تدابير لتوفير العملات الأجنبية بمصر تثير مخاوف المستوردين

22 ديسمبر 2015
أزمة الدولار تساهم في ارتفاع أسعار السلع (الأناضول)
+ الخط -
قرر المصرف المركزي المصري رفع التأمين النقدي على عمليات الاستيراد التي تتم لحساب الشركات التجارية أو الجهات الحكومية إلى نسبة 100 % بدلا من 50 %، في خطوة تستهدف مواجهة أزمة شُح العملة الأميركية وارتفاعها أمام الجنيه في السوق السوداء. ومن المقرر أن تطبق القرارات الجديدة اعتبارا من أول يناير/كانون الثاني 2016.
واستثنى المصرف المركزي في البيان الصادر أول من أمس، "عمليات استيراد كل من الأدوية والأمصال والمواد الكيماوية الخاصة بها وألبان الطفال فقط من التأمين النقدي".
وأعلن المركزي مؤخراً، عن ضخ 7.6 مليارات دولار على مدى الشهرين الأخيرين لتغطية طلبات الاستيراد للسلع الأساسية والمواد الخام وسداد المستحقات المعلقة للمستثمرين الأجانب، ورغم حدوث انفراجه محدودة في أزمة الدولار، إلا أن مستوردين أكدوا على استمرار السوق السوداء بسبب النقص الحاد للعملة الأميركية في المصارف.
وأكد رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية أحمد شيحة، لـ"العربي الجديد"، أن المستوردين لم يشعروا بالمبالغ الضخمة التي أعلن عن ضخها المركزي. وأضاف شيحة أن توفير الدولار شهد تحسنا نسبيا مع تولي طارق عامر رئاسة المصرف المركزي، إلا أن قوائم انتظار المستوردين مستمرة، وتقدّر طلباتهم بنحو 5 مليارات دولار بشكل عاجل حتى يتم الإفراج عن السلع الموجودة بالموانئ.
ويشتكي المستوردون على مدار الشهور الماضية، من وجود طلبات عالقة بالموانئ لم يتم الإفراج عنها بسبب تفاقم أزمة الدولار. وأوضح شيحة، أن هناك فجوة كبيرة بين ما يتم توفيره من موارد دولارية وبين احتياجات مصر الاستيرادية، وأن المصرف المركزي يتحجّج بما هو متاح لديه من موارد لمواجهة متطلبات الاستيراد، في ظل تراجع إيرادات مصادر النقد الأجنبي.
وحسب التقارير الرسمية، تراجعت إيرادات الصادرات والسياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر بشكل ملحوظ خلال الشهور الأخيرة. وبلغت الاحتياطيات الأجنبية للبلاد 16.423 مليار دولار في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني انخفاضا من نحو 36 مليارا قبل اندلاع ثورة يناير عام 2011 التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك.

وطالب شيحة بإلغاء سقف إيداع وسحب الدولار، الذي أقره محافظ المصرف المركزي السابق، هشام رامز، في مطلع العام الجاري، لافتا إلى أن هذه الآلية فشلت في وقف ارتفاع الدولار بالسوق السوداء، حيث وصل سعره أمس، بين 8.60 و8.65 جنيهات.
وفي نفس السياق، قال رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر محمد جنيدي، لـ"العربي الجديد"، إن المركزي لا يوفر كافة الاعتماد للشركات والمصانع، وما زال هناك طلب على السوق السوداء لتوفير العملة الصعبة لشراء مستلزمات الإنتاج.
وانتقد الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية علاء عز، في تصريحات لـ"العربي الجديد، قرار المركزي بإلزام المصارف بالحصول على تأمين نقدي بنسبة 100% بدلا من 50% فقط على الاعتمادات المستندية، وقال إن القرار خاطئ ولصالح فئة قليلة جدا من الصناع. وأضاف أن هذا الإجراء يتعارض مع توجيهات الحكومة بخفض الأسعار.
وطالب عز، بتشديد الرقابة على المنافذ الجمركية لوقف التهريب الذى يضر بمصالح المستهلك والمنتج والاقتصاد المصري.
وتنص القرارات الجديدة للمركزي على إجراء عمليات استيراد السلع التجارية الاستهلاكية من خلال "مستندات تحصيل واردة للبنوك مباشرة عن طريق المصارف في الخارج مع عدم قبول مستندات التحصيل الواردة مباشرة للعملاء، وتُمنح المصارف مهلة لمدة شهر من تاريخه لتطبيق ذلك".
وقال مصرفي لرويترز "إن ذلك يعني أن مستندات العمليات الاستيرادية ترسل من مصرف إلى مصرف ولا دخل للعميل في ذلك". ويعني هذا عدم اعتداد المصارف بأي فواتير يقدمها المستورد المحلي الذي يقوم باستيراد سلع استهلاكية على أن يكون تقديم الفواتير من خلال المصرف الذي يتعامل معه الطرف المصدر في الخارج، أي أن تكون المعاملات بنكية فقط وليس من خلال العملاء.

اقرأ أيضا: توقعات دولية بارتفاع الدولار إلى 8.50 جنيهات مصرية

ويشكو المنتجون المحليون في مصر من عدم قدرتهم على منافسة أسعار السلع المستوردة بسبب عمليات التهرب الجمركي والتلاعب في فواتير الاستيراد.

وقال المركزي إن عمليات "استيراد سلع لغير غرض الاتجار مثل ما تقوم به المصانع باستيراده من السلع الرأسمالية أو مستلزمات الإنتاج والخامات وغيرها فلا قيد عليها على الإطلاق إلا القواعد المصرفية المعتادة".
والسلع الرأسمالية هي السلع التي يمكن شراؤها لمزاولة عمل ما ولا يمكن ممارسة هذا العمل بدونها وتستخدم إما لإنتاج سلع أخرى أو تقديم خدمات ذات نوعية متميزة.
وطالب المركزي المصارف "بعدم السماح بإعادة تمويل العمليات الاستيرادية لأغراض التجارة من خلال منح حد تسهيلات مؤقتة بالعملة الأجنبية، مع السماح بإعادة تمويل العمليات لغير أغراض التجارة والسلع الغذائية الأساسية والتموينية، غير شاملة هيئة السلع التموينية، والأدوية والأمصال والمواد الكيماوية الخاصة بها وألبان الأطفال".
وكان هشام رامز محافظ المركزي المصري السابق قد انتقد في سبتمبر/أيلول الاستيراد العشوائي الذي يلتهم الموارد المحدودة لمصر من العملة الصعبة قائلا إن بلاده استوردت تفاحا بقيمة 400 مليون دولار بخلاف استيراد سيارات بقيمة 3.2 مليارات دولار خلال 2014-2015.
ومنذ شباط/فبراير الماضي، يفرض المصرف المركزي قيوداً على تداول الدولار لمكافحة السوق السوداء، حيث فرض سقفا للإيداع الدولاري النقدي في المصارف. وبدأ سياسة العطاءات المنتظمة 3 أيام في الأسبوع، منذ 31 ديسمبر/كانون الأول من عام 2012، لتخفيف الضغط على الدولار، ومحاربة السوق السوداء.
ورغم الإجراءات الحكومية للحد من ارتفاع الدولار، توقعت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" البريطانية للأبحاث، أن يخفض المركزي المصري قيمة الجنيه، ربما في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
وقالت المؤسسة في تقرير، صدر أمس، إنها تتوقع أن تنخفض العملة المصرية إلى نحو 8.50 جنيهات مقابل الدولار بحلول نهاية عام 2016، وهذا من شأنه السماح للمركزي بإلغاء القيود على النقد الأجنبي.
وذكرت أن وتيرة انتعاش الاقتصاد المصري ستكون محدودة، ففي حال انخفاض قيمة الجنيه سيبقى التضخم مرتفعاً في عام 2016، كما أن قطاع السياحة المصري زادت معاناته أعقاب إسقاط طائرة روسية في سيناء.
وأضافت "كابيتال إيكونوميكس" أن التغيرات في المصرف المركزي تشير إلى أن صناع القرار يستعدون لخفض قيمة الجنيه، موضحة أن تحديد الوقت لهذه الخطوة أمر صعب، ولكنه قد يأتي قريبًا.
ويأتي انخفاض العملة المحلية رغم حصول مصر على أكثر من 40 مليار دولار منح ومساعدات من دول الخليج خلال العامين الماضيين، وعادت الحكومة المصرية لتلجأ مرة أخرى للخليج، مؤخراً، للحد من الأزمة المالية ووقف تراجع الاحتياطي، وبدأت مفاوضات الشهر الجاري مع السعودية للحصول على منح وقروض ووديعة جديدة ومشروعات استثمارية، ورغم الوعود التي أطلقتها الرياض بتوفير مواد بترولية وضخ استثمارات إلا أنها مرهونة بعدة شروط وضوابط.

اقرأ أيضا: المركزي المصري يفرض قيوداً على الاستيراد لشح النقد الأجنبي
المساهمون