أصبح اسم "صندوق النقد الدولي" يرن كالمصيبة في آذان عدد كبير من المواطنين العرب. السبب ليس مخفياً، إذ إن شروط الصندوق لإقراض الدول تقوم على إجراءات قاسية جداً، تطاول مصالح الناس بالدرجة الأولى، وخصوصاً خفض الدعم المقدم للسلع، زيادة الضرائب والجمارك، رفع سعر الوقود، خفض الوظائف، تحرير العملات المحلية، زيادة حجم الديون المترتبة على الأجيال اللاحقة.
يقول الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش، إن وصفات الصندوق لكافة البلدان تكاد تكون واحدة، وعمادها رفع الأسعار وزيادة الضرائب وإلغاء الدعم وتحميل المواطنين أعباء مالية كبيرة دون تطبيق برامج حقيقية لزيادة النمو. ويضيف أن هذه السياسات الاقتصادية أدت إلى تدهور الأوضاع أكثر من السابق.
فمثلاً ارتفعت مديونية الأردن من حوالي 10 مليارات دولار في نهاية الثمانينيات قبل التعاقد مع الصندوق إلى نحو 37 مليار دولار حالياً. والبطالة ما تزال إلى ارتفاع والفقر في تنام والصادرات تسير بوتيرة بطيئة.
ويقول إنه في مصر أيضاً دفع صندوق النقد الدولي باتجاه تعويم سعر الجنيه، ما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى أكثر من 30% وسط توقعات بارتفاع النسبة إلى مستويات أعلى.
بدوره، يقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب السابق يوسف القرنة، إن برامج صندوق النقد الدولي تقوم على الجباية، وهو بالتالي يقدم حلولاً مرحلية ولا تعود بالنفع على المستوى البعيد.
ويضيف: "صندوق النقد غير مرحب به شعبياً في الأردن". كذا، يعتبر رئيس مركز الفينيق الاقتصادي أحمد عوض، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن الصندوق وإن كان يساهم في حل مشكلة مالية لبعض الوقت، إلا أنه يُدخل الدول في أزمة أكبر مع تفاقم المديونية.
أيضاً، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت عبد العزيز الكندري، إن برامج الصندوق أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى.
ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن السلبيات الناجمة عن أداء الصندوق في المنطقة أدت إلى التهميش الاجتماعي لفئات واسعة من المواطنين، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والجريمة.
إلا أن الخبير الاقتصادي حمد السميط، يعتبر أن قروض صندوق النقد الدولي لها مميزاتها بالنسبة للدول العربية، وذلك من ناحية أنها تعطي شهادة طمأنة للمستثمر الأجنبي لضخ استثماراته في السوق.
ويلفت عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، إلى رفض القيام بإجراءات اقتصادية لإرضاء صندوق النقد على حساب التونسيين ومكاسبهم الاجتماعية.
لكن الخبير الاقتصادي ووزير التجارة التونسي الأسبق محسن حسن، يقول لـ"العربي الجديد"، إن تونس لن تتمكن من فك العزلة عن المناطق المهمشة وتوفير فرص العمل والتنمية ما لم تجر إصلاحات اقتصادية عميقة، معتبراً أن كل الدول تمر بمراحل مفصلية قد تكون موجعة لكنها ضرورية.
أما عميد كلية الاقتصاد في جامعة طرابلس أحمد أبولسين، فيصف صندوق النقد الدولي بأنه صندوق "النكد الدولي"، لأنه يفرض اشتراطات مجحفة على الدول النامية بذريعة الإصلاح الاقتصادي.
لكن نائب المدير التنفيذي الأسبق لصندوق النقد الدولي فخري الفقي، يرفض اتهام الصندوق بتدمير الاقتصادات، ويقول إن الحصول على قرض من صندوق النقد ليس حلاً منفرداً للخروج من الأزمات، وعلى الدولة المصرية أن تضع خطة اقتصادية لاستعادة الاستثمارات والسياحة وبناء اقتصاد قوي قائم على الإنتاج.
ومن جانبه، يقول أشرف العربي، مستشار صندوق النقد الدولي للإصلاحات الضريبية والنائب في مجلس النواب المصري، إنه غير متفائل بتجربة مصر مع الصندوق بسبب ضغوط الشارع المصري وعدم احتمال غلاء الأسعار.
أما الخبير الاقتصادي شريف دلاور، صاحب كتاب "السطو على العالم"، فيرى أن الصندوق وغيره من المؤسسات الدولية العالمية تفرض هيمنة سياسية على الدول، مؤكداً أن مصر كان أمامها خيار الإصلاح منذ سنوات دون الوقوع في براثن تلك المؤسسات.
لكن الخبير الاقتصادي والأكاديمي اللبناني سامي نادر، يؤكد على أهمية "أخذ الحكومات بملاحظات خبراء الصندوق كسلة متكاملة للحل الاقتصادي، وليس انتقاء بنود معينة دون أخرى". ويشبه نادر مقترحات الصندوق بالوصفة الطبية التي يجب الالتزام بها كاملة.
(ساهم في التقرير: جيهان عبد الغني، فرح سليم، عبد الرحمن عرابي، زيد الدبيسية، محمود بدير، أحمد الخميسي)