تساؤلات بشأن نوايا الجيش الجزائري: تجاوز الحراك يعزز المخاوف

01 ابريل 2019
تباين شعبي وسياسي إزاء موقف الجيش الجزائري (العربي الجديد)
+ الخط -
توقفت رسائل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومقترحاته السياسية إلى الحراك الشعبي، وبات الحوار متبادلاً حصرياً بين الحراك والجيش، منذ 26 مارس/ آذار الماضي، تاريخ إعلان رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح قراره بتفعيل المادة 102 من الدستور، التي تُقرّ بحالة شغور منصب الرئيس وتحيل صلاحياته على رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح. وضع وصلت إليه الأمور بعد تدرُج تدخل الجيش في الأزمة، حتى تمكن من الإمساك بكل تفاصيل المشهد السياسي والأمني في الجزائر.

وقد أمسك قايد صالح بزمام المبادرة السياسية، بعد توقف الرئاسة عن استقبال، أو التفاعل مع رسائل الحراك الشعبي، التي تولى رئيس الأركان الرد عليها أخيراً، عبر بيانات وخطابات. وهو يدفع باتجاه حسم سريع للأزمة، لتلافي مزيد من الإرهاق، في ظل بروز مخاوف من انفلات الأوضاع الداخلية أو دخول قوى موالية للرئاسة على جبهة المواجهة. وإذا كان الجيش قد بدا حازماً في طيّ صفحة بوتفليقة وتطبيق المادة 102 من الدستور، فإنه منح مكسباً جديداً للحراك الشعبي عبر الاستجابة للمطالب التي رفعت في الجمعة السادسة، المتعلقة بتطبيق المادتين السابعة والثامنة من الدستور، وتنصّان على سيادة الشعب وحقه في السلطة التأسيسية. لكن الجيش رسم في المقابل حدوداً جديدة لمؤشرات صراع وصدام بات وشيكاً بين الجيش والرئاسة، التي تحتفظ في الوقت الحالي بدعم غير معلن من قبل جهاز الاستخبارات الذي يقوده الجنرال بشير طرطاق، والحرس الجمهوري الذي يقوده الجنرال علي بن علي المقرب من بوتفليقة.

ومساء السبت الماضي نشرت وزارة الدفاع الجزائرية بياناً، وصفه مراقبون للمشهد بالخطير. وصدر البيان عقب اجتماع عقده قايد صالح في مقر أركان الجيش، ضم كلاً من قادة القوات البرية وقائد المنطقة العسكرية الأولى التي تضم العاصمة الجزائرية، وعدداً من القيادات العسكرية، كشف فيه عن اجتماع عقدته السبت شخصيات وصفها البيان بالمعروفة، وتعهد بالكشف عن أسمائها في وقت لاحق، "من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش، وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور". وأشار إلى أن "كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمسّ بالجيش، الذي يعدّ خطاً أحمر، غير مقبولة بتاتاً وسيتصدى لها الجيش بكل الطرق القانونية". واعتبر هذا التطور لاحقاً لمناوشة طفيفة بين الجيش والرئاسة المدعومة من جهاز الاستخبارات (يتبع الرئاسة منذ سبتمبر/ أيلول 2015)، جرت الخميس الماضي، بعد إقدام جهاز الاستخبارات على اعتقال علي فضيل، مدير قناة "الشروق" المحلية الموالية لقائد الجيش، ما دفع الأخير للتدخل للإفراج عنه، ودفع النيابة العامة، للمرة الأولى في تاريخ القضاء، إلى فتح تحقيق في ذلك. ويتوقع مراقبون أن ينكشف هذا الصراع الحادّ قبل نهاية العهدة الرئاسية لبوتفليقة في 27 إبريل/ نيسان الحالي.



وفسر رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، بيان الجيش بأنه موجه إلى شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين، ومدير الاستخبارات الحالي بشير طرطاق، الذين عقدوا اجتماعاً السبت الماضي، في زرالدة في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، برفقة رئيسي حزبين وشخصيات أخرى، بهدف تعطيل مقترح الجيش بتطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنقل صلاحيات بوتفليقة إلى عبد القادر بن صالح وتنظيم انتخابات رئاسية، ومناقشة مسألة تشكيل هيئة رئاسية انتقالية تدير المرحلة المقبلة، رشح لها الرئيس السابق ليامين زروال.

واعتبر بلعباس أن "قايد صالح بدأ يغضب، وأجبره اجتماع عقد في زرالدة، حضره رئيس المخابرات السابق وشقيق الرجل المصمم على عدم الاستقالة، على عقد اجتماع طارئ مع مسؤولين عسكريين آخرين حاضرين في وسط البلاد". ولفت إلى أن عدم ذكر قائد الجيش للأشخاص الذين شاركوا في الاجتماع "يوحي بأن اللعبة لم تحسم لصالحه". ومع وجود جزء ظاهر من الحماسة السياسية والشعبية لموقف الجيش، باعتباره يدعم موقف الحراك الشعبي ومطالبه، فإن عدداً من المحللين المتابعين لموقع وتطورات موقف الجيش في ظل مجمل المشهد السياسي، يحتفظون بمخاوف من إمكانية تغول الجيش وقايد صالح في المرحلة المقبلة، سواء بسبب وجود طموحات سياسية أو بسبب رغبة قيادات في الجيش بحماية مصالحها، بالنظر إلى أن الجيش وقيادته كانوا جزءاً من الأزمة السياسية ومن منظومة حكم بوتفليقة، وظلوا يدينون له بالولاء حتى الثامن من مارس/ آذار الماضي، ولم يعترضوا، على الرغم من أنه كان يمكنهم ذلك، على مشروع ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل قبل إلغائها.

وفي السياق، يقول المحلل السياسي بوعلام غمراسة، المهتم بعلاقة الجيش بالشأن السياسي في الجزائر، إن "هناك مخاوف جدية من إمكانية تغوّل الجيش وقائد الأركان، وهذه المخاوف لها ما يبررها في التجربة وفي الواقع السياسي الراهن. إن رئيس أركان الجيش ألغى الشعب وتجاوز الحراك، وحدد بصفة منفردة خريطة الطريق التي اختارها هو"، مضيفاً "يجب النظر بكل موضوعية إلى قرار الفريق قايد صالح تفعيل المادة 102 من الدستور، على أنه سطو على صلاحيات هيئات سياسية يخولها لها الدستور، فذلك يعني أنه تغوَل على الدولة والشعب". ويلمح غمراسة إلى إمكانية أن تكون لدى قائد الأركان نفسه طموحات سياسية لأداء دور مركزي في المرحلة المقبلة، في ظل حالة الشلل التي تصيب مجمل المؤسسات الدستورية في البلاد. ويقول: "ما يدعم هذه المخاوف خطابات وتصرفات قايد صالح في السنوات الأخيرة. هو يمارس السياسة، وعندما يفعل عسكري ذلك فهو يبحث عن منصب سياسي".

وبقدر ما تبدي قوى المعارضة السياسية في الجزائر دعمها للتحول العميق في مواقف المؤسسة العسكرية، وابتعادها الكلّي عن كتلة بوتفليقة والمجموعة التي كانت تدفع باتجاه مغامرة العهدة الخامسة، تبدي تحفظاً ويقظة إزاء إمكانية أن توفر الظروف باباً يتيح للجيش الهيمنة على المسار السياسي في المرحلة المقبلة، وتحديد شكل وطبيعة الخيارات السياسية. وفي السياق، تجدد عدة قوى سياسية موافقتها لدور مرافق يؤديه الجيش في المرحلة المقبلة، لإخراج البلاد من الأزمة الراهنة، لكنها تتحفظ على أي دور سياسي مركزي للجيش. ويقول رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) عبد الرزاق مقري، في بيان السبت الماضي، "نحن مع مرافقة المؤسسة العسكرية كمؤسسة دستورية في إطار مهامّها الدستورية للوصول إلى الحل وتحقيق التوافق الوطني والانتقال الديمقراطي السلس دون تحكمها في السلطة السياسية. ونحن ضد تحكم المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي وتحكمها بالمعادلات الانتخابية. ونحن ضد عودة الدولة العميقة التي عاثت في الأرض فساداً لسنوات طويلة، وأسست للتزوير الانتخابي، وظلمت الشرفاء، وحاربت الأحزاب الجادّة والمناضلة، ودمرت المجتمع المدني، وأفسدت المؤسسات الإعلامية، وضد نهجها الذي لا يزال متبعاً بعد أفولها، وضد التآمر على المؤسسة العسكرية بأي شكل من الأشكال، من أي جهة كانت وضد الزجّ بها في المهاترات السياسية".

ويعتبر القيادي في حزب جيل جديد، إسماعيل سعيداني، في حديث مع "العربي الجديد" أن تسارع الأمور بشكل غير متوقع، وخصوصاً أن قائد الجيش كان قد شدد قبل بداية الحراك الشعبي أن الجيش لن يتدخل في الشأن السياسي ومنع حتى المتقاعدين من الجيش الإدلاء بأي تصريح سياسي، يوحي بتغير في قواعد اللعبة الراهنة، ويفرض أيضاً إعادة تقدير الموقف. ويوضح سعيداني أن "قائد الأركان الذي سمح بالعهدة الرابعة وكان مؤيداً للعهدة الخامسة، أصبح هو اللاعب الأساسي في المشهد السياسي في غياب كل المؤسسات الدستورية، بدءاً من رئيس الجمهورية ثم المؤسسة التشريعية ناهيك عن الحكومة، والمجلس الدستوري الغائب. اليوم الأمور أصبحت خطيرة للغاية، لأن ما يجري في الشارع يمكنه الخروج في أي لحظة عن مسلكه، وهذا يفرض على قايد صالح، إذا كانت فعلاً نيته إنقاذ البلد أن يتدخل مباشرة، باستدعاء كل الطاقات الحية من أحزاب ومجتمع فاعل وشخصيات من كل الأطياف ورجال القانون والشخصيات المستقلة إلى لقاء، ليتيح للسياسيين حل الأزمة وليس فرض خيارات محددة". ومثلما يملك الجيش وقائد الأركان كل المساحة السياسية لأداء أي دور، في ظل انسحاب كلّي للمؤسسات الدستورية وعجز الحراك عن الدفع باتجاه تشكيل حكومة يكون ممثلاً فيها بشكل قوي، فإن مخاوف الحراك الشعبي على اقتسام المكاسب المحققة مع الجيش، وفقاً للظروف الراهنة، تبدو مشروعة في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القليلة المقبلة.

المساهمون