02 نوفمبر 2024
تركيا بعد إيران إلى النادي النووي
في وقت يتحدّث فيه مسؤولون إيرانيون، بينهم رئيس الجمهورية، حسن روحاني، عن الاستمرار بالبرامج النووية بلا حدود (بغير مقيّدات الاتفاق النووي مع الغرب)، وبينما تواصل الدولة العبرية التكتم على منشآتها ومشاريعها النووية، متمتعة بقبول واقعي من نادي الكبار النووي، في هذا الوقت، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمام منتدى اقتصادي في مدينة سيفاس (وسط)، الأربعاء 4 سبتمبر/أيلول، أن "بعض الدول تمتلك صواريخ نووية، ليس واحدا أو اثنين، ولكنهم (يقولون) إنني يجب ألا أمتلك صواريخ نووية.. أنا لا أقبل هذا". ولم يشر أردوغان الى الدول التي تعترض على إمكانية امتلاك بلاده صواريخ نووية. ولكن من المفهوم، في سياق أزمة الثقة بين تركيا والغرب، أن تلك الدول.. غربية. وقد قطعت تركيا شوطا غير هيّن في الابتعاد عن "ضوابط" انضوائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك بالتزود بصواريخ روسية، ثم إبداء الاستعداد لشراء مقاتلات روسية (توصف بأنها من الجيل الخامس أو شديدة القرب منه) بديلاً لطائرات إف 35 الأميركية التي تتمنّع واشنطن في تسليمها لأنقرة. وقد أشار أردوغان، في هذا المعرض، إلى أن "إسرائيل القريبة من حدودنا لديها صواريخ نووية، نعم، وهي تثير الخوف بها". وهذه إشارة تُزعج بعض الغرب، وبالذات أميركا، بقدر انزعاج الأخيرة من الخروج التركي على مقتضيات عضوية "الأطلسي"، وربما أكثر. بيد أن الرئيس التركي لم يشر إلى البرامج النووية لإيران، القريبة بدورها من الحدود التركية. وكانت أنقرة قد اعترضت على العقوبات الأميركية المرعية أوروبياً، ضد إيران، والمتعلقة بالبرامج النووية.
والحال أن من شأن تعثر الاتفاق الايراني مع الغرب، وارتفاع نبرة التحدّي في طهران، وتمسّك أوروبا بالوساطة بين الجانبين، إطلاق عدوى نووية هنا وهناك، خصوصا في ظل السيولة (الفوضى) التي يتمتع بها "النظام الدولي". وقبل ذلك، أثار التستر الغربي على المنشآت النووية الاسرائيلية، منذ أمد طويل، المخاوف من سباق نووي محتمل في الشرق الأوسط، وهذا هو سر الهوس الإسرائيلي بإيران النووية، حيث تتمسّك تل أبيب، مدعومة بواشنطن، بحق مزعوم في التفوق على دول المنطقة، ومن ضمن ذلك التفوق النووي الذي تترجمه تل أبيب انفراداً بامتلاك أسلحة دمار شامل. علما أن مخاطر إيران النووية تطاول دول الخليج بالدرجة الأولى، بسبب الجوار الجغرافي، والنزعة التدخلية الإيرانية بأكثر مما تهدّد إسرائيل.
تأتي المطامح التركية المعلنة في سياق استعدادات الدولة التركية للاحتفال بمئوية الدولة التركية الحديثة التي تصادف في العام 2023. وأردوغان يصرح، ولا يلمح فقط، إلى أن "الدول
المتقدّمة تمتلك صواريخ نووية"، فلمَ لا تتوفر عليها تركيا؟ وحيث يطمح رئيس أول نظام رئاسي في تركيا إلى تصنيف بلاده بين الدول العشر الأغنى والأقوى بعد أقل من أربع سنوات، علما أن الدول الغنية والقوية ليست مدينة (ذات ديون عليها) باستثناء الولايات المتحدة، وتركيا بهذا تسير على النهج الأميركي الداخلي، وتوفر لروسيا سيولةً ضخمةً بالعملات الصعبة لقاء شراء معدّات عسكرية، يُفترض أنها متطورة، وإن كانت لم تجرّب بعد.
ومن الجلي أن التعاون في المجال النووي سيكون، في المقام الأول، مع روسيا. وفي مطلع إبريل/نيسان 2018، افتتح أردوغان، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشروع محطة "أكويو" للطاقة النووية في ولاية مرسين (جنوب)، وبكلفة عشرين مليار دولار، وتتولاها مجموعة روساتوم الروسية. ويبدأ المفاعل الأول (ضمن أربعة مفاعلات) عمله في العام 2023. ويرمي المشروع إلى تقليل واردات الطاقة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، وهو مشروع للأغراض السلمية، وبناء القدرات النووية يبدأ دائما من مشاريع ذات أغراض سلمية. ولا يتطرق خطاب أردوغان أخيرا إلى الكهرباء، بل إلى الصواريخ. هكذا فعلت طهران، في البداية، ببرامجها "السلمية". أما إسرائيل، فاختصرت الطريق، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، ببناء مفاعل ديمونا (لا يُنتج أقمشة، حسب تعبير شيمون بيريز صاحب الفكرة).
ومن المتوقع أن يشهد العقد المقبل تسابقاً بين دول في المنطقة على امتلاك منشآت نووية تحت مسميات مختلفة. وليس سراً أن السعودية التي تستشعر الخطر الإيراني تتعاون، في هذا المجال (استكشاف الافاق النووية) مع الولايات المتحدة، ومنذ الأشهر الأولى لولاية ترامب. وهناك دول أخرى تسير على هذا الطريق، بينها الجزائر ومصر. وتحاجج أطراف غربية بأن تركيا سبق أن وقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولهذا عليها الامتناع عن انتهاج هذا الدرب. أما إسرائيل فلم تفعل، ولم تستجب لقرار مجلس الأمن 487 لعام 1981 بضرورة إخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي. ولهذا وذاك، يتعين أن "تُكافأ" بالتستر عليها والتعاون الخفي معها. ولم توقّع الرياض على تلك المعاهدة. والحصيلة واحدة: التوقيع على المعاهدة أو الاستنكاف عنه لا يقدّم ولا يؤخّر في مجال التسابق النووي.
وقد أصدر مجلس الأمن القرار687 بموجب الفصل السابع لعام 1991، يشدّد على ضرورة
إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط (الفقرة 14 من القرار)، وهو قرار لا تعبأ به تل أبيب وطهران، ولن تتوقف عنده أنقرة، فقرارات مجلس الأمن ملزمة للدول الضعيفة والصغيرة. وبينما تمنع بروتوكولات بين أعضاء النادي النووي للكبار، من تقديم أي عون أو دعم في مجال الطاقة النووية لدول أخرى غير الدول الخمس (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن)، إلا أن هذه الاتفاقيات يجري خرقها، وقد فعلت ذلك فرنسا في أواسط الخمسينات ببناء مفاعل نووي إسرائيلي. وبينما فعلت فرنسا شيئا قريبا من ذلك ببناء مفاعل تموز العراقي أواخر السبعينات، إلا أن باريس صمتت عن قصف مقاتلات إسرائيلية ذلك المفاعل "الفرنسي" في العام 1981.
وها هي دول كبرى "تتنافس" على دفع دول المنطقة إلى سباق تسلح نووي، مقابل أموال طائلة تجنيها تلك الدول الكبرى. وتحت طائلة توازن الرعب المنتظر، أو التخويف من شبح خطر نووي حاضراً ومستقبلاً، فإن أسلحة الدمار التقليدية تنشط بمهماتها في بُلدانٍ مثل سورية وليبيا واليمن. ويُراد نشر الاعتقاد بأن خطر هذه الأسلحة يظل أقل بما لا يُقاس من خطر الأسلحة النووية، وبالتالي ينبغي السكوت عما تفعله، على الرغم من أنها تحمل الموت الجماعي كل يوم إلى ما لا يُحصى من بشر أبرياء.
تأتي المطامح التركية المعلنة في سياق استعدادات الدولة التركية للاحتفال بمئوية الدولة التركية الحديثة التي تصادف في العام 2023. وأردوغان يصرح، ولا يلمح فقط، إلى أن "الدول
ومن الجلي أن التعاون في المجال النووي سيكون، في المقام الأول، مع روسيا. وفي مطلع إبريل/نيسان 2018، افتتح أردوغان، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشروع محطة "أكويو" للطاقة النووية في ولاية مرسين (جنوب)، وبكلفة عشرين مليار دولار، وتتولاها مجموعة روساتوم الروسية. ويبدأ المفاعل الأول (ضمن أربعة مفاعلات) عمله في العام 2023. ويرمي المشروع إلى تقليل واردات الطاقة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، وهو مشروع للأغراض السلمية، وبناء القدرات النووية يبدأ دائما من مشاريع ذات أغراض سلمية. ولا يتطرق خطاب أردوغان أخيرا إلى الكهرباء، بل إلى الصواريخ. هكذا فعلت طهران، في البداية، ببرامجها "السلمية". أما إسرائيل، فاختصرت الطريق، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، ببناء مفاعل ديمونا (لا يُنتج أقمشة، حسب تعبير شيمون بيريز صاحب الفكرة).
ومن المتوقع أن يشهد العقد المقبل تسابقاً بين دول في المنطقة على امتلاك منشآت نووية تحت مسميات مختلفة. وليس سراً أن السعودية التي تستشعر الخطر الإيراني تتعاون، في هذا المجال (استكشاف الافاق النووية) مع الولايات المتحدة، ومنذ الأشهر الأولى لولاية ترامب. وهناك دول أخرى تسير على هذا الطريق، بينها الجزائر ومصر. وتحاجج أطراف غربية بأن تركيا سبق أن وقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولهذا عليها الامتناع عن انتهاج هذا الدرب. أما إسرائيل فلم تفعل، ولم تستجب لقرار مجلس الأمن 487 لعام 1981 بضرورة إخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي. ولهذا وذاك، يتعين أن "تُكافأ" بالتستر عليها والتعاون الخفي معها. ولم توقّع الرياض على تلك المعاهدة. والحصيلة واحدة: التوقيع على المعاهدة أو الاستنكاف عنه لا يقدّم ولا يؤخّر في مجال التسابق النووي.
وقد أصدر مجلس الأمن القرار687 بموجب الفصل السابع لعام 1991، يشدّد على ضرورة
وها هي دول كبرى "تتنافس" على دفع دول المنطقة إلى سباق تسلح نووي، مقابل أموال طائلة تجنيها تلك الدول الكبرى. وتحت طائلة توازن الرعب المنتظر، أو التخويف من شبح خطر نووي حاضراً ومستقبلاً، فإن أسلحة الدمار التقليدية تنشط بمهماتها في بُلدانٍ مثل سورية وليبيا واليمن. ويُراد نشر الاعتقاد بأن خطر هذه الأسلحة يظل أقل بما لا يُقاس من خطر الأسلحة النووية، وبالتالي ينبغي السكوت عما تفعله، على الرغم من أنها تحمل الموت الجماعي كل يوم إلى ما لا يُحصى من بشر أبرياء.