ألقت الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بظلال سلبية على بعض القطاعات الاقتصادية، ولا سيما المرتبطة بالإنتاج والتجارة وسوق الصرف، وسط قلق من استمرار أمد التظاهرات التي بدأت بشعارات اقتصادية منتقدة أداء الحكومة، قبل أن تتحول إلى مظاهرات سياسية متجاهلة المطالب المعيشية الرئيسة، وشابها أعمال عنف واشتباكات.
وقال رئيس لجنة الزراعة في غرفة تجارة إيران غلام علي فروغي، إن هناك انعكاسات على معدلات الإنتاج في القطاعات الصناعية والزراعية وستكون أوضح بعد فترة، مشيرا إلى تأثر العمال بالاحتجاجات.
ورأى فروغي في تصريح نقلته وكالة تسنيم، أن استمرار التوتر في الشارع سيؤدي إلى "تبعات على علاقات الاقتصاد والتجارة بين إيران والدول الأخرى".
وتركزت الاحتجاجات على السياسات الاقتصادية للحكومة وغلاء الأسعار والتضخم والبطالة، قبل أن يندد بعض المتظاهرين بعد ذلك بتركيز السلطات الإيرانية على الوضع في سورية وملفات إقليمية أخرى بدلا من تحسين الظروف داخل البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي بهمن آرمان، إن إيران كأي بلد آخر، إذا ما تعرض لأوضاع من هذا القبيل فهذا سيؤثر سلبا على الاقتصاد، مؤكدا أن الانعكاسات الكبرى تكون عادة على الاتفاقيات والعلاقات التجارية، خاصة بين إيران والدول التي تصدر لها التكنولوجيا والوسائل التقنية والصناعية، من قبيل دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، فضلا عن روسيا.
ووصف آرمان، في حديث مع "العربي الجديد"، ما يحدث في الوقت الراهن بالتأثيرات الطبيعية، لكنه اعتبر أن "استمرار الأمور على مدى أطول سيترك تبعات جدية للغاية ستضر بالاقتصاد الإيراني".
ونقلت وكالة أنباء فارس عن مسؤول في اتحاد عمالي، قوله إن العمال ليسوا موافقين على استمرار الاحتجاجات بهذه الطريقة، فأعمال الشغب التي عطلت الكثير من الأشغال ستنعكس عليهم بالدرجة الأولى، قائلا إن "أصحاب محال بعض المناطق أصبحوا مضطرين لإغلاقها بحلول الساعة الخامسة بعد الظهر، تخوفا من الاحتجاجات التي قد تؤدي لأضرار مالية على ممتلكاتهم إثر الاشتباكات، وهذا بطبيعة الحال قلل كثيرا من مستحقاتهم وأجورهم خلال الأيام الماضية".
وأكد على هذا الأمر المحلل الاقتصادي علي إمامي، الذي أوضح أن أصحاب المشاريع الصغيرة تأثروا بالفعل بهذه الأزمة، كما ذكر أن الانعكاسات ستظهر على معدلات السياحة للبلاد، إلا أنه لا يوجد أرقام رسمية تؤشر لذلك حتى اللحظة.
وحسب إمامي فإن المستثمرين الأجانب ممن يأتون لإيران للاستثمار في مشاريع صغيرة، تأثرت أعمالهم كذلك، ولربما توقفت وتعطلت بشكل مؤقت، وهو أمر لم تخرج تبعاته عن السيطرة حتى الآن.
وبينما لم تظهر مؤشرات رسمية حول مدى تأثر النشاط التجاري الداخلي وحركة الإنتاج في المصانع، إلا أن سوق الصرف كان أكثر وضوحا بعد أن تراجعت العملة الإيرانية تومان أمام الدولار الأميركي بأكثر من 6%، حيث وصل سعر الدولار إلى نحو 4350 تومان، مقابل نحو 4100 تومان قبل الاحتجاجات. كما زاد سعر اليورو إلى 5500 تومان، مقابل نحو 5 آلاف تومان.
وحذر البنك المركزي من خطوات ستتخذها السوق السوداء، ومما قد تفعله بأسعار الصرف، داعيا المواطنين إلى عدم الإقبال على شراء الدولار في الوقت الراهن لبيعها لاحقا، اعتقادا منهم أن الأسعار سترتفع.
وفي ظل الاضطرابات الحالية تضرر نشاط الكثير من الإيرانيين الذين اعتمدوا على التكنولوجيا وقطاع الاتصالات في خلق فرص عمل لأنفسهم، حيث تسبب الحظر الذي فرضته السلطات على تطبيق التليغرام، والذي يستخدمه نحو 40 مليون إيراني، في مشاكل للكثير ممن وجدوا حلولا لبطالتهم من خلال مشاريع أطلقوها عبر هذا التطبيق، فمنهم من يبيع الملابس أو الأدوات المنزلية بأسعار مخفضة على قنوات فتحوها بأنفسهم على التليغرام، وهو ما لاقى رواجاً كبيراً بين مختلف الشرائح الإيرانية.
وبحسب لجنة الأشغال المستحدثة في غرفة التجارة، فإن حظر التليغرام عطل أعمال مواطنين يتراوح عددهم بين 10 و15 ألف شخص، وهو ما سيؤثر على التجارة الإلكترونية بحسب وصفها.
وتواجه حكومة الرئيس حسن روحاني انتقادات بالأساس على خلفية ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت، وفق مركز الإحصاءات الإيراني، نحو 12.4% في العام المالي الحالي، وهو ما يمثل ارتفاعا نسبته 1.4% عن العام الماضي، وهناك نحو 3.2 ملايين عاطل عن العمل في البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 80 مليون نسمة.
وتسببت البطالة المتفاقمة بخروج شعارات منددة بعدم قدرة الحكومة على وضع حد لهذه المعضلة، وذكر تقرير لصحيفة إيران أن هناك حالة من عدم الرضا الاجتماعي التي تستدعي التنبه لحل مسائل الاقتصاد، مشيرة إلى أن معدلات البطالة في المناطق التي خرجت فيها الاحتجاجات أعلى بكثير من المعدل المتعلق ببقية المناطق التي لم تشهدها.
فأعلى الأرقام موجودة في المناطق الحدودية، وعلى رأسها الأماكن التي ضربها زلزال محافظة كرمانشاه قبل فترة، من قبيل سربل ذهاب وإسلام أباد غرب.
أما في مدينة كرمانشاه، أكبر مدن المحافظة نفسها، فيوجد 295 ألف نسمة من أصحاب الوظائف، و43 ألف شخص عاطل عن العمل، وهو ما يجعلها في المرتبة الثانية عشرة بين مدن إيران بمعدل بطالة يبلغ 24.1%.
وتحتل مدينة ايذه المرتبة 31 بين مدن إيران بمعدل بطالة يبلغ 18.3%، وفيها 11 ألفاً و735 شخصاً عاطلون عن العمل، وفي منطقة ممسني أيضا أكثر من سبعة آلاف شخص يعانون البطالة، كذلك هو الحال في دورود التي سقط فيها أول قتلى الاحتجاجات.
وبالنسبة لمدينة مشهد التي يزيد عدد سكانها في سن العمل عن مليون نسمة، فيوجد فيها أكثر من 117 ألف عاطل عن العمل، من بين 751 ألف شخص في ذات المرحلة العمرية، وفي أصفهان هناك أكثر من 215 ألف شخص يعانون البطالة.
وبالتزامن مع بدء الاحتجاجات، أعلن أمير باقري المتحدث باسم لجنة الموازنة الحكومية، عن توفير 749 الف فرصة عمل خلال فترة 21 مارس/آذار إلى 22 سبتمبر/أيلول 2017.
وأوضح باقري، في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء الماضي، أن من المتوقع دخول 840 ألف شخص سوق العمل في العام الايراني المقبل (يبدأ 21 مارس/آذار2018).
وبخلاف معضلة البطالة خرجت الاحتجاجات أيضا لمطالبة الحكومة بتحصيل حقوق مواطنين من مؤسسات مالية وضعوا مبالغ متوسطة وكبيرة فيها لاستثمارها، لكنهم خسروها بالكامل، فضلا عن غلاء الأسعار بعد أن قدم روحاني موازنة العام المالي الجديد للبرلمان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، معلنا عن رفع أسعار المحروقات وعلى رأسها البنزين.
وارتفعت حدة الانتقادات الموجهة للحكومة، ولا سيما أن الميزانية تحمل العديد من التغييرات التي تنبئ بصعوبات اقتصادية تواجهها الحكومة وستنعكس على الإيرانيين لاحقاً.
وزادت الموازنة الجديدة عائدات الحكومة من الضرائب بمقدار 3.5 مليارات دولار، وهي التي بلغت في موازنة العام الجاري 37 مليارا، وهو ما يعني رفع الضرائب على الجميع.
كما تضمنت الموازنة حسب برلمانيين حذف رواتب الدعم الحكومي الذي يقدم للفقراء، ما أثار مخاوف كثيرين، لافتا إلى أنها من أهم الإشكالات.
وهذه الرواتب هي المبالغ المخصصة لكل مواطن إيراني وفق خطة أقرت في زمن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في محاولة لمساعدة الإيرانيين لمواجهة غلاء الأسعار وارتفاع نسب التضخم في وقت كانت ترزح فيه إيران تحت عقوبات مشددة بسبب البرنامج النووي، حيث وصل راتب الفرد الواحد 45 ألف تومان.
وتتباين أعداد من سيتم حذفهم، وفق تصريحات المسؤولين الحكوميين، فبعضهم يقول إن العدد يزيد عن ثلاثين مليونا، بينما يتحدث آخرون عن عشرين مليونا فقط.
وكان المتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت، قد أعرب في وقت سابق عن نية الحكومة حذف أسماء عشرين مليون شخص، إلا أنه أشار إلى أنه لم يتم التأكد من عدم حاجة هؤلاء جميعا لرواتب الدعم، وهو ما يعني أن الأمور لن تكون سهلة ودقيقة للتعامل مع هذا الملف.