تداعيات هجوم سان برناردينو

16 ديسمبر 2015

زهور في موقع هجوم سان برناردينو في كاليفورنيا (14ديسمبر/2015/Getty)

+ الخط -
شكل الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا صدمة للأميركيين، إذ أعاد إلى الأذهان الحوادث الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، وفي مقدمتها هجمات "11 سبتمبر"، غير أن الحادث الجديد سلط الأضواء على احتمال انتشار المجموعات الإرهابية داخل الولايات المتحدة، بحيث بات في استطاعتها تنفيذ هجماتها بمواطنين أميركيين، وليس بأجانب فقط يدخلون البلاد خلسة. وعقب الهجوم، سارع سياسيون في الولايات المتحدة إلى استغلال هذه المخاوف، وشنوا حملات تستهدف الإسلام والجاليات الأميركية المسلمة، في مقدمتهم دونالد ترامب، المرشح في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، الذي لم يتوان عن توجيه اتهامات مبطنة للمسلمين الأميركيين بدعم الإرهاب. وهو الذي سبق أن أهان، في حملته، غالبية الأقليات في الولايات المتحدة، كالأميركيين من أصل لاتيني والأفارقة الأميركيين، وهذه المرة، تجاوز حدود المعقول في دعوته، الأسبوع الماضي، إلى حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة، "إلى حين فهم ماذا يحدث".
هذا الموقف المتطرف والتحريضي قابلته إدانة واسعة من جميع فئات الشعب الأميركي، بدءاً من الحزب الجمهوري نفسه الذي بادرت قيادته إلى النأي بنفسها عن تصريحات ترامب، فقد أعلن رئيس مجلس النواب، الجمهوري بول راين، أن مثل تلك المواقف التي تستهدف مجموعات دينية أو طوائف "لا تعكس قيم الحزب الجمهوري أو القيم الأميركية". وشجب غالبية المرشحين الجمهوريين دعوة ترامب إلى حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة بأشد العبارات، لاسيما المرشح ليندساي غراهام الذي قال: "فليذهب ترامب إلى الجحيم".
وسارع مرشحو الحزب الديمقراطي إلى اقتناص الفرصة لمهاجمة ترامب، واصفين دعوته بالعنصرية والمخزية. واعتبرت هيلاري كلينتون أنه أظهر، في حملته الانتخابية، حالة من جنون الارتياب أو البارانويا تجاه الأقليات، مضيفة أن موقفه الجديد "يهدد أمن البلاد". ووجهت الصحافة الأميركية انتقادات لاذعة لترامب، ودانت دعوته "العنصرية" تجاه المسلمين، معتبرة أن هذا الموقف "غير أميركي".
وعلى الرغم من حملات الإدانة الواسعة التي تعرض لها، إلا أن ترامب نجح في الحفاظ على نسبة التأييد التي كان يحظى بها قبل إطلاقه التصريحات النارية تجاه المسلمين، فوفقاً لأحدث
استطلاعات الرأي، ما زال الأوفر حظاً لنيل ترشيح الجمهوريين، إذ يتقدم بنحو 15 نقطة مئوية على أقرب منافسيه، السناتور عن ولاية تكساس، تيد كروز، والذي لا يقل عنه يمينية.
وقد بدأ تفوق ترامب في استطلاعات الرأي يشكل أزمة داخل الحزب الجمهوري، فالقيادة الجمهورية باتت ترغب في عدم فوزه بترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية، نظراً لصعوبة وصوله إلى البيت الأبيض، فمواقفه المتطرفة يرفضها معظم الناخبين الأميركيين، لا سيما المستقلين الذين ترجح أصواتهم كفة الفائز. كما أن هذه المواقف باتت عبئاً على مرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، وتعززت قناعة بأن تطرفه واستفزازاته للأقليات سينعكسان سلباً على المرشحين الجمهوريين في الانتخابات المحلية، وبالتالي، سيهدد حظوظهم في الحفاظ على الأغلبية في الكونغرس. وبالفعل، بادر جمهوريون إلى مطالبة المسؤولين في الحزب بمنع ترامب من الترشح تحت لواء الحزب الجمهوري، معللين مطلبهم بالقول إنه لا يمكن لأي مرشح للرئاسة أن يطرح مشروعاً غير دستوري، كما فعل ترامب، في إشارة إلى دعوته إلى حظر المسلمين من دخول البلاد. وإزاء التهديدات بإقصائه من سباق نيل ترشيح الحزب الجمهوري، شن ترامب هجوماً مضاداً، حيث لوّح أنه، وفي حال فصله من الحزب، سيترشح للرئاسة مستقلاً. ومن شبه المؤكد أن يقضي هذا الأمر، وفي حال حدوثه، على أي حظوظ للحزب الجمهوري في استعادة البيت الأبيض، إذ سيقسم دخول ترامب السباق الرئاسي مستقلاً أصوات الناخبين الجمهوريين والمحافظين، ما سيصب في مصلحة المرشح الديمقراطي. في ضوء هذا، يقف الحزب الجمهوري، اليوم، أمام معضلةٍ صعبة، لا يعرف أحد ما إذا ستتمكن قيادات الحزب من حلها بهدوء، من دون أن تترك تداعيات سلبية على حظوظ استعادة البيت الأبيض من الديمقراطيين.
وبانتظار ما ستؤول إليه الأمور، لجهة ترشح ترامب عن الحزب الجمهوري أو مستقلاً، على العرب والمسلمين الأميركيين أن ينبروا لمثل هذه الدعوات العنصرية والهجمات التي تستهدفهم، أولاً، بالتأكيد على اندماجهم بمجتمعهم الأميركي، وتمسكهم بهويتهم وإرثهم الحضاري، وثانياً الانخراط في العملية السياسية الأميركية التي تتيح لجميع المواطنين إيصال صوتهم والتعبير عن مطالبهم. إذاً، لا بد للعرب والمسلمين الأميركيين، اليوم، أن ينظموا صفوفهم، ويشاركوا في العملية الديمقراطية، بالاقتراع بكثافة، ليس فقط لاختيار الرئيس المقبل للبلاد، بل أيضاً، والأهم، لاختيار ممثليهم على المستوى المحلي. ولا يمكن إسكات ترامب وأمثاله من العنصريين إلا بتمسك المسلمين الأميركيين بهويتهم الأميركية، وبالقيم المتسامحة التي قامت عليها هذه البلاد.