ترامب يشعل المقاطعة ضد بلاده

18 ديسمبر 2017
سيناريو مقاطعة إسرائيل قد يتكرر مع أميركا (العربي الجديد)
+ الخط -


يبدو أن قرار اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل يوم الأربعاء 6 كانون الأول/ديسمبر ونقل سفارة بلاده إليها سوف يشعل شرارة حملة مقاطعة شعبية جديدة ضد السلع والبضائع الأميركية في الدول العربية والإسلامية.

وفي ظل الرفض العالمي، الشعبي والرسمي، لقرار ترامب والتعاطف مع القضية الفلسطينية، فقد يعيد هذا القرار شبح الخسائر المالية القاسية التي تكبدتها شركات أميركية كبيرة وأدت إلى تخارج بعضها من السوق العربية نتيجة حملات مقاطعة شعبية لمنتجاتها بعد قرار أميركا باحتلال العراق وعدوان إسرائيل على غزة المتكرر في الماضي.

السوق الإسلامية

السوق العربية والإسلامية هي ثالث أكبر سوق استهلاكي، بعد الولايات المتحدة والصين، وقوامها 1.7 مليار نسمة، ويقترب عددهم من ربع سكان العالم. هذه الدول وإن لم تكن دولًا منتجة لسوء حظها، إلا أنهم يستوردون معظم غذائهم وحاجاتهم من خارج بلادهم، ويستوردون من الولايات المتحدة سلعًا بلغت قيمتها في العام الماضي وحده 105 مليارات دولار، ما يجعل مقاطعتها تهديدًا حقيقيا لمصالحها في بلادهم.

مقاطعة المنتجات الأميركية يمكن أن تنشط أيضًا في أسواق دول شرق آسيا المسلمة، وقد خرجت مظاهرات حاشدة في ماليزيا وإندونيسيا وباكستان ترفض قرار ترامب، وحاصر المحتجون في ماليزيا السفارة الأميركية في كوالالمبور.

ماليزيا دولة مسلمة، والولايات المتحدة هى ثالث أكبر شريك تجاري في العالم لها، فيما أصبحت ماليزيا الشريك التجاري رقم 18 الأكبر لأميركا في عام 2016، ويبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 33 مليار دولار في ذلك العام، ونشاط المقاطعة فيها سيكون ضربة مؤلمة للمصالح الأميركية في هذه المنطقة.

وفي مؤشر لخوف الشركات الأميركية العاملة في ماليزيا من شبح المقاطعة ومن تكرار خسائرهم في الماضي، تبرأت شركة ماكدونالدز ماليزيا في بيان لها على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك السبت الماضي بعد تظاهرات يوم الجمعة، من دعم قرار ترامب، وقالت إن السلسلة لا تؤيد قراره وأنها ليست طرفا في أي صراع سياسي أو ديني، ما يُعد مؤشرًا على اتساع المشاركة ونجاح مبكر للمقاطعة المرتقبة.

تركيا ذات الثمانين مليون نسمة، خرجت فيها 39 تظاهرة في يوم واحد منددة بقرار ترامب، ووصل حجم التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة 17.5 مليار دولار في عام 2016، وهى سوق استهلاكي ومصنع إنتاجي كبيران، والمقاطعة ستكون إضرارًا بالمصالح الأميركية وفرصة أيضًا لزيادة التبادل التجاري مع الدول الإسلامية وبديلًا إسلاميًا على حساب واردات الأخيرة من الولايات المتحدة، ما يعد نجاحا مزدوجًا للمقاطعة.

مقاطعة عالمية

ولما للقدس من قيمة دينية ومكانة رمزية في نفوس المسلمين والمسيحيين في الشرق والغرب، تتعاطف قطاعات شعبية في دول أوروبا وأميركا اللاتينية التي ترفض سياسات ترامب تجاه المهاجرين اللاتين.

وقد رفضت حكومات فنزويلا والأرجنتين وكوبا قرار ترامب بعبارات أقوى من عبارات رفض حكام عرب، وخرجت مظاهرات شعبية في المكسيك وغيرها تضامنًا مع الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه الدول ولهم حضور اقتصادي واجتماعي مؤثر فيها.

قبل عام قررت المفوضية الأوروبية إلزام الشركات الاسرائيلية بوضع علامات بارزة على منتجات المستوطنات الإسرائيلية وكتابة عبارة "تم إنتاجها في الضفة الغربية- مستوطنة إسرائيلية" على جميع البضائع من الخضروات والفواكه، والخمور، والعسل، والزيوت، والبيض، وغيرها.

وباعتراف ديفد ألحياني رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية في غور الأردن وهي المنطقة الاستيطانية الأكثر تصديرا للمنتجات الزراعية إلى أوروبا، فقد قال إن أوروبا تستورد 80% من منتجات إسرائيل الزراعية، وأن هذه النسبة تراجعت بسبب القرار الأوروبي بمعدل 20%، ما أدى لإغلاق كثير من المصانع في هذه المستوطنات، وأغضب نتنياهو، رئيس الوزراء، الذي اتهم المفوضية بالنازية بسبب خطورة القرار.

فرص نجاح المقاطعة

صدور فتاوى دينية سابقة تحض المسلمين على استخدام المقاطعة طريقا للمقاومة السلمية للولايات المتحدة أثناء غزوها العراق، وفتاوى أخرى حرمت شراء المنتجات الأميركية والإسرائيلية في الحرب المتكررة على غزة، سوف تزيد من فاعلية المقاطعة وتأثيرها على الشركات الأميركية أكثر من الحملات السابقة.

كما أن تراكم الخبرات في إدارة حملات المقاطعة لدى القوى الشعبية والحركات الجماهيرية والنقابات المحركة لحملات المقاطعة الماضية استطاعات أن تلحق الخسائر بالشركات الأميركية والإسرائيلية من خلال تركيز الجهود واستهداف عدد محدود من الشركات ذات النشاط التجاري الكبير مثل ماكدونالدز، كوكا كولا، بيبسي، هاينز، بيتزاهت، مسحوق إيريال، حفاضات الأطفال بامبرز، سجائر مارلبورو، ومنتجات التجميل جونسون آند جونسون، سيعزز فرص إلحاق الخسائر بمصالح الشركات الداعمة لإدارة ترامب بطريقة مشابهة، حتى يتراجع عن قراره أو يجمده.

منصات التواصل الاجتماعي وزيادة أعداد الناشطين ورواد هذه المنصات والتطور الإلكتروني سوف يُسهل كثيرًا في رصد صور وأسماء المنتجات والسلع والبضائع الأميركية المختلفة ونشرها على هذه المواقع ووصولها لأعداد كبيرة من المستهلكين في دول كثيرة ووقت قليل.

كما أن زيادة البدائل المحلية وتوافر المنتجات التي تنتجها الدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية سوف يزيد حملات المقاطعة تأثيرًا من ذي قبل، وقد انتشرت بالفعل صور هذه المنتجات، وتصدر هاشتاغ "القدس عاصمة فلسطين الأبدية" في موقع التغريدات، تويتر، قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولًا على مستوى العالم.

نجاح الحملات السابقة سوف يدعم نجاحها في المستقبل، وفي 2004 وأثناء الانتفاضة الفلسطينية نشطت حملات المقاطعة ضد الشركات الداعمة لإسرائيل في مصر وانخفضت مبيعات المنتجات الأميركية التي طاولتها حملة المقاطعة بنسب موجعة مثل مسحوق إيريال الذي تراجع بنسبة 50%، ومطاعم ماكدونالدز بنسبة 52%، ومبيعات سجائر مارلبورو بنسبة 50%، وخسرت شركات كنتاكي وبيبسي ومارلبورو أكثر من 200 مليون دولار في شهر واحد بسبب المقاطعة، وزادت مبيعات الشركات المحلية المصرية بنفس النسب، ما دفع رؤساء هذه الشركات إلى زيارة مصر ومقابلة جهات أمنية في محاولة لإجهاض حملات المقاطعة المدمرة لشركاتهم دون جدوى.

المساهمون