ترامب يجول في آسيا وأنظاره على واشنطن

05 نوفمبر 2017
تظاهرة في سيول ضد زيارة ترامب(جونغ يون جي/فرانس برس)
+ الخط -
يجول الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آسيا، لنحو أسبوعين. الجولة التي بدأها الجمعة، هي صينية في الأساس وشملت في طريقها أربع دول أخرى. زيارة الصين دائماً لها وهجها الخاص في واشنطن. الأولى من نوعها كانت تاريخية، يوم قصد الرئيس ريتشارد نيكسون بكين عام 1972 لكسر جليد القطيعة وفتح باب العلاقات معها. وإذا كانت زيارة هذا الأخير قد حصلت في عزّ شعبيته وقبل حدوث ووترغيت، فإن جولة ترامب على عكسها تحصل وهو يعاني من رصيد شعبي هابط بدرجة قياسية، وتمر رئاسته في أزمة يتوالى انكشاف خيوطها وبما يهدد بتحويلها في النهاية إلى نسخة منقحة عن ووترغيت.

تحتل الأزمة مع كوريا الشمالية البند الأول في الجولة، وبالتحديد في زيارة الرئيس الأميركي إلى الصين التي تمثّل "بصيص الأمل الوحيد" لإحباط احتمالات الحرب، على ما يقول الجنرال الأميركي المتقاعد باري ماكفري وغيره من المراقبين. والقناعة في واشنطن أن بكين قادرة لكنها لم توظف بعد كل أوراقها الفعالة لوقف الانفلات النووي-الصاروخي الكوري الشمالي. فهي لديها حساباتها الآنية والاستراتيجية التي تقضي بترك هذه الأزمة معلّقة، مع ضبطها وإبقائها تحت السيطرة وليس العمل على حلها نهائياً. وحسب قراءات خبراء في الشأن الصيني، ليس من المتوقع أن تتزحزح بكين عن هذه السياسة طالما بقي هناك حضور عسكري أميركي في شبه الجزيرة الكورية.

واستبقت بيونغ يانغ وصول ترامب إلى سيول الثلاثاء المقبل، بالتشديد على رفضها الخوض في أي محادثات. وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية أمس السبت، إن الولايات المتحدة يجب أن تتخلى عن "الفكرة السخيفة" بأن بيونغ يانغ سترضخ للضغوط الدولية وتتخلى عن سلاحها النووي، مضيفة أن البلاد باتت "في المرحلة النهائية لإنجاز سلاح نووي رادع". واعتبرت أنه "من الأفضل أن تتوقف (واشنطن) عن الأوهام بنزع السلاح النووي"، مضيفة "كنزنا النووي الدفاعي سيظل جاهزاً ما لم تتوقف سياسة الولايات المتحدة العدائية نهائياً".

وكان ترامب بدا في تهديداته المبطنة بحرب ضد كوريا الشمالية، كمن يريد الضغط على الصين للتخلي عن سياستها المتّبعة تجاه الملف الكوري، واستبدالها بموقف حاسم يقضي على المشروع النووي الصاروخي الكوري الشمالي. تكتيك تبيّن أنه محكوم بالفشل، فالصين، كما يعرف الأميركيون، هي أم هذا المشروع، ولولا مساعدتها الأولية لما أبصر النور. وهي قد تكون غير راضية على تماديه، لكنها ليست في وارد خنقه، وربما صارت غير قادرة على التحكم التام به، بعد أن بلغ النقطة المتقدّمة التي وصل إليها.


ساهم في إفشال التكتيك الأميركي، أن إدارة ترامب تتحدث بأكثر من لسان ولغة. فما أن يباشر وزير الخارجية ريكس تيلرسون مهمة دبلوماسية لتنفيس الأزمة، حتى يسارع ترامب إلى التخريب عليه من خلال تسخيف مسعاه والتهديد بخيار القوة. وعندما يرد الزعيم الكوري كيم جونغ أون بتجربة صاروخية جديدة، تتراجع لغة القوة لصالح الخيار الدبلوماسي، وهو تذبذب ساهم في انكشاف اللاجدية الأميركية.

وما فاقم من هذه النظرة، أن ترامب ذاهب إلى منطقة سيطرت عليها أجواء الحرب أخيراً "وسط ارتياب بوضعه" كما قال ماكفري. فقبل زيارته بأيام، بدأت تتوالى الاتهامات في التحقيقات بالتدخّل الروسي لصالحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وطاولت مسؤولين كباراً ومعاونين في حملة ترامب الانتخابية وبتهم من العيار الكبير تتراوح بين غسل الأموال و"التآمر" على الولايات المتحدة وإعطاء إفادات كاذبة.

وفي جديد هذا الملف، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" استناداً إلى شهادة أمام لجنة في الكونغرس الأميركي أن مستشار السياسة الخارجية لحملة الانتخابات الرئاسية لترامب، اجتمع مع مسؤولين من الحكومة الروسية العام الماضي. وذكرت الصحيفة أن المستشار كارتر بيدج أنكر في مقابلات عديدة مع وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة الاجتماع مع مسؤولين من الحكومة الروسية خلال زيارة لموسكو في يوليو/تموز 2016 وقال إن أغلب من التقى بهم من المثقفين. لكن "نيويورك تايمز" نسبت لشخص مطلع قوله إن بيدج بعث رسالة بالبريد الإلكتروني لأحد مساعدي حملة ترامب يشرح فيها رؤيته بعد محادثات مع مسؤولين في الحكومة الروسية وآخرين. وقالت الصحيفة إن الرسالة تليت بصوت مرتفع خلال الشهادة التي جرت في جلسة مغلقة الخميس في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب التي تحقق في التدخّل الروسي.

ويتردد أن الرئيس الأميركي ناقم من جديد على حليفه السابق وزير العدل جيف سيشينز بزعم أن وزارته مارست مهامها بصورة "مخيّبة" في موضوع التحقيقات، ولم تتصدَ بما فيه الكفاية لـ"مخالفات" وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي. مواضيع استحضرها ترامب لصرف الأنظار عما فجرته التحقيقات من اتهامات. وتكشف تسريبات أن النقمة بدأت تطاول صهره جاريد كوشنير، المسؤول عن قرارات فاقمت الأزمة، كان منها إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية "أف بي أي" جيمس كومي. وحتى القضاء لم يسلم من اللوم، بما أثار التحذير من هذه "التوجّهات الفردية وضرورة تحرك الكونغرس للدفاع عن القانون"، كما قال ريتشارد بانتر، أستاذ الحقوق والمساعد القانوني السابق للرئيس السابق جورج بوش.
في ظل هذه الأجواء، ذهب ترامب إلى الشرق الأقصى وبقي باله في واشنطن. ولا شك في أن الدول المضيفة سوف تستقبله وعينها على ما يصدر عن مكتب المحقق في التدخّل الروسي، روبرت مولر، لتصبح أزمة رئاسته تتقدّم على الأزمة الكورية في قائمة أولوياته، وتكون واشنطن أمام مفاجآت كثيرة.

المساهمون