السياحة والصادرات والتعليم العالي، هي ثلاثية تركيا التي ستواجه بها بعد عامين، مرور المئوية الأولى على تأسيس الدولة، لتنتقل إلى مصافّ العشرة الكبار في العالم، كما يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وينتظر الأتراك والجوار. لكنّ وباء كورونا نال من ثلاثية تركيا ــ الحلم. هذا الواقع دفع المجلس التنفيذي للتعليم العالي في تركيا، بهدف التغلب على آثار الوباء، إلى تقديم حزمة من التسهيلات تتعلق بتسجيل الطلاب الأجانب وحضورهم إلى تركيا لاستكمال تحصيلهم، بل تمديد الإقامات واستصدار موافقات دخول إلى تركيا، لم تكن متوافرة قبل كورونا.
اطّلعت "العربي الجديد" على قرارات مجلس التعليم العالي التي تتمحور حول توفير فرصة للتسجيل المسبق للطلاب الأجانب للعام الدراسي 2020 - 2021 من خلال تمديد التسجيل حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وإعطاء الطلاب فرصة لتعويض تعلّمهم في فصل الربيع، بالإضافة إلى توسيع مقاعد الدراسات العليا وتسهيل السفر إلى تركيا وتمديد الإقامات المنتهية للطلاب الأجانب.
في هذا الإطار، يقول مدير شركة "عالم إسطنبول" للقبول الجامعي جهاد العويد: "تنوعت قرارات التعليم العالي، بين تسهيلات الدخول إلى تركيا وتمديد فترة التسجيل وسرعة استصدار الموافقات وتمديد الإقامة. إذ خاطب مجلس التعليم العالي وزارة الخارجية لإنهاء طلبات تأشيرات الطلاب بسرعة، وطلب تمديد إقامة الطلاب الأجانب، وتمديد تسجيل الطلاب لثلاثة أشهر إضافية تمتد حتى 14 ديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري". ويشير العويد إلى أنّ من تسهيلات هذا العام، التسجيل المشروط (بالنجاح لاحقاً في الثانوي) لمن عرقل وباء كورونا حصوله على شهادة الثانوية، والتسجيل من دون دفعة أولى للجامعات، كذلك يحق للطلاب المسجلين وقف تسجيلهم الجامعي أو متابعة الدراسة والمحاضرات وإجراء الامتحانات عن بعد.
وحول أسباب التسهيلات، يقول مدير الشركة المتخصصة بالقبول الجامعي: "الأسباب متنوعة، منها استقطاب أعداد أكثر من الطلاب، وتسابق الجامعات على تقديم الفرص والمزايا منها منح، وتخفيضات تصل إلى 40 في المائة، وتذاكر سفر مجانية، وحسم 50 في المائة من بطاقة المواصلات، وتوفير إقامة خلال الدراسة"، مبيناً أنّ متوسط القسط السنوي لطلاب الإدارة والعلوم الإنسانية لا يتجاوز 3 آلاف دولار أميركي ومتوسط القسط السنوي لكلية الطب 10 آلاف دولار.
أما عن خصوصية الطلاب السوريين، فيقول العويد: "زاد عدد مقاعد المنح للسوريين، كذلك فإنّ الطالب السوري لا يدفع رسوماً في الجامعات الحكومية ويحصل على سكن مجاني وراتب شهري يبلغ نحو 900 ليرة تركية (131 دولاراً). وتركز تركيا على الطلاب العرب، إلى جانب سعيها إلى جذب الطلاب الأفارقة والأوروبيين، بعدما شهدت العلاقات الثقافية بين تركيا والعالم العربي، تطوراً ملحوظاً على غرار التسارع الحاصل في العلاقات السياسية والاقتصادية. وفي هذا الإطار تستحوذ تعليمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص الوصول إلى 250 ألف طالب أجنبي في الجامعات التركية، على أهمية بالغة لتعزيز العلاقات الثقافية بين تركيا والعالم العربي. ويقول رئيس وكالة "تعالوا إلى تركيا" زكي غوفرجين، إنّ مؤسسته تعمل بشكل دؤوب من أجل تحقيق هدف الرئيس أردوغان، ورفع مستوى التنوع الطلابي في الجامعات الحكومية التركية. ويلفت إلى أنّ الوكالة وقّعت بروتوكولاً مع 27 جامعة في عدد من الولايات التركية، أبرزها في إسطنبول وأنقرة وإزمير. ويشير غوفرجين الذي يتولى رئاسة لجنة العلاقات الدبلوماسية في جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك المستقلين أيضاً، إلى أنّ لدى الوكالة 18 فرعاً في عدد من البلدان حول العالم.
من جهته، يعتبر مدير شركة "أونجو أنقا" للقبول الجامعي، إياد الأسود، أنّ تطوير التعليم العالي، وجذب الطلاب الأجانب إلى تركيا "سياسة عليا واستراتيجية ثابتة"، لأنّ تركيا تسعى عبر السائحين والطلاب إلى زيادة دخلها القومي ونقل أحلامها بعيداً عبر سفراء متنقلين، بما في ذلك الثقافة والتجربة السياسية والاقتصادية. ويضيف الأسود لـ"العربي الجديد" أنّ تركيا تتوسع اليوم بالمنح لدول شرق آسيا وأفريقيا وأوروبا، فهي اليوم ثاني أكبر دولة أوروبية تستقطب طلاباً أجانب، بل تقدم منحاً وتسهيلات تضعها في المرتبة الأولى على هذا الصعيد.
ويوافق الأستاذ التركي محمد حقي سوتشين على أنّ تركيا تمكنت من تحقيق تقدم كبير في العديد من المجالات، على رأسها سهولة الوصول إلى التعليم العالي والنمو النوعي في المجال التعليمي خلال السنوات الأخيرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "وضعت تركيا هدف الاستثمار بالإنسان والتعليم العالي جنباً إلى جنب، بعد استراتيجية تحويل التعليم العالي لمواكبة المعايير العالمية. لكن في العام، وبسبب ظروف قاهرة دولية، تأثر عدد الطلاب الوافدين، فرأينا التعاون بين التعليم العالي وإدارة الهجرة ووزارة الخارجية، لتقديم تسهيلات".
206 جامعات
يقول الأستاذ في جامعة "غازي" بالعاصمة التركية أنقرة، محمد حقي سوتشين، إنّ نظام التعليم العالي في تركيا يتكون من 206 مؤسسات للتعليم العالي تضم نحو 160 ألف عضو هيئة تدريس، بالإضافة إلى نحو ثمانية ملايين طالب. وتحتل تركيا المركز الأول في مجال التعليم العالي في أوروبا، لجهة عدد الطلاب.