انعكس ضعف الإسترليني إيجاباً على السياحة البريطانية هذا العام، فقد شهدت مدينة لندن وإلى حد ما مدينة أدنبرة الاسكتلندية والريف البريطاني في جنوب غربي إنكلترا الذي يطلق عليه "الريفيرا الإنكليزية "حركة سياحية فاقت التوقعات من قبل السياح الأوروبيين والأميركيين والعرب، مقارنة بالمواسم السياحية السابقة.
ولكن هذا الجذب السياحي الضخم لم يحدث فقط بسبب ضعف الجنيه الإسترليني، ولكن حدث كذلك بسبب الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا وألمانيا وبلجيكا وجعل العديد من السياح يفضلون بريطانيا التي ظلت آمنة وسط محيط أوروبي مضطرب.
ويذكر أن الإسترليني تراجع تحت حاجز 1.30 دولار لأول مرة منذ انتخاب الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة تيريزا ماي، حيث تم تداول سعر صرف العملة البريطانية لدى حاجز 1.29 دولار يوم الجمعة أمس الأول.
وسعر الصرف هذا مغر للسياح الذين يصرفون بالدولار أو العملات المرتبطة بالدولار، مثل سياح دول مجلس التعاون الذين يصرفون بالدرهم والريال.
ويلاحظ المتجول في شوارع لندن تدفق سياحي غير معهود على بريطانيا، خاصة في شوارع التسوق الرئيسية مثل "أكسفورد ستريت" ومناطق نايتسبريدج ومناطق "هاي ستريت كينزنغتون"، وكذلك في مناطق الترفيه في وسط وغربي لندن، مثل "كوفنت غاردن" و"ليستر سكوير" و"ساحة البيكاديللي"، حيث توجد المسارح والملاهي الليلية والمقاهي والمطاعم. وهي من المناطق الأكثر جذباً للشباب.
ويشير خبراء السياحة إلى أن ضعف الجنيه الإسترليني أمام الدولار واليورو، يعد العامل الرئيسي في هذا الانتعاش، حيث جعل الوجهات البريطانية، أكثر جاذبية مقارنة بالوجهات الأوروبية الأخرى.
وتشير الأرقام التي نشرها اتحاد السياحة البريطاني هذا الأسبوع إلى أن عدد السياح الأجانب في بريطانيا قفز بنسبة 18%، في يوليو/تموزالماضي، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي. كما أشار الاتحاد في أرقامه الأخيرة، إلى أن عدد السياح البريطانيين الذين فضلوا السياحة داخل بريطانيا بسبب ارتفاع كلفة السفر والإقامة في الخارج، سجل زيادة ملحوظة بلغت 11% في الشهر الماضي مقانة بالعام الماضي.
ومعروف أن ضعف الإسترليني مقابل اليورو والدولار، يرفع كلف السفر بالنسبة للبريطانيين،كما يخفض كلف السفر والإقامة بالنسبة للسياح الأجانب الذين حضروا إلى بريطانيا هذا العام.
وربما تكون السياحة بذلك أحد النشاطات الاقتصادية التي استفادت وبدرجة كبيرة من الاستفتاء البريطاني "بريكست"، الذي قرر في نهاية مايو/أيار الماضي خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
ويلاحظ أن الإسترليني انخفض من مستوياته فوق 1.50 دولار قبل استفتاء" البريكست" إلى 1.32 دولار، وظل يحوم حول هذا الرقم طوال الشهرين الماضيين. وهو مستوى معقول مقارنة بالتوقعات المتشائمة التي كانت تتوقع للإسترليني أن ينخفض إلى أقل من 1.15 دولار. ولكن هبوطه يوم الجمعة تحت حاجز1.30 دولار بدأ يثير بعض المخاوف.
وحسب توقعات اقتصادية في بريطانيا، فإن الصادرات البريطانية ستكون هي الأخرى من أكبر المستفيدين من ضعف الإسترليني.
ولكن في مقابل هذا الإيجابيات هنالك مخاوف استثمارية كبرى في حي المال البريطاني من تداعيات ضعف الإسترليني على التدفقات الاستثمارية إلى بريطانيا، إذ تتركز المخاوف من احتمالات حدوث تذبذب كبير في مستويات سعر الصرف، ربما تكون خارج عن سيطرة بنك إنكلترا" البنك المركزي" البريطاني الذي نجح إلى حد ما في محاصرة سلبيات نتائج استفتاء" بريكست" حتى الآن.
ومن بين التداعيات السلبية لضعف الإسترليني أن المستثمرين الأجانب بدأوا يحجمون عن شراء أدوات الدين البريطانية، ولأول مرة يجد "بنك إنكلترا المركزي" نفسه عاجزاً عن تحقيق هدفه لشراء ما قيمته أكثر من مليار جنيه إسترليني من السندات الحكومية الطويلة الأجل.
وجاءت المشتريات في عطاء سندات الخزانة الذي طرح يوم الثلاثاء الماضي دون المستوى المستهدف بمقدار 52 مليون جنيه إسترليني (68 مليون دولار).
وللمرة الأولى منذ بدأ شراء السندات الحكومية لتعزيز الاقتصاد البريطاني في 2009 ، لم يعثر البنك المركزي البريطاني، على ما يكفي من المستثمرين لتحقيق هدف المشتريات، وهو ما دفع عوائد السندات إلى مستويات قياسية منخفضة.
وعرض المستثمرون على بنك إنجلترا سندات قيمتها 1.118 مليار إسترليني بآجال استحقاق تزيد على 15 عاماً، بينما كان المستهدف 1.170 مليار إسترليني.
وذلك في تناقض صارخ مع الحجم الوفير من السندات القصيرة الأجل، التي عرضت على المصرف في عملية إعادة الشراء يوم الاثنين.
من هذا المنطلق يصبح السؤال إلى أين يتجه الإسترليني هذا العام بعد انخفاضه تحت حاجز 1.30 دولار مهماً بالنسبة للاقتصاد البريطاني وبالنسبة للمستثمرين الأجانب في البورصة وحي المال والعقارات.
وربما تمنح البيانات الخاصة بالتضخم ومعدل الاستهلاك والإنتاج الصناعي والخدمات التي ستصدر الأسبوع المقبل، إجابات حاسمة حول توجهات العملة البريطانية خلال النصف الثاني من العام الجاري. ولكن بالنسبة للمستثمرين الكبار مثل المصارف العالمية التي تتخذ من حي المال البريطاني مقراً لها، وشركات توظيف الأموال، فإنهم يترقبون نوعية العلاقة التجارية التي ستبنيها بريطانيا مع أوروبا في أعقاب توقيع الانفصال.