تخزين البيانات في الحمض النووي.. "فلاش مموري" من الطبيعة

04 اغسطس 2017
+ الخط -

تنتج البشرية بيانات بمعدّل عال للغاية، يصعب على تقنيات التخزين مواكبته. فكل خمسة أعوام، تزداد كمية البيانات التي ننتجها عشرة أضعاف، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لا يصنع مُصنّعو أجهزة تخزين البيانات محرّكات أقراص صلبة ورقائق فلاش سريعة بالقدر الكافي لتحتفظ بما نودّ الحفاظ عليه. ولأننا لا نتوقّف عن الالتقاط المحموم للصور وتسجيل الأفلام، نحتاج إلى تطوير طرائق جديدة لحفظها.

طوّرت الطبيعة عبر آلاف السنين وسيلة مدهشة لتخزين للمعلومات، وهو الحمض النووي DNA. تطوّر ليخزن المعلومات الوراثية والمخطّط الأولي لبناء البروتين، لكن يمكن استخدامه لأغراض كثيرة أخرى غير ما سبق. كما أن الحمض النووي أكثف من وسائط التخزين الحديثة: البيانات الموجودة على مئات الآلاف من أقراص الفيديو الرقمية أو ما يعرف بالدي في دي (DVDs) قد يمكن احتواؤها داخل حزمة من الحمض النووي في حجم علبة الثقاب. كما أنه مُعمّر: يمكنه البقاء لآلاف السنين في حين يدوم عمر الأقراص الصلبة لسنوات أو عقود. وبينما تتقادم تنسيقات القرص الصلب ومقاييس التوصيل، لن يحدث ذلك مطلقًا للحمض النووي، على الأقل ما دامت الحياة.

في عام 2016 حطم باحثون من جامعة واشنطن وشركة مايكروسوفت-Microsoft الرقم القياسي العالمي الخاص بكمية البيانات الرقمية التي خُزنت في جزيئات الحمض النووي DNA واستردت منها بنجاح، فخزنوا 200 ميغابايت من البيانات على اللوالب الحلزوينة الجزيئية للحمض النووي.

قام الفريق بترميز فيديو لفرقة موسيقى الروك OK GO، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان مترجمًا إلى أكثر من مائة لغة وأفضل 100 كتاب على مشروع غوتنبرغ (مشروع تطوعي يهدف إلى تحويل الأعمال الثقافية وتخزينها ونشرها رقميا) وقاعدة بيانات احتياطي البذور العالمي للمنظمة الدولية غير الربحية Crop Trust _ ضمن أشياء أخرى _ على اللوالب المزدوجة للحمض النووي DNA كما قاموا بفكّ ترميزها.

لم يكن الجزء المُبهر في الأمر كميّة البيانات التي أمكنهم ترميزها على الحمض النووي المُركب ومن ثمّ فكّ ترميزها. لكن كذلك المساحة التي أمكنهم التخزين فيها. فقد شغلت البيانات حيّزًا أصغر من رأس قلم رصاص في أنبوب الاختبار.

تُخزن الوسائط التقليدية مثل الأقراص الصلبة ووحدات الذاكرة الفلاشية المعروفة باسم "يو إس بي"، وأقراص الفيديو الرقمية (DVDs) البيانات الرقمية لمادة ما إما بتغيير خصائصها المغناطيسية والكهربائية وإما بتغيير الطيف الكهرومغناطيسي لتخزينها على هيئة بتات قيمتها 0 أو 1 (بت-Bit: الوحدة الأساسية للمعلومات يستخدم في الحوسبة والاتصالات الرقمية).

ولتخزين البيانات في الحمض النووي، يظلّ المفهوم نفسه كما هو، لكن ما يختلف هو سير العملية. فجزيئات الحمض النووي عبارة عن تسلسل طويل لجزيئات أصغر، تدعى نوكليوتيدات (وحدة أساسية في بناء الحمض النووي الريبوزي) وهي عبارة عن الحروف الأساسية التي تكتب بها الجينات التي تنقل أوصاف الطفل من الأم والأب: أدنين A وثيمين T وسيتوزين C وجونين G. فبدلًا من إنشاء تسلسلات من 0 و1 كما يحدث في الوسائط الإلكترونية، تُستخدم تسلسلات من النوكليوتديات في عملية التخزين في الحمض النووي.

في الوقت الحالي، لا تزال عملية تخزين البيانات في الحمض النووي في طورها التجريبي. وقبل أن تصبح أمرًا شائعًا، ينبغي أن تكون مؤتمنة بالكامل، ويجب أن يُحسّن سير عمليتي بناء الحمض النووي وقراءته. لأن كلتيهما عرضة للخطأ وبطيئتان نسبيًا. على سبيل المثال، يتيح لنا تركيب الحمض النووي الحالي كتابة بضع مئات بايت (Byte: 8 بتات) في الثانية؛ في حين يكتب القرص الصلب الحديث مئات الملايين من البايتات في الثانية. قد يستغرق تخزين صورة في الحمض النووي ساعات، لكن يستغرق حفظها على الهاتف أو نقلها إلى حاسوب أقل من ثانية.

المساهمون