EF-5B05-449B-AC6C-7303748A696C
محمد بوكوم (تونس)
محمد بوكوم (تونس)