تراجيديا سياسية: نجيب الشابي

09 ديسمبر 2014

الشابي أمام مركز اقتراع في الانتخابات التشريعية (26أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

يمكننا، اليوم، أن نتوقف عند أحد الذين تلقوا هزيمة قاسية في الانتخابات التشريعية والرئاسية التونسية. شخصية ربطتني به صداقة طويلة، خصوصاً في مرحلة الاستبداد الأسود، طوال حقبة الرئيس زين العابدين بن علي، أقصد أحمد نجيب الشابي.

كنت أسمع عنه عندما اهتممت بحركة اليسار التونسي. كان، وهو طالب، مؤثراً وفعالاً، ويحمل خصائص القيادة، عندما تأسست حركة آفاق التي مثلت محاولة في اتجاه تأسيس يسار جديد. بعدها، مر هذا الشاب الطموح بتقلبات أيديولوجية وسياسية كثيرة ومعقدة بين التيارات القومية وأقصى اليسار.

تعرفت عليه، عندما عاد من باريس في لحظة الانفتاح السياسي، التي عاشتها تونس في مرحلة الثمانينيات، وقرر، يومها، تأسيس الحزب الديمقراطي التقدمي، مع عدد من المناضلات والمناضلين الذين مروا، بدورهم، من بوابة اليسار الراديكالي، ومارسوا نقدهم الذاتي، واتجهوا نحو وسط اليسار الديمقراطي.

أذكر أنه، في إحدى الجلسات، وأنا أتحدث عن أن الإيمان العميق بالله يؤدي بالضرورة إلى التعلق بالعدل والعدالة الاجتماعية، بحكم أن الله هو العادل بين خلقه، فإذا بنجيب الشابي يوجه لي سؤالا استنكارياً: وهل تؤمن فعلا بأن الله موجود؟ وبعد سنوات، التقينا في الحج، حيث عاش تجربة روحية عميقة وصادقة، ساعدته كثيراً، حسبما روى لي فيما بعد، على الاقتراب من الله.

كان الشابي صلبا في معارضة الرئيسين بورقيبة وبن علي، وجعل من جريدة "الموقف" منبراً ديمقراطيا للدفاع عن الحريات، وذلك في مرحلة صودرت فيها كل الحريات. وقد اضطر، في أكثر من مناسبة، إلى تعريض حياته للخطر، بشن إضراب وحشي عن الطعام رفضاً للظلم والتعسف. وقد اضطر بن علي إلى تعديل القانون الانتخابي، حتى يمنع نجيب الشابي من الترشح للانتخابات الرئاسية. ويعود ذلك إلى قدرة الشابي على المنافسة، بحكم ما يتمتع به من خصائص عديدة لرجل دولة ناجح.

كان الرجل مقتنعاً بأن الثورة التي أطاحت بالمستبد ستوفر له الفرصة لتتويج مسيرته النضالية، وستساعده على تحقيق الانتقال الديمقراطي في تونس، عبر مواقع متقدمة، وأهمها رئاسة الجمهورية، لكن النتائج الدراماتيكية التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية والرئاسية جاءت معاكسة لطموحاته، ومخيبة لآماله. اختار التونسيون غيره، ولم يقولوا له حتى "شكرًا على كل ما حاولت أن تقدمه لنا ولتونس، في مسيرة استمرت أكثر من خمسين عاما".

يمكن القول إن نجيب الشابي، مثل غيره من المرشحين، ذهب ضحية الاستقطاب الثنائي الذي زادته قوة وفعالية الدعوة التي أطلقها الباجي قايد السبسي من أجل التصويت المفيد عندما قال "من لم يصوت لحزب نداء تونس فقد صوت لحركة النهضة ". لكن ذلك يعتبر جزءاً من الصورة، ولا يفسر كل الصورة.

لا شك في أن الشابي ارتكب أخطاء سياسية من الحجم الثقيل قادته إلى هذه النتيجة المؤلمة. ليس هنا مجال استعراضها، وهو المطالب، أساساً، بشكل رئيسي أن يواجهها، ويقر بها ويحلل تداعياتها على مسيرته السياسية، خصوصاً بعد الثورة. لكن، المؤكد أنه، مهما كان حجم هذه الأخطاء، فذلك لا يقلل من أهمية خروج شخصية من هذا الوزن، تتمتع بمقومات رجل الدولة، في مقابل أن يصعد آخرون بلا تاريخ ولا هوية، لم يكن لهم أثر في مقاومة الاستبداد، وربما كان بعضهم جزءاً من مشهد آخر، لا علاقة له بالسياسة أصلا، غير أن الظروف خدمتهم، فإذا بهم يملأون الساحة بضجيجهم. أحياناً، تتحول السياسة الى تراجيديا ساخرة، لكنها تبقى، في النهاية، خاضعة للمنطق والتحليل، حتى لو بدت في ظاهرها غريبة وغير منطقية.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس