تركيا: "العدالة والتنمية" يبحث إعادة النظر ببعض التعديلات الدستورية

29 ديسمبر 2016
ترأس يلدريم اجتماعاً للجنة المركزية لـ"العدالة" (محمد علي أوزكان/الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من التوافقات التي نجحت في صياغتها كل من قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وحزب الحركة القومية اليميني القومي المتطرف، في ما يخصّ التعديلات الدستورية الجديدة الرامية للتحوّل إلى النظام الرئاسي، إلا أن الضغوط من داخل "العدالة والتنمية" دفعت قيادة الحزب إلى طلب إعادة النظر في بعض هذه التعديلات مع "الحركة القومية" مرة أخرى. وفي هذا الإطار التقى رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، وزعيم "الحركة القومية"، دولت بهجلي، الإثنين الماضي، للتعاون في إعادة النظر في بعض هذه التعديلات، خصوصاً أن تمرير التعديلات الدستورية نحو الاستفتاء الشعبي في البرلمان التركي، يحتاج إلى موافقة 330 نائباً. وبما أن حزب العدالة والتنمية يمتلك 316 نائباً في البرلمان، فإنه لن يستطيع التصويت على التعديلات من دون "الحركة القومية" الذي لديه 44 نائباً.

وعلى الرغم من أن نواب وقيادات "العدالة والتنمية" لم يتحدّثوا عن الاعتراضات على التعديلات الدستورية، لعدم إثارة البلبلة، إلا أن النقاشات استمرّت أخيراً خلف الأبواب المغلقة وفي أروقة صنع القرار في الحزب والحكومة. وعلم "العربي الجديد" أن اللجنة المركزية لحزب الحاكم اجتمعت، برئاسة يلدريم، أمس الأربعاء، لحلّ الخلاف في وجهات النظر في ما يخصّ اعتراض بعض القيادات على بعض مواد التعديلات الدستورية. ولخّصت مصادر من حزب التنمية والعدالة، لـ"العربي الجديد"، الخلافات بشأن عدد من البنود، على رأسها رفض عدد كبير من البرلمانيين فكرة إنشاء ما أطلق عليه "النواب الاحتياط"، إذ تتيح التعديلات، والتي تتم مناقشتها، لكل حزب اختيار نواب من قائمته الانتخابية في حال شغور أي مقعد، إن كان بسبب الوفاة أو الاستقالة أو رفع الحصانة. وأثار هذا الأمر مخاوف لدى النواب من إحداثه اضطراباً سياسياً داخل الأحزاب، أو تعرّض بعضهم لمحاولات اغتيال لوضع آخرين مكانهم. كذلك رفض نواب الولايات، والتي لا توجد فيها كثافة سكانية، رفع عدد مقاعد البرلمان من 550 إلى 600 مقعد، الأمر الذي يبدو أن اللجنة البرلمانية، والتي تعمل على مناقشة التعديلات قبل طرحها على الجمعية العامة للبرلمان للتصويت عليها، استجابت له، إذ تم سحب المقترحين. وبينما رفع بعض نواب "العدالة والتنمية" أصواتهم اعتراضاً على اقتراح خفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18 سنة، فإنه تم إقرار الاقتراح خلال المناقشات في اللجنة البرلمانية، أول من أمس.

كذلك اعترضت بعض قيادات حزب العدالة والتنمية على فكرة استعادة الرئيس لعضويته في حزبه، الأمر الذي يصرّ عليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وبررت القيادات اعتراضها بأنها تتخوّف من تحوّل الجمهورية التركية إلى جمهورية الحزب الواحد، ما قد يؤدّي إلى سيطرة السلطة التنفيذية على التشريعية، بالإضافة إلى المخاوف التي يشكّلها هذا الأمر في حال كان الرئيس ينتمي إلى حزب لا يتمتّع بغالبية برلمانية، وبالتالي تحوّله إلى قائد للمعارضة. كذلك اعترضت قيادات "العدالة والتنمية" على التعديلات الدستورية التي تنظّم اختيار أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين، والتي ستمنح الرئيس سلطة واسعة في اختيار الأعضاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزير العدل. وسيختار الرئيس ثلاثة من أعضاء المجلس، ووزير العدل ثلاثة، على أن يختار البرلمان الباقين. وبما أنه من المرجّح أن يكون الرئيس يتمتّع بغالبية برلمانية، فإنه سيكون له تأثير كبير في اختيار البرلمان لباقي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. وجرى التوصّل إلى حل وسط، تم بموجبه رفع عدد أعضاء المجلس من 12، يتم تعيينهم بشكل مباشر وغير مباشر من قبل رئاسة الجمهورية، إلى 15 عضواً، سيتولى البرلمان اختيار 9 منهم.

ورفضت بعض القيادات في "العدالة والتنمية" التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس صلاحية حلّ البرلمان، على الرغم من أنه في حال حلّ البرلمان سيتم، بحسب التعديلات، إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. ويتخوّف بعضهم من استغلال الرئيس، أياً كان، هذه الصلاحيات لاقتناص الفرصة والتوجّه إلى انتخابات مبكرة، في حال رأى أن الوضع مناسب للحصول على غالبية برلمانية، ما قد يجعل السلطة التشريعية عرضة لابتزاز السلطة التنفيذية. وظهر هذا الأمر بشكل واضح، في مقال المسؤول البارز في الحزب الحاكم، عمر دينجر، في صحيفة "خبر تورك"، الموالية للحكومة، بعنوان "أين فصل السلطات في مسودة التعديلات الدستورية؟". يشار إلى أن دينجر كان سكرتيراً لرئيس الحكومة في حقبة تسلّم أردوغان المنصب، كما شغل منصب وزير التعليم.

وبضغط من بعض قيادات "العدالة والتنمية"، تم إلغاء شرط أن يكون الرئيس مواطناً تركياً بالولادة، بحجة أنه يحمل تمييزاً عنصرياً، خصوصاً أن بعض قيادات الحزب لم يكونوا مواطنين أتراكاً بالولادة، ومنهم وزير العمل الحالي، محمد مؤذن أوغلو، والذي شغل منصب وزير الصحة لسنوات. وينتمي مؤذن أوغلو إلى الأقلية التركية في اليونان، وحصل على الجنسية التركية في سن الثالثة والثلاثين، بعد أن دخل الأراضي التركية من اليونان بشكل غير شرعي، وبقي من دون جنسية بين العامين 1983 و1986. من الناحية السياسية، بدا عدد من نواب الحزب، خصوصاً الأكراد، غير متحمسين للتعاون مع حزب الحركة القومية، وذلك لمخاوف تتعلق بإمكانية استغلال الأمر لإعادة قانون الإعدام، على الرغم من أن هذا الأمر ليس على الأجندة السياسية في المرحلة الحالية، لتبعاته الكبيرة، خصوصاً العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، والذي حذّر من أن مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد ستتوقّف بشكل كامل في حال إقرار قانون الإعدام.

المساهمون