في وقتٍ شهدت فيه المخيمات التابعة لشمال مدينة حلب، نهوضاً تعليمياً وتربوياً، وذلك بعد إشراف الحكومة التركية على الوضع التعليمي فيها، لا يزال التدهور التعليمي يسود مخيمات الشمال السوري التابعة لمحافظة إدلب، والواقعة على الحدود السورية التركية، والتي تتضمن 169 مخيماً موزعة على سبعة تجمعات (أطمة، وباب السلامة، وقاح، وسرمدا، والكرامة، والرحمة، وخربة الجوز، وسلقين).
مخيمات تتشارك مع بعضها مصاعب النزوح ومتاعبه، وتختلف فيما بينها في مستوى الرعاية والدعم المقدمَين من المنظمات والهيئات المختلفة. ففي الوقت الذي توافرت فيه مقومات العملية التعليمية في بعض المخيمات، غابت نهائياً عن مخيمات أخرى، وفقاً لدراسة أصدرتها وحدة تنسيق الدعم في الحكومة المؤقتة، والتي بيّنت اختلاف الأوضاع التعليمية في التجمعات السابقة، من حيث عدد المدارس والكوادر التدريسية ونسب تسرّب الطلاب وتوافر الكتب والقرطاسية وغيرها.
44 مدرسة تغطي 169 مخيماً. ولعل أول ما يلفت النظر في هذه الإحصائية، أن عدد المدارس الموجودة في 169 مخيماً، والتي تستوعب 55 ألف طفل، لم يتجاوز الـ44 مدرسة، تختلف في بنيتها وأساساتها بين مخيم وآخر، فبعضها ذات بنية إسمنتية بلغ عددها 13 مدرسة، والبعض ذات أسقف توتياء بلغ عددها 9 مدارس، في حين أن 14 مدرسة أخرى تجري العملية التعليمية فيها داخل الخيم، و4 مدارس داخل الكرفانات، مقابل مدرسة واحدة أقيمت ضمن بناء مستأجر. وتوزعت تلك المدارس على تجمعات مخيمات الشمال السبعة الكبرى، ليكون النصيب الأوفر من المدارس في تجمع أطمة الذي توافرت فيه 14 مدرسة، في حين غابت المدارس نهائياً عن تجمع سرمدا.
وعلى الرغم من مناشدة أهالي تجمّع سرمدا، للعديد من الجهات والمنظمات، افتتاح مدرسة في المخيم، إلا أن جهودهم باءت بالفشل، ولم تُفتتح إلى اليوم أية مدرسة في المخيم، ما يضطر الأطفال ممن لم يتخلّوا عن حلمهم في التعلّم، إلى السير مئات الأمتار يومياً عبر طرق ترابية وغير مرصوفة، للوصول إلى مدارس المخيمات المجاورة.
رئيفة محمد، أم لسبعة أطفال، من سكان مخيم سرمدا على الحدود السورية التركية، تقول "أطفالنا بلا تعليم منذ أن نزحنا إلى المخيم، لا توجد مدارس حتى للتعليم الأساسي. أغلب الأهالي، وأنا منهم، تخلّوا عن فكرة تعليم أطفالهم خوفاً عليهم، فمن يقصدون المدارس المجاورة يمشون يومياً مئات الأمتار تحت الأمطار والسيول، ومن دون أن تتوفر لهم في المدارس أي وسائل للتدفئة".
غياب المدارس في تجمّع سرمدا أدى إلى تسجيل أكبر نسبة تسرب للطلاب من المدارس في التجمعات السبعة السابقة، إذ بلغت 86%، في حين بلغت نسبة تسرب الطلاب الكلية في التجمعات السابقة 60%، حظي فيها مخيم سلقين بأقل نسبة لتسرب الطلاب والتي بلغت 37% فقط، ويعود ذلك إلى توافر المدارس فيه، إضافة إلى سهولة الوصول إليها.
بدوره، يعزو الأستاذ رضوان إسماعيل، المشرف على مدارس تجمّع الكرامة، ارتفاع نسب تسرّب أطفال المخيمات من المدارس، إلى أسباب عديدة، تعود في أغلبها إلى غياب المرافق التعليمية عن بعض المخيمات، وصعوبة الوصول إليها في مخيمات أخرى، علاوةً على الظروف الاقتصادية الصعبة للأهل التي تحول بينهم وبين تأمين متطلبات الدراسة، كملابس المدرسة والكتب والقرطاسية. كما أن عمالة الأطفال والزواج المبكر للفتيات يلعبان دوراً هاماً في تسرّب الأطفال من المدارس حال توافرها.
وعن مستوى التعليم والكفاءات التعليمية في المدارس الموجودة، يوضح محمد علوي، أستاذ اللغة العربية في تجمّع قاح، لـ"العربي الجديد"، "تعاني المدارس الموجودة في مخيمنا من قلة عدد المدرسين، حالها حال المدارس في المخيمات الأخرى. ويعود ذلك إلى غياب الدعم المادي وغياب الكفاءات التي تركت المخيم، في وقت سابق. أكثر من نصف المدرسين في مدارس المخيم متطوعون، وغالبيتهم من أصحاب الشهادات الثانوية أو المتوسطة، نشكرهم لتطوعهم ومساهمتهم في محو أمية الأطفال، ولكننا بحاجة إلى خبرات وكفاءات علمية، لرفع مستوى التعليم في المدارس، خاصة في المدارس الثانوية".
وقد بيّنت إحصائيات الحكومة المؤقتة أن عدد المدرسين في المدارس الـ44، بلغ 796 مدرساً ومدرّسة، من بينهم 222 غير محترفين. ويعزو العلوي غياب المدرسين المختصين إلى أسباب عدة، كالنزوح خارج المخيم، والسفر إلى بلدان مجاورة. إلا أن السبب الأهم، وفقاً له، هو غياب نظام الرواتب الشهري والحوافز، فالمعلمون وإن كانوا يتقاضون أجراً في بعض المخيمات، إلا أنه في الغالب عبارة عن مكافآت غير منتظمة ومتقطعة لا تفي باحتياجاتهم، ما يضطرهم إلى العمل في مهن أخرى توفر لهم قوتهم وقوت أطفالهم.
وينقسم التعليم في مدارس المخيمات إلى تعليم أساسي بمرحلتيه الأولى والثانية، وإلى تعليم ثانوي. وفي الوقت الذي توافرت فيه المدارس التي تدرس المرحلة الثانوية في تجمّعات أطمة والرحمة والكرامة وقاح، غابت كلياً عن باقي التجمعات التي اقتصرت المدارس فيها على التعليم الأساسي بمرحلتيه الأولى والثانية.
قلة عدد المدارس، والتخوف من عدم الاعتراف بالشهادات الممنوحة من قبلها، أسباب دفعت الكثير من الطلاب إلى التسرب من المدارس الثانوية.
محمد خليل، 17 عاماً من مخيم قاح، فضّل العمل وكسب المال على الالتحاق بالمدرسة الثانوية، ويقول "حتى وإن أخذت الشهادة، فلن أتمكن من الالتحاق بأي جامعة سورية، فلماذا كل هذا الجهد والتعب؟".
في المقابل، تقول ضحى العبد الله، طالبة بالشهادة الثانوية الأدبية، "الالتحاق بالمدرسة الثانوية ليس بالأمر السهل، ولكننا محظوظون لوجود مدرسة في مخيمنا، يجب أن نستغل هذه الفرصة للدراسة ونيل الشهادة والالتحاق بإحدى الجامعات الحرة أو التركية". وتضيف "إن كانت حكومة النظام السوري لا تقبل بشهادتنا، فالجامعات في المناطق المحررة، وكذلك الحكومة التركية، تقبل بها، ويمكننا التسجيل في إحداها وإكمال تعليمنا الجامعي".
واقع مأساوي يعيشه القطاع التعليمي في مخيمات الشمال السوري، بحاجة إلى خطوات جدية وحازمة للنهوض به، ودعم ورعاية من قبل الجهات الرسمية والمنظمات المعنية، لإنقاذ مستقبل 55 ألف طفل ممن يقطنون تلك المخيمات، ويحلمون بالحصول على مقعد دراسي، حتى وإن كان في خيمة.