السبل مسدودة أمام الفلسطينيين في لبنان. تُمنع عنهم حقوق كثيرة فلا يجدون أمامهم غير الفقر والجوع. لكنّ بعضهم قرر المخاطرة بنفسه والمضيّ في رحلة الحلم الأوروبي. لكنّ ذلك الحلم تبخر، إذ اختفى الحالمون في البحر
فرص اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في العمل تكاد تكون معدومة، وحتى من يحصلون على شهادات جامعية بالكاد يعملون، وفي غير اختصاصاتهم غالباً. هو وضع يدفعهم إلى محاولة الهرب من لبنان. لكنّ مثل هذه المحاولة دونها مخاطر الغرق في البحر والاختفاء، إذ لا طريق غير مراكب الموت، وهو ما كان مصير بعضهم.
علاء إبراهيم حمودي (28 عاماً) فلسطيني من قرية الرأس الأحمر قضاء مدينة صفد ويسكن في مخيم عين الحلوة في صيدا، جنوب لبنان، غادر المخيم متوجهاً إلى أوروبا عن طريق ليبيا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 وبقي فيها حتى يوم 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، إذ كان له اتصال مع شقيقه قبل صعوده إلى المركب، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره ولم يعرف مصيره.
في منزل العائلة في أحد أزقة مخيم عين الحلوة يخيّم الحزن على وجوه أفراد العائلة. وحده شقيقه محمد يتمكن من رواية القصة لـ"العربي الجديد": "تخرّج أخي علاء في اختصاص إدارة الأعمال من إحدى الجامعات في لبنان، وبقي خمس سنوات من دون عمل. كان خلال تلك الفترة يعمل أحياناً بشكل متقطع في جمعيات للخدمات الاجتماعية بمقابل زهيد وأحياناً كمتطوع، وعندما تنتهي مدة البرنامج يستغنون عن خدماته، واضطر أحياناً أن يعمل في البناء أو البلاط كي يستطيع أن يعيش ويوفر مصروفه، إلى أن يئس من هذه الحالة التي تمنع الفلسطيني من العمل في مجال اختصاصه، وصارت تراوده فكرة الهجرة إلى أوروبا، هرباً من الإحباط وليؤمّن حياة كريمة هناك، خصوصاً أنّ له أصدقاء هاجروا بالطريقة نفسها ووصلوا إلى ألمانيا. استطاع خلال فترة خمس سنوات أن يجمع مبلغاً بسيطاً يستطيع من خلاله السفر إلى أوروبا".
اقــرأ أيضاً
يوضح: "لم يكن المبلغ الذي استطاع توفيره كافياً لطريق آمن، لأنّ الكلفة هي 11 ألف دولار أميركي، بينما الطريق المحفوف بالمخاطر كلفته 4500 دولار. وعلى الرغم من ذلك فقد صمم علاء على الهجرة وانتقل إلى ليبيا عن طريق مصر وهناك يؤمّن له أحد سماسرة الهجرة طريقاً بواسطة القارب إلى إيطاليا، إذ يعلّم السمسار أحد المهاجرين قيادة القارب ويزوّده ببوصلة وخريطة، وهو ما يستغرق نحو عشرة أيام. لكنّ السمسار تأخر عليهم في تأمين الطريق بحجة سرقة مركبه وبقي أخي ومن معه قرابة شهرين في ليبيا، حتى إنه لم يعد معه ما يكفيه من المال للطعام. عندها بدأوا في البحث عن سمسار آخر وجرى تأمين مركب لهم للسفر نحو شواطئ إيطاليا".
يضيف: "يوم الثلاثاء، 16 يناير الماضي، عند الساعة العاشرة والنصف ليلاً، اتصل أخي علاء وأخبرني أنّه متجه نحو المركب للمغادرة وعندما يصل إلى بر الأمان سوف يتصل بي لأطمئن عليه، لكنّها كانت المكالمة الأخيرة بيننا ومن بعدها لم أعد أستطيع التواصل معه حتى هذه اللحظة، علماً أنّ أخي أرسل إلي رقم السمسار قبل المغادرة كي أطمئن عليه، وعندما اتصلت به أخبرني أنّهم في حاجة إلى مزيد من الوقت لتصل باخرة إيطالية وتنقذهم، وفي اليوم الثاني اتصلت به كان الجواب نفسه ومن بعدها لم يعد يجيب على الاتصالات، وبقي مصير أخي مجهولاً، إذ لا أخبار عن غرق مركب في تلك الفترة، ولم يصل إلى أوروبا، علماً أنّه كان يحمل 30 شخصاً من جنسيات مختلفة اختفوا جميعاً".
يقول محمد حمودي: "وردت معلومات أنّ أخي في سجن داخل ليبيا لكننا لم نستطع التأكد، وتواصلنا من خلال أقارب في ليبيا كي يبحثوا في السجون، لكن لا أخبار عنه، ولم نستطع التأكد إن كان حياً أو ميتاً".
قصة علاء ليست القصة الوحيدة في المخيم وقد لا تكون الأخيرة... هنا في حي طيطبا عائلة سعدة التي فقدت ابنها وزوجته وطفله منذ أكثر من أربعة أشهر من دون أن يعلموا عنهم شيئاً.
محمد غسان سعدة (35 عاماً) من قرية الصفصاف الفلسطينية ويقيم في مخيم عين الحلوة، أجبره اليأس على الهجرة غير الشرعية برفقة زوجته وطفله البالغ من العمر سنة ونصف الستة، اختار الطريق الأقل كلفة للهجرة إلى أوروبا لكنّه لم يصل ولم يعد ولا أحد يعلم عنه شيئاً.
شقيقه أشرف الذي ينتظر أي خبر يطمئنه، يشرح ظروف سفر محمد وعائلته: "كانت حالة أخي المادية غير مستقرة، ولديه إعاقة بسيطة في قدمه، ما يمنعه من العمل المتعب. كان يعمل سائق سيارة أجرة لكنّه لم يكن يملك المال لشراء لوحة تسجيل عمومية فكان يستخدم لوحة السيارة السياحية الخاصة فتحجز سيارته كلّ مرة، ليستدين من أجل دفع قيمة المخالفة. بعد تكرر هذه الحالة، يئس وقرر الهجرة. باع أثاث بيته واستدان من أقاربه مبلغاً استطاع من خلاله التوجه إلى ليبيا للمغادرة إلى أوروبا، بحثاً عن حياة لائقة وكريمة له ولزوجته وطفله.
يضيف: "تأخر في ليبيا ولم يعد يملك المال الكافي، أما عائلته هنا فلا تستطيع إرسال المال بسبب أوضاعها الصعبة، إلى أن أبلغنا أنّه متجه إلى المركب مع عدد من المهاجرين. ومنذ أربعة أشهر اختفى وانقطعت أخباره ولم نعد نعلم عنه شيئاً وما زلنا ننتظر أيّ خبر عنه. وعندما تواصلنا مع أحد الأشخاص في ليبيا أكد لنا أنّه شاهده يصعد إلى متن المركب وساعده في حمل طفله وكانت برفقته زوجته".
اقــرأ أيضاً
الهروب من الإحباط واليأس في لبنان بدأ منذ عام 2003 عندما غادر منذر أحمد داود وابن خاله وسيم عبد الله فرغاوي مخيم نهر البارد (شمال لبنان) عن طريق البحر متجهين إلى أوروبا، ومنذ ذلك الوقت اختفيا ولم تعرف أخبارهما ولم يعثر على جثتيهما ولا تبين غرق المركب. ما زالت والدة منذر تنتظر خبراً عن ابنها، أما والدة وسيم فقد توفيت حزناً عليه.
فرص اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في العمل تكاد تكون معدومة، وحتى من يحصلون على شهادات جامعية بالكاد يعملون، وفي غير اختصاصاتهم غالباً. هو وضع يدفعهم إلى محاولة الهرب من لبنان. لكنّ مثل هذه المحاولة دونها مخاطر الغرق في البحر والاختفاء، إذ لا طريق غير مراكب الموت، وهو ما كان مصير بعضهم.
علاء إبراهيم حمودي (28 عاماً) فلسطيني من قرية الرأس الأحمر قضاء مدينة صفد ويسكن في مخيم عين الحلوة في صيدا، جنوب لبنان، غادر المخيم متوجهاً إلى أوروبا عن طريق ليبيا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 وبقي فيها حتى يوم 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، إذ كان له اتصال مع شقيقه قبل صعوده إلى المركب، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره ولم يعرف مصيره.
علاء حمودي (العربي الجديد) |
في منزل العائلة في أحد أزقة مخيم عين الحلوة يخيّم الحزن على وجوه أفراد العائلة. وحده شقيقه محمد يتمكن من رواية القصة لـ"العربي الجديد": "تخرّج أخي علاء في اختصاص إدارة الأعمال من إحدى الجامعات في لبنان، وبقي خمس سنوات من دون عمل. كان خلال تلك الفترة يعمل أحياناً بشكل متقطع في جمعيات للخدمات الاجتماعية بمقابل زهيد وأحياناً كمتطوع، وعندما تنتهي مدة البرنامج يستغنون عن خدماته، واضطر أحياناً أن يعمل في البناء أو البلاط كي يستطيع أن يعيش ويوفر مصروفه، إلى أن يئس من هذه الحالة التي تمنع الفلسطيني من العمل في مجال اختصاصه، وصارت تراوده فكرة الهجرة إلى أوروبا، هرباً من الإحباط وليؤمّن حياة كريمة هناك، خصوصاً أنّ له أصدقاء هاجروا بالطريقة نفسها ووصلوا إلى ألمانيا. استطاع خلال فترة خمس سنوات أن يجمع مبلغاً بسيطاً يستطيع من خلاله السفر إلى أوروبا".
يوضح: "لم يكن المبلغ الذي استطاع توفيره كافياً لطريق آمن، لأنّ الكلفة هي 11 ألف دولار أميركي، بينما الطريق المحفوف بالمخاطر كلفته 4500 دولار. وعلى الرغم من ذلك فقد صمم علاء على الهجرة وانتقل إلى ليبيا عن طريق مصر وهناك يؤمّن له أحد سماسرة الهجرة طريقاً بواسطة القارب إلى إيطاليا، إذ يعلّم السمسار أحد المهاجرين قيادة القارب ويزوّده ببوصلة وخريطة، وهو ما يستغرق نحو عشرة أيام. لكنّ السمسار تأخر عليهم في تأمين الطريق بحجة سرقة مركبه وبقي أخي ومن معه قرابة شهرين في ليبيا، حتى إنه لم يعد معه ما يكفيه من المال للطعام. عندها بدأوا في البحث عن سمسار آخر وجرى تأمين مركب لهم للسفر نحو شواطئ إيطاليا".
يضيف: "يوم الثلاثاء، 16 يناير الماضي، عند الساعة العاشرة والنصف ليلاً، اتصل أخي علاء وأخبرني أنّه متجه نحو المركب للمغادرة وعندما يصل إلى بر الأمان سوف يتصل بي لأطمئن عليه، لكنّها كانت المكالمة الأخيرة بيننا ومن بعدها لم أعد أستطيع التواصل معه حتى هذه اللحظة، علماً أنّ أخي أرسل إلي رقم السمسار قبل المغادرة كي أطمئن عليه، وعندما اتصلت به أخبرني أنّهم في حاجة إلى مزيد من الوقت لتصل باخرة إيطالية وتنقذهم، وفي اليوم الثاني اتصلت به كان الجواب نفسه ومن بعدها لم يعد يجيب على الاتصالات، وبقي مصير أخي مجهولاً، إذ لا أخبار عن غرق مركب في تلك الفترة، ولم يصل إلى أوروبا، علماً أنّه كان يحمل 30 شخصاً من جنسيات مختلفة اختفوا جميعاً".
يقول محمد حمودي: "وردت معلومات أنّ أخي في سجن داخل ليبيا لكننا لم نستطع التأكد، وتواصلنا من خلال أقارب في ليبيا كي يبحثوا في السجون، لكن لا أخبار عنه، ولم نستطع التأكد إن كان حياً أو ميتاً".
قصة علاء ليست القصة الوحيدة في المخيم وقد لا تكون الأخيرة... هنا في حي طيطبا عائلة سعدة التي فقدت ابنها وزوجته وطفله منذ أكثر من أربعة أشهر من دون أن يعلموا عنهم شيئاً.
محمد غسان سعدة (35 عاماً) من قرية الصفصاف الفلسطينية ويقيم في مخيم عين الحلوة، أجبره اليأس على الهجرة غير الشرعية برفقة زوجته وطفله البالغ من العمر سنة ونصف الستة، اختار الطريق الأقل كلفة للهجرة إلى أوروبا لكنّه لم يصل ولم يعد ولا أحد يعلم عنه شيئاً.
شقيقه أشرف الذي ينتظر أي خبر يطمئنه، يشرح ظروف سفر محمد وعائلته: "كانت حالة أخي المادية غير مستقرة، ولديه إعاقة بسيطة في قدمه، ما يمنعه من العمل المتعب. كان يعمل سائق سيارة أجرة لكنّه لم يكن يملك المال لشراء لوحة تسجيل عمومية فكان يستخدم لوحة السيارة السياحية الخاصة فتحجز سيارته كلّ مرة، ليستدين من أجل دفع قيمة المخالفة. بعد تكرر هذه الحالة، يئس وقرر الهجرة. باع أثاث بيته واستدان من أقاربه مبلغاً استطاع من خلاله التوجه إلى ليبيا للمغادرة إلى أوروبا، بحثاً عن حياة لائقة وكريمة له ولزوجته وطفله.
يضيف: "تأخر في ليبيا ولم يعد يملك المال الكافي، أما عائلته هنا فلا تستطيع إرسال المال بسبب أوضاعها الصعبة، إلى أن أبلغنا أنّه متجه إلى المركب مع عدد من المهاجرين. ومنذ أربعة أشهر اختفى وانقطعت أخباره ولم نعد نعلم عنه شيئاً وما زلنا ننتظر أيّ خبر عنه. وعندما تواصلنا مع أحد الأشخاص في ليبيا أكد لنا أنّه شاهده يصعد إلى متن المركب وساعده في حمل طفله وكانت برفقته زوجته".
الهروب من الإحباط واليأس في لبنان بدأ منذ عام 2003 عندما غادر منذر أحمد داود وابن خاله وسيم عبد الله فرغاوي مخيم نهر البارد (شمال لبنان) عن طريق البحر متجهين إلى أوروبا، ومنذ ذلك الوقت اختفيا ولم تعرف أخبارهما ولم يعثر على جثتيهما ولا تبين غرق المركب. ما زالت والدة منذر تنتظر خبراً عن ابنها، أما والدة وسيم فقد توفيت حزناً عليه.