ترامب وحروب العقوبات: رسائل لإيران وللحلفاء

04 يوليو 2018
يريد ترامب أن تكون العقوبات كاسحة (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
رفعت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أخيراً، من وتيرة تصعيدها ضد إيران، من خلال إطلاق حملة واسعة لتجديد فرض عقوبات شاملة عليها وإنذار الدول الأخرى، خصوصاً الحليفة، بمعاقبتها إذا رفضت الالتزام بتطبيق المقاطعة. ويأتي هذا التحرك قبل نحو شهر من بدء العمل بالشق الأول من هذه العقوبات، كما يأتي عشية انعقاد قمتين مهمتين، قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في 12 و13 يوليو/تموز الحالي، وقمة ترامب والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في هلسنكي في 16 الشهر الحالي.

ويحمل التوقيت رسائل متعددة لأكثر من طرف، فترامب يعرف أن أجواء قمة حلف شمال الأطلسي ستكون متوترة بحكم الخلافات المتزايدة مع الأوروبيين، خصوصاً الخلافات حول النفقات الدفاعية، فضلاً عن الحرب التجارية التي اندلعت بسبب سياسته الحمائية التي يتمسك بها، بالإضافة إلى معرفته أن الحلفاء لا يرغبون مشاركته بفرض عقوبات على طهران. وبالتالي فإن إصراره على وجوب تضامنهم معه في توجهه حيال إيران يمنحه ورقة لتبرير نفوره المعروف من "الحلفاء" وحلف شمال الأطلسي معاً. وبسبب هذه الأمور، فإن ترامب يضرب عصفورين بحجر واحد: يضمن تدهور علاقاته مع الأوروبيين و"يرضي" بوتين في الوقت ذاته. ويهدف ترامب إلى أن تكون العقوبات على إيران كاسحة، وأقوى من تلك التي سبقت الاتفاق النووي.

وكشف مدير قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية، براين هوك، في مؤتمر صحافي أول من أمس، أن الشق الأول من العقوبات سيدخل حيز التنفيذ في 6 أغسطس/آب المقبل. ويشمل هذا الجزء مجموعة واسعة من المرافق والقطاعات والمصالح الإيرانية. لكن الأهم منه هو الشق الثاني الذي ينطلق العمل به في 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويستهدف قطاع النفط والحقل المصرفي، خصوصاً البنك المركزي الإيراني لحرمانه من التحويلات المالية الدولية والتعامل بالدولار، ما سيزيد من تدهور قيمة العملة الإيرانية التي تضاعف هبوطها منذ أواخر يونيو/حزيران الماضي. وأشار هوك، الذي يدير التفاوض مع حلفاء الولايات المتحدة حول استراتيجية جديدة حيال إيران، إلى أن الإدارة الأميركية تزمع إرسال مسؤولين في جولات في أوروبا ومنطقة الخليج وغيرها، للضغط على دولها وحملها على تطبيق العقوبات الأميركية، خصوصاً الامتناع عن شراء النفط  الإيراني "الذي نطمح لتقليص عائداته إلى الصفر"، على حد قوله. وأوضح أن "العقوبات المصرفية ستستأنف في 4 نوفمبر وسنطبق هذه الأحكام بقوة لحجز الأصول الإيرانية في الخارج ومنع النظام الإيراني من الوصول إلى عملاته الصعبة". 


وسبق المؤتمر الصحافي لهوك تصريحات وتلويحات رسمية تتوعد إيران والدول التي تتضامن معها، بردود ومواقف وحتى عقوبات قاسية. وهدد ترامب، في مقابلة الأحد الماضي، بمقاطعة الشركات الأوروبية إذا تعاملت مع إيران، فيما حذر هوك من "أننا لا نسعى لتقديم تراخيص أو إعفاءات لأن من شأن ذلك تخفيف الضغوط عن إيران. نحن مستعدون للعمل مع دول تخفّض وارداتها من إيران على أساس كل حالة على حدة"، مضيفاً "أما في ما يتعلق بعقوباتنا الأخرى، فنحن لا نسعى لتقديم تراخيص أو إعفاءات". وتوعد وزير الخارجية، مايك بومبيو، بمحاسبة المرشد الإيراني، علي خامنئي، بسبب التمادي في "زعزعة استقرار الخليج وإطالة أمد معاناة الشعب اليمني". وحتى وزير الدفاع، جيمس ماتيس، المتريث والمتحفظ إجمالاً على الخيار العسكري، لم يسقط التحذير من عواقب التأثير السلبي للدور الإيراني في المنطقة.

وعلى الرغم من وجود إجماع في الإدارة الأميركية والكونغرس على تجديد وتوسيع العقوبات على إيران، فإن هناك تبايناً حول ما يمكن أن تصل له. فثمة من يرى أن من شأن "الخنق الاقتصادي" أن يجرّ طهران إلى طاولة التفاوض المثمر كما حصل مع كوريا الشمالية، وهو أمر قد لا يكون صحيحاً، إذ إن العقوبات على بيونغ يانغ كانت دولية وعبر مجلس الأمن، وهو أمر قد لا تستطيع واشنطن تطبيقه في حالة طهران، كما أنه لا يوجد أي دليل يؤكد أن الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، اختار الحوار تحت ضغط العقوبات. ويتحدث مسؤولون أميركيون عن احتمال أن تؤدي العقوبات، إذا كانت صارمة، إلى "تفجير الاحتقانات الداخلية"، وهو ما أشار إليه هوك، الذي اعتبر أن ملامحها "بدأت تتبدى على شكل تظاهرات في مدن إيرانية". وفي المقابل، فإن هناك أصواتاً، وإن كانت قليلة وخافتة في الوقت الراهن، لا ترى بديلاً عن الحل العسكري، بالتناغم مع الخطاب الإسرائيلي في هذا الخصوص. وقد ترى فرصتها متاحة لاحقاً للمجاهرة بخيارها، خصوصاً إذا فشلت العقوبات، وإن كان التوجه العام في أميركا يرفض خوض حروب أخرى في الشرق الأوسط. كل هذه المخاوف قائمة ومشروعة، وإن كانت المواجهة مستبعدة في الوقت الحالي.

المساهمون